السياسية:

قبل أربعين عاماً، عندما وُضع حجر الأساس لحزب الله لمواجهة الكيان الصهيوني، اعتقد الكثيرون أن قوة هذه الجماعة المسلحة ستقتصر إلى الأبد على شن هجمات مسلحة وإيجاد موطئ قدم في جنوب لبنان، ولكن الطفل الصغير في ذلك الوقت أصبح الآن جيشًا منظمًا وقويًا تمتد استراتيجياته الدفاعية والأمنية خارج حدود لبنان.

عشية الذكرى الثالثة والعشرين لتحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني (25 مايو 2000)، أظهر حزب الله مرة أخرى قوته العسكرية لأعدائه، وأجرى 200 من عناصر حزب الله تدريبات بالرصاص يوم الأحد في واحدة من ثكناته في جنوب لبنان قرب مليتا في محاكاة للحرب، وعرضوا صواريخهم وآلياتهم العسكرية. وحضر هذا التمرين وحدات متخصصة من مختلف الرتب العسكرية لحزب الله.

في هذه المناورة التي أطلق عليها اسم “سنعبر”، استخدم حزب الله اللبناني مجموعة متنوعة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وقاذفات صواريخ وعربة مصفحة مزودة برصاص ثقيل ومدافع مضادة للطائرات إلى جانب صواريخ مضادة للدروع وقاذفات. إضافة إلى سلاح جديد غير معروف جذب انتباه الجميع يبدو أنه يستخدم لاصطياد الطائرات دون طيار باستخدام موجات الراديو.

وصرح محمد عفيف، رئيس العلاقات الإعلامية في حزب الله ، أن طبيعة ومكان وزمان هذا النشاط العسكري معروف ويتم تنفيذه أمام المراسلين ووسائل الإعلام بمناسبة الاحتفال بالمقاومة والتحرير، وهو مثال بسيط على الإمكانيات الحقيقية للمقاومة في إطار إرسال رسالة إلى الكيان الإسرائيلي حول جهوزية المقاومة لمنع أي عدوان من قبل العدو والدفاع عن لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن حزب الله لم يقصر التغطية الإعلامية لهذا التمرين على وسائل الإعلام التابعة له، بل تمت دعوة أكثر من 600 من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية لتغطية هذا التمرين.

وأشار هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، إلى أن قوة المقاومة تتزايد، وقال: “من يثق بالقرارات الدولية المجتمع الدولي يخسر، ومن يعيد فلسطين ويحمي ثرواته هو الرابح”. وأكد أنه في هذا التمرين يظهر الاستعداد الكامل والدائم للتعامل مع أي عدوان وإرساء معادلات الردع التي تحمي لبنان. وقال صفي الدين إن مقاومة اليوم قوة واسعة ومحور كامل يمتد مداها من إيران إلى غزة والضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلة ولبنان، وستتقدم وتتطور يوما بعد يوم، والمقاومة التي حققت إنجازا كبيرا بانتصاراتها لن تتعب، وقال هذا المسؤول في حزب الله: “إذا فكر العدو في توسيع دائرة هجماته، فإن المقاومة مستعدة لإطلاق الصواريخ على العدو حيث لا يستطيع الرد، وإذا ارتكب العدو حماقة وتجاوز قواعد اللعبة وسيرى هجمات صواريخنا ويجب أن يعرف العدو ما نعنيه “.

وحسب نوع التدريبات العسكرية التي تم عرضها، فقد كانت الأهداف الصهيونية جميعها مستهدفة، وبعبارة أخرى، كانت هذه التدريبات العسكرية تذكيرًا بانتصارات حزب الله على الغزاة في السنوات التسع الماضية بالعمل بالمعادلة “جيش، وطن، مقاومة”، والتي سطرت أوراقها الذهبية في تاريخ لبنان، الأمر الذي حذر المغتصبين من العودة إلى تراب البلاد بعد ما يقرب من عقدين.

الرعب في قلوب الصهاينة

كان واضحاً للجميع أن تدريبات حزب الله الأخيرة كانت عرضاً خاصاً للقوة ضد الصهاينة لإعادة النظر في سياساتهم تجاه لبنان. الصهاينة، الذين عبّروا في السنوات الأخيرة عن قلقهم من تنامي قوة حزب الله في الأراضي المحتلة، فهموا رسالة المقاومة في وقت أبكر مما كان متوقعا.

وفي إشارة إلى قلق قادة هذا الكيان بسبب الأسلحة التي يمتلكها حزب الله، أكدت وسائل الإعلام الصهيونية أن تمرين حزب الله يحمل رسالة مهمة لإسرائيل. وأعلنت وسائل إعلام صهيونية: السلاح الذي لم يتم عرضه في هذه المناورة كان صواريخ حزب الله النقطية، ومشكلتنا وهذا السلاح الذي سرق النوم من أعين المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

وقالت القناة 13 التابعة للكيان: “حزب الله يريد أولاً أن يهدد وينقل رسالة من خلال مناورته الاستثنائية في جنوب لبنان، تم استخدام أسلحة وعربات مصفحة، إضافة إلى أنواع مختلفة من الطائرات الانتحارية الخاصة دون طيار. في هذه المناورة قام حزب الله بمحاكاة هجوم على إسرائيل واختطاف جنود إسرائيليين، وكذلك مواجهة الغزو الإسرائيلي الذي يعتبر نوعًا من المواجهة أو الحرب الشاملة. هذا التمرين هو في الواقع رسالة لإسرائيل مفادها بأن حزب الله هو في الواقع جيش منظم بقوات خاصة وأسلحة.

وأعرب المسؤولون الصهاينة مرارًا عن قلقهم من الصواريخ النقطية التي أشار السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، إلى وجود المئات منها في ترسانة المقاومة. لأنهم يعرفون أنه في حالة نشوب صراع في المستقبل، فإن حزب الله سيستخدم هذه الصواريخ لاستهداف منشآت حساسة في الأراضي المحتلة، وكانوا ينتظرون ليروا قوة هذه الأسلحة بأعينهم، لكن يبدو أن حزب الله لا نية لديه في الوقت الراهن لكشف أسلحته الاستراتيجية، لأن سلطات تل أبيب قد تشرع في مشروع لمواجهة هذه الأنواع من الصواريخ. لذلك ترك حزب الله هذه الورقة الرابحة جانباً لمفاجأة عدو الاحتلال.

على الرغم من أن هذا التمرين أقيم لإحياء ذكرى تحرير لبنان من العدو الصهيوني، إلا أنه منذ إجراء استعراض القوة هذا بعد أسبوع من اندلاع المواجهات في غزة، فإنه يحمل رسائل مهمة، وخاصة في مجال وحدة ساحات المقاومة. كما كان تحذيرًا أيضاً للمتطرفين الذين نظموا مسيرة استفزازية للأعلام في القدس المحتلة الأسبوع الماضي.

في الأشهر الأخيرة، حذر قادة حزب الله مرارًا وتكرارًا من مغامرات الصهاينة في الضفة الغربية وغزة ، وحتى قبل أسابيع قليلة، سمحوا لقوات حماس بشن هجمات صاروخية من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة، والذي كان تحذيراً للعدو من أن المقاومة متحدة، لذا فإن أي عمل ضد جانب واحد من المقاومة سيقابل برد حاد من أفرعها الأخرى.

في الوقت الذي لم يكن فيه حزب الله يضاهي الكيان الصهيوني من حيث السلاح، تمكن من طرد الغزاة من جنوب لبنان، ووجه ضربات قاتلة للعدو في حرب الـ 33 يومًا عام 2006، ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ الصهاينة على إطلاق النار على لبنان، وهم خائفون من قوة الردع التي خلقها حزب الله في السنوات الأخيرة.

رأينا خوف الإسرائيليين من أزمة حقل غاز كاريش، وهو أمر معروف بين لبنان وهذا الكيان، عندما تراجعت سلطات تل أبيب، مع تحذيرات نصر الله المتكررة، عن طموحاتها ووافقت على اتفاق مع الحكومة اللبنانية. حتى بنيامين نتنياهو الذي وعد بإلغاء هذه الاتفاقات بمجرد وصوله إلى السلطة، لم يتخذ أي إجراء ضد حزب الله بعد 5 أشهر من حكومته المتطرفة، ويخشى الدخول في صراع مع قوى المقاومة. كما هو الحال في الأسابيع الأخيرة، اعترف نتنياهو ومسؤولون آخرون في تل أبيب أنهم لا يستطيعون التعامل مع لبنان وغزة في نفس الوقت وأعربوا عن قلقهم بشأن فتح جبهات نزاع متعددة.

وبهذا التمرين أرسل حزب الله إشارة إلى الأعداء بأن المقاومة في ذروة قوتها وهي حامية لوحدة أراضي اللبنانيين ومصالحهم السياسية والاقتصادية، وأي تجاوز على أرض وحقوق الأمة اللبنانية. سيواجه برد ساحق من قبل حزب الله.

لقد تم استعراض قوة حزب الله بينما كثف المتطرفون في تل أبيب جهودهم الاستفزازية هذه الأيام، وهذه القضية يمكن أن تشعل نار الحرب في الأراضي المحتلة، وحزب الله يحاول إعلام نتنياهو وأصدقائه أن الجماعات الفلسطينية ليست وحيدة. في الأيام الأخيرة، كرر نتنياهو إهاناته مرة أخرى وادعى أنه في حالة وقوع هجمات صاروخية من غزة، سيرد الجيش الصهيوني بشكل حاسم، لكن إظهار قدرات حزب الله في التدريبات الأخيرة كان بمثابة ماء بارد على خطاب قادة تل أبيب.

إنجازات حزب الله وتكتيكاته الجديدة

ما لا شك فيه أن الكثيرين لم تكن لديهم معلومات دقيقة عن القوة العسكرية لحزب الله وعدد أجهزته، وكلهم علقوا على أدواته الحربية بناء على افتراضات وتكهنات، وكانوا ينتظرون الكشف عن الإنجازات الجديدة لهذه الحركة من مصدرها.

من هذه القدرات وهو ما كان ملحوظًا لدى الجميع في تمرين حزب الله، هو العدد الكبير من المدرعات والمنظومات الصاروخية والوحدات الخاصة المتقدمة المضادة للدروع في تنظيمه العسكري. كما تم عرض كاسحة ألغام صينية GBP12 الصنع في هذا التمرين. يمكن حمل كاسحة ألغام خفيفة بكل ملحقاتها داخل مقصورة مثل حقيبة ظهر بواسطة الوحدات الأرضية، ويبلغ وزن كاسحة الألغام هذه حوالي 15 كجم، وبعد الانفجار يمكنها إخلاء مساحة بطول 20 مترًا وعرض 9 أمتار.

إضافة إلى ذلك، كان التنوع التكتيكي المتقدم لقوات حزب الله العسكرية ملحوظًا في التدريبات الأخيرة التي تحاكي هجومًا على مراكز حساسة في الأراضي المحتلة والمستوطنات الصهيونية. تألف موقع التمرين من جدار إسمنتي مرتفع شبيه بالجدار الذي بناه الكيان الصهيوني على الحدود مع لبنان، وكُتبت عليه شعارات مثل “نحن قادمون” و “انتقام شديد” بجانب صورة المسجد الأقصى.. إن محاكاة الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية، وعملية أسر جنود وآليات عسكرية ودخول الأراضي المحتلة، كانت جزءًا من عرض المهارات الفردية لمقاتلي حزب الله، التي لا يمكن لأي شيء أن يقف في وجهها.

ومن القضايا المهمة الأخرى المتعلقة بهذا التمرين، والتي أشار إليها حتى الصحفيون الأجانب الموجودون في جنوب لبنان، أن حزب الله قد غير مرحلته من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم. ووصف مراسل أمريكي عملية تسلل حزب الله بأنها عملية فريدة من نوعها. كما قال صحفي هولندي إنه فوجئ بما رآه، وأن جيوش العالم يجب أن تتعلم تقنيات الحرب هذه من قوات حزب الله.

من ناحية أخرى، أظهر حزب الله في هذه المناورة قدرات تشكيلاته المدرعة التي من المفترض أن تمنع الغزو البري الإسرائيلي للبنان، إضافة إلى العديد من منصات الإطلاق المثبتة على المركبات، والتي يمكنها إطلاق الكثير من النيران وتحدي نظام القبة الحديدية. وبينما كانت عيون الصهاينة وآمالهم معقودة على قوة القبة الحديدية لإضعاف قدرات المقاومة، رأينا أنها فشلت في مواجهة صواريخ المقاومة في فلسطين. هذا ولن يمنع أي من التحديات الاقتصادية والسياسية من تطوير ردع حزب الله وقوة عسكرية.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع