السياسية:
لطيفة الحسيني*

 

عكس التيار الجاري في الإقليم، يسير النظام البحريني في خياراته وقراراته وخطواته الداخلية. الموجة الإيجابية التي تطغى على المنطقة العربية بعد الاتفاق السعودي الإيراني واستئناف علاقات الدول مع سورية، لا تنسحب على خُطط الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة لشعبه. كلّ المعطيات تؤكد أنه عازم على التعقيد والتصعيد بدل استيعاب شريكه في الوطن.

قبل نحو عام، عاد المصلّون الى جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، حيث صلاة الجمعة المركزية في البحرين، بعد أعوام من الانقطاع لظروفٍ سياسية وصحية. الزخم الذي رجع به هؤلاء كان مميّزًا. حشودٌ تتوالى كلّ يوم جمعة للمشاركة في الصلاة والإنصات الى الخطيب دينيًا وسياسيًا. الكوفية الفلسطينية والهتاف رفضًا للذلّ وطلبًا بموت “إسرائيل” طَبَعَا هذا النشاط الأسبوعي الثابت، فأضحى خطاب الجمعة مُنتظرًا لآلاف المسلمين الشيعة في الديرة وجماعة النظام على حدّ سواء.

تعرّض خطيب المنبر الشيخ محمد صنقور للتضييق كثيرًا. لم يرُق للسلطة أيٌّ من المواقف التي أطلقها على مدار قرابة السنة. الشقّ السياسي في كلامه الذي كان يتناول القضايا المحلية الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وصولًا الى التطبيع مع الصهاينة، أزعجه للغاية. الهتافات والبيئة الحاضنة للقضية الفلسطينية على الدوام في قلب الجامع والبيوت في الأصل دفعت بالسلطة الى التحرّك ميدانيًا لوقف مصدر هذا القلق.

منبر الدراز المركزي يُقلق آل خليفة

في المعلومات، وصلت أكثر من رسالة الى قيادات المجتمع الديني في البحرين تُعبّر بصراحة عن غضب السلطة ممّا يجري في الدراز أسبوعيًا. حاول العلماء المُشرفون على الخطاب الديني الحؤول دون تعريض خطيب المنبر لأيّ تضييق أمني، على الرغم من استماتة السلطة وأجهزتها في مُحاصرة الجامع ومن يقصده. تناوب الشيخ صنقور والعلامة الشيخ علي الصددي على المنبر تباعًا. جرى التمنّي على الحاضرين للتخفيف من النداءات والهتافات حرصًا على سلامتهم من أيّ توقيف قد يطالهم بغتةً.

في المقابل، لم يكن النظام أهلًا لأمان المصلّين ولا لإمامهم. من كان يُراقب أسلوبه في تتبُّعِ المنبر الأسبوعي المركزي في الدراز كان يتوقّع السيناريو الذي تعيشه المملكة اليوم.

أدرك النظام أن منبر الدراز وما يُمثّل من بُعدٍ ديني قديم – جديد وحيثيةٍ مهمّة لدى أهل الديرة سيكون قادرًا على استقطاب الشارع البحريني بشكل مؤثّر، الآلاف تتابع كلامه الجريء وبلغةٍ هادئة وحكيمة قدّمها الشيخ صنقور بوجه السلطة. ينقل مطالب الشعب كما هي ولا يخشى تشدّدًا وتهديدًا.

الهدف: إفراغ منبر الجمعة من مضمونه

التعرّض اليوم لأكثر أئمة المساجد رمزية في البحرين بعد الغياب القسري للمرجع الكبير آية الله الشيخ عيسى قاسم وسجن الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان ليس عاديًا. العلامة والمُحقّق من أقرب الشخصيات للشيخ قاسم، ووكيلٌ شرعي لعددٍ من المرجعيات، ورئيس حوزة الهدى للدراسات الإسلامية. التطاول على هذا المقام الديني وما يعني للبحرينيين الشيعة تطوّرٌ خطيرٌ في مسار الأزمة.

تؤكد اللغة الأمنية التي يتحدّث بها النظام من خلال هذا التوقيف وما قد يليه من توقيفات أخرى متوقّعة عجزَ الملك عن مُخاطبة المكوّن الآخر في الوطن ونيّتَه الدائمة في إقصائه. يريد القول إن المنبر والتيار العلمائي المُعارض الذي يُعبّر فعليًا عن هواجس المواطنين سيُحاصر وسيُشلّ كي لا يؤثّر في الأجيال الناشئة والمؤّيدين للخط الديني في البحرين، لا بل يضغط من أجل التدخّل والتحكّم بعناوين خطبة صلاة الجمعة، لتقتصر على القسم الديني ولا تشمل الشقّ الاجتماعي والسياسي، وهو ما يتنافى مع الوظيفة التوعوية والإرشادية للمنبر الخطابي العلمائي. وعليه، رجالُ الدين أكثرُ المعرّضين للخطر ولا سيّما عقيدتهم الرافضة لأيّ ذلّ.

من هنا يُفهم بيان آية الله قاسم عقب التوقيف الجائر، إذ قال سماحته “لا يمكنُ أن تخرسَ كلمةُ الإسلام في البحرين، وأن يتخلّى شعبُها عن قرآنه ونبيّه وسيرة أوليائه في اتخاذ أولياء اللهِ أولياء له، وأعدائه أعداء له، أو أن يركع أو يذلّ لغير الله.  ولا يستطيع أحدٌ أن يشتري رضا هذا الشعب على حساب دينه وعزّته بمالٍ، ولا ينسيه هويتَه الإيمانيّةَ بإرهاب”.

العقلية الإقصائية

أحداثُ اليوم تُعيدنا إلى ما ورد في تقرير صلاح البندر، المستشار السابق في الديوان البحريني، حول استهداف شيعة المملكة وعزلهم ضمن مخطّطٍ مُحكمٍ لضرب الطائفة بأكملها.

أسلوبٌ خَبِرَته السلطة على مدى عقود لتنفيذ اضطهادها الديني والطائفي البغيض. في أحد بنود التقرير الذي عُدّ عام 2006 كأحد أخطر ما حيك ضدّ شيعة البحرين من قبل أحمد بن عطية الله آل خليفة، وزير المتابعة بالديوان الملكي والمتواري اليوم عن الأنظار لسببٍ مجهول، ترِدُ عبارةُ “سري للغاية” التي تتحدّث عن أهمية احتواء المجلس العلمائي في البحرين باعتباره مُنطلقًا للعمل السياسي للطائفة الشيعية حيث تجري عمليات الاستقطاب والتأطير والتعبئة والتنشئة. لذلك يجب التحريض عليها كمركز اتصال جماهيري ومنبر فاعل ومؤثّر، حتى يتمّ السيطرة على هذه الأماكن.

تستند السلطة الى الاضطهاد الطائفي لتأمين استمرارية حُكمها. تتحرّك أمنيًا وتُلازم هذه العقلية بلا مُراجعة فداحتها. تجعل من مكوّن أساسي في المملكة “بُعبعًا” تريد القضاء عليه حتى لا يتهدّد العرش وما تنتفعُ منه. تستهدف العلماء المؤثّرين دينيًا واجتماعيًا وسياسيًا للغرض نفسه، فتزيد الشرخ مع شعبها وتُعمّق الفجوة القائمة كي يتجذّر آل خليفة الى ما لا نهاية بلا معارضة من أحد.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع