مفاوضات سلطان عمان في طهران… الأهداف والمحاور
السياسية – رصد :
بينما كانت وسائل الإعلام والسلطات الإيرانية والعمانية تعلن عن زيارة هيثم بن طارق سلطان سلطنة عمان إلى طهران منذ عدة أشهر، فقد وصل أخيرًا الموعد المحدد لهذه الزيارة المهمة، والتي يعتبرها الكثيرون اقتصاديةً وسياسيةً.
وفي هذا الصدد، أعلنت وسائل الإعلام الرسمية العمانية، الجمعة الماضي، في بيان، أن هيثم بن طارق آل سعيد سيزور طهران يوم الأحد، من أجل تعزيز التعاون الثنائي واستعراض التطورات الإقليمية، بدعوة من الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي. ويرافق بن طارق وفد رفيع المستوى يضم نائب وزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير العدل والشؤون القانونية، وعدد من رجال الأعمال.
تتم هذه الزيارة بعد عام واحد بالضبط من زيارة رئيسي إلى مسقط، عندما وقع البلدان عدة مذكرات تفاهم لتعزيز العلاقات على جميع المستويات. وحسب تقارير إعلامية، ستركز محادثات سلطان عمان مع رئيسي على تعميق مجالات التعاون القائمة، واستكشاف سبل جديدة لتحقيق المنفعة المتبادلة. کما يعدّ هذا الاجتماع فرصةً لتعزيز العلاقات الدبلوماسية وتبادل وجهات النظر حول التحديات الإقليمية، وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري
تعدّ مسألة التعاون التجاري بين إيران وسلطنة عمان، من أهم القضايا التي يتم التأكيد عليها دائماً خلال زيارات مسؤولي البلدين، ويمكن لمثل هذه اللقاءات أن تحسن مستوى التعاون.
وقال محمد بن عبد الحسين باقر، رئيس الجانب العماني في مجلس رجال الأعمال العماني الإيراني: “إن الزيارة الرسمية للسلطان هيثم بن طارق إلى إيران لها أهداف كبيرة، ستعمل على تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين الصديقين من خلال زيادة حجم التبادل التجاري، وإيجاد المزيد من المشاريع الاستثمارية والشراكات المشتركة، وهذا يدل على أن غرفة التجارة والصناعة العمانية ستنظم علاقات تجارية بالتعاون مع الجانب الإيراني، وستقام العديد من المعارض التجارية العمانية والإيرانية في البلدين هذا العام”.
حسب إحصاءات الجمارك الإيرانية، فإن صادرات إيران إلى سلطنة عمان عام 2022 كانت تساوي 1.087 مليار دولار، وكان هذا الرقم يساوي 716 مليون دولار عام 2021. في المقابل، يُظهر حجم واردات إيران من عمان في عام 2022 نموًا بنسبة 29٪ مقارنةً بـ 2021. کما بلغت واردات إيران من عمان عام 2022 ما يعادل 800 مليون دولار، وقدِّر حجم واردات إيران من عمان عام 2021 بما يعادل 619 مليون دولار.
وحسب التقارير، فإن أكثر من ألفي شركة إيرانية تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية العمانية. وتشير هذه الإحصائيات إلى أن العلاقات بين البلدين قد ازدادت في الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة، وكان التعاون الأهم في مجال الطاقة، حيث من المفترض أن توفر إيران جزءًا من احتياجات الجانب العماني.
وفي هذا الصدد، أعرب وزير الطاقة العماني، سالم العوفي، قبل شهرين، عن ارتياحه للتقدم المحرز في مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز الإيراني لتصدير الغاز إلى سلطنة عمان.
وذكر أن استيراد بلاده للغاز من إيران لم يكن بسبب حاجتها للغاز، وقال: “سلطنة عمان ستكون مكتفيةً ذاتياً في تلبية احتياجاتها من الغاز في السنوات العشر المقبلة، لكن الاستفادة من الغاز الإيراني لها مزايا أخرى، من بينها تصديره من عمان على شكل غاز سائل أو هيدروجين أزرق، وتوسيع الصناعات المحلية أو ربطه بالهند والإمارات. على أي حال، كل الخيارات مطروحة، ومع وجود الغاز الإيراني في عمان كل الخيارات ممكنة”.
وفقًا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها في عام 2013، كان من المقرر تصدير 28 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني سنويًا عبر خط أنابيب بطول 400 كيلومتر من قاع البحر إلى عمان، وكان من المقرر نقل جزء منه في شكل سائل إلى الهند ومناطق أخرى. لكن بسبب العقوبات الأمريكية، لم يصل هذا المشروع إلى النتيجة المرجوة، لكن الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة تتابع هذه الخطة بجدية، وقد تم التوقيع على اتفاقيات بين المسؤولين من الجانبين أيضًا، ومن المؤمل أن تستكمل هذه الخطة بالنظر إلی الجهود المبذولة.
لقد حقّق العمانيون إنجازات في مجال تحويل الغاز الطبيعي إلى سائل ونقله للخارج عبر الناقلات والسفن، وبفضل التعاون الثنائي بين طهران ومسقط، يمكن لإيران استخدام هذه القدرات في هذا المجال أيضًا، وتصدير غازها في صورة سائلة إلى زبائنها.
بالإضافة إلى زيادة العلاقات الاقتصادية مع إيران، فتحت سلطنة عمان مؤخرًا فصلاً جديدًا من التعاون العسكري مع طهران، وهو أمر مهم للغاية ويمكن أن يكون نقطة انطلاق للعلاقات بين جانبي الخليج الفارسي.
في الشهر الماضي، قام عدد من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين برئاسة اللواء علي باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، بزيارة مسقط واجتمعوا بمسؤولين عسكريين عمانيين.
وفي هذا السياق، أعلن الجانبان عن استعدادهما لزيادة التعاون العسكري وإرساء الأمن في الخليج الفارسي، وشددا على أن السلام يجب أن يقوم به الجيران أنفسهم وليس من قبل القوى الأجنبية. ويمكن أن يكون التعاون العسكري بين إيران وسلطنة عمان مقدمةً للتعاون مع الدول العربية الأخرى، لإحداث نوع من التقارب في المجال العسكري.
بشكل عام، تحتل سلطنة عمان مكانةً خاصةً في سياسة إيران الخارجية، وفي العقود الأربعة الماضية، كانت مسقط، بسياستها الحيادية، تمثل عملياً ثقلًا متوازنًا في العلاقات بين طهران والعالم العربي(خاصةً مجلس التعاون)، ووسيطًا موثوقًا به في النزاعات الإقليمية والدولية لإيران. کما أن سلطنة عمان هي نوع من حلقة الوصل بين إيران والعرب في المنطقة، ويمكن أن تقود كلا الجانبين نحو التعاون الاقتصادي والعسكري.
الوساطة للإفراج عن سجناء إيرانيين وبلجيكيين
إضافة إلى القضايا الثنائية، فإن القضايا الدولية والإقليمية مدرجة أيضًا على جدول أعمال زيارة سلطان عمان إلى طهران.
حيث أعلنت وزارة الخارجية العمانية، الجمعة الماضي، عقب الإعلان الرسمي عن زيارة هيثم بن طارق لطهران، نجاح وساطة هذا البلد بين بلجيكا وإيران للإفراج عن مواطني البلدين المعتقلين، وسيتم نقل شخصين مفرج عنهما إلى مسقط للتبادل.
وبعد هذا الاتفاق، تم تبادل أسد الله أسدي، الدبلوماسي الإيراني المحتجز في بروكسل، مع سجين بلجيكي يدعى أوليفييه فاندكاستيل، وعاد إلى إيران.
لطالما كانت قضية سجناء الجنسية المزدوجة والرعايا الغربيين في إيران، واحدةً من أكثر القضايا تحدياً بين طهران والغربيين، ولعبت سلطنة عمان دورًا في إطلاق سراح سجناء من كلا الجانبين عدة مرات من خلال الوساطة.
من ناحية أخرى، يُعرف اسم سلطنة عمان في إيران بالوساطة في القضية النووية، ويبدو هذه المرة أن هذا الموضوع سيُثار مرةً أخرى خلال زيارة سلطان عمان. وعلى الرغم من أن الأمريكيين يدعون حاليًا أنهم لا يركزون على الاتفاق النووي وأنهم أزالوه من جدول الأعمال، يبدو أن العمانيين يحاولون تحريك الملف مرةً أخرى لإكمال هذه القضية.
لذلك، من المحتمل أن يحمل هيثم بن طارق خلال زيارته لطهران رسائل من مسؤولي واشنطن حول موضوع المفاوضات وحتى الإفراج عن سجناء مزدوجي الجنسية، وهو ما أكد عليه مسؤولو البيت الأبيض.
في الواقع، من بين الدول العربية، تمتلك سلطنة عمان قدرات كبيرة في خلق مبادرات دبلوماسية، لأنها تتمتع بعلاقات خارجية جيدة مع إيران، وعلاقاتها مع العرب والدول عبر الإقليمية مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في الاتفاق النووي، بناءة ودون تحدٍّ، ولهذا يمكن أن تكون وسيطًا جيدًا لحل نزاعات طهران مع الآخرين.
الوساطة بين طهران والقاهرة
سلطنة عمان، التي تحاول إرساء السلام والصداقة بين إيران والدول العربية، تحاول هذه المرة أيضًا ربط واحدة من أهم الدول في العالم العربي بإيران. لذلك، قبل سفره إلى طهران، ذهب سلطان عمان إلى مصر للقاء كبار المسؤولين في هذا البلد.
وأفادت وسائل إعلام عربية أن زيارة سلطان عمان للقاهرة، يمكن أن تكون مقدمةً للوساطة بين إيران ومصر، ومن المواضيع التي نوقشت بين الجانبين تطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة، وقد أعلن سلطان عمان استعداده للتوسط في هذا الصدد. كما أكد عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عمان في القاهرة “أننا نأمل في حل جميع الخلافات السياسية القائمة بين إيران والدول العربية”.
لقد استضافت عمان سابقًا ثلاث جولات من المحادثات بين إيران والسعودية العام الماضي، ما أدى في النهاية إلى اتفاق بين البلدين في الصين، ويظهر أن العمانيين لعبوا دورًا بناءً في هذا المسار المتعرج. ولذلك، يمكن أن يلعبوا دورًا مهمًا في تطبيع العلاقات بين إيران ومصر.
من ناحية أخری، أعلن المسؤولون في القاهرة مراراً استعدادهم لتحسين العلاقات مع إيران في الأشهر الأخيرة، وعقدت اجتماعات بين المسؤولين من الجانبين في العام الماضي، وتشير الدلائل إلى أن ظروف إقامة العلاقات بين البلدين قد تم تسهيلها.
حل الأزمة في اليمن
من المواضيع التي يمكن ذكرها في زيارة سلطان عمان، الجهد المبذول لحل الأزمة في اليمن. ورغم أنه كان متوقعاً بعد الاتفاق بين إيران والسعودية في مارس/آذار الماضي، أن تنتهي الحرب في اليمن بعد 9 سنوات، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء فعال في هذا الصدد، وسوی اللقاءات بين السلطات السعودية وأنصار الله لتبادل الأسرى، لم تتحقق أي انفراجة.
يعتقد قادة أنصار الله، الذين نفد صبرهم من حالة اللا حرب ولا السلام التي ظهرت في اليمن في الأشهر الأخيرة، أن السعوديين يضيعون الوقت في عملية التفاوض وبالتالي رفع العقوبات عن اليمن.
لقد حذرت سلطات أنصار الله مراراً السلطات السعودية من أنها إذا أرادت استمرار الحصار والاحتلال في اليمن، فإنها ستستهدف عمق أراضي المعتدين، وهم مستعدون لذلك. وقالت أنصار الله إنه حتى يتم رفع الحصار وتنسحب القوات الغازية من مناطق جنوب اليمن، لن تكون هناك معاهدة سلام، ولديهم القدرة على استعادة حقوق وموارد الشعب اليمني من الغزاة بالقوة العسكرية.
وبالنظر إلى أن اليمنيين غاضبون للغاية من الوضع الحالي، وهناك احتمال أن يبدأوا جولةً جديدةً من الهجمات ضد السعودية والإمارات لكسر الحصار، لذلك يمكن لهذا أن يشعل نار الحرب من جديد.
وسلطنة عمان، التي حاولت إنهاء الصراع في اليمن من خلال الوساطة بين السعوديين وأنصار الله في العام الماضي، تعتبر استمرار هذه الأزمة خطيرًا على السلام والاستقرار في الخليج الفارسي، وبالتالي فهي تحاول إنهاء هذه الأزمة بمساعدة طهران والرياض، بعدما هدأت التوترات بين هاتين الدولتين الكبيرتين في المنطقة.
المصدر : الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر