بقلم: جوناثان فينتون-هارفي*

 

ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ:

 

في الوقت الذي تجري فيه محادثات السلام لإنهاء المماطلة المستمرة منذ أربع سنوات في اليمن، نفذ تنظيم القاعدة هجوماً فتاكاً على محافظة حضرموت في 3 مايو أسفر عن مقتل العديد من المدنيين، ما يدل على أن هذه الجماعة الإرهابية لا تزال تُمثل تهديداً في اليمن.

 

فعلى الرغم من احتوائها في المحافظات الشرقية والوسطى في حضرموت وشبوة وأبين، إلا أن الجماعة الإرهابية لا تزال تشكل تهديداً قاتلاً لبقية البلاد، كون بيئة الصراع التي ساهمت في ازدهارها ما تزال موجودة.

 

تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو أكبر هي أكبر فرع لتنظيم القاعدة الإرهابي عابر للحدود. فقد تمكن من بسط النفوذ على الكثير من الأراضي في اليمن بعد ثورة الربيع العربي. وقد نجا من حملة القمع التي شنتها حكومة ما بعد الربيع العربي في العام 2012 ومن ثم توسع بسرعة خلال الصراع الحالي. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة والحكومة اليمنية، يتراوح عدد أعضاءها ما بين 6 آلاف و7 آلاف عضواً اعتباراً من العام الماضي.

 

إنه يشكل تهديداً أكبر بكثير من فرع تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن، الذي فشل في دمج نفسه مع المجتمع اليمني وإقامة روابط مع الفصائل المحلية الأخرى بنجاح يضاهي النجاح الذي حققه فرع القاعدة في جزيرة العرب. ناهيك عن أن فرع تنظيم القاعدة كان موجوداً في اليمن منذ الأيام الأولى للجماعة الإرهابية وبنى صلات مع مختلف الفصائل القبلية قبل وأثناء الحرب الحالية. ومقارنة بالمواقع الأخرى، يكافح مجندو تنظيم الدولة الإسلامية الأجانب من أجل الوصول إلى اليمن بسبب الحصار المفروض عليها و يواجهون قيوداً أمنية أثناء دخول البلاد، في حين تعتمد القاعدة على تجنيد السكان اليمنيين المحليين.

 

و إلى جانب تنفيذ العديد من الهجمات القاتلة في جميع أنحاء اليمن، شكل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أيضاً تهديداً دولياً. و تم ربطه بالعديد من الحوادث الإرهابية العالمية، بما في ذلك مذبحة تشارلي إبدو التي جرت في العام 2015 بباريس. كما استهدف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الغربيين من خلال مجلتها الرقمية “إنسباير” التي تصدر باللغة الإنجليزية والتي تقدم إرشادات حول حركة القطارات وصنع القنابل وغير ذلك من النصائح للهجمات الإرهابية فضلا عن تشجيع العنف في الدول الغربية.

 

ومع ذلك، مثل فروع القاعدة الأخيرة ، مثل جبهة النصرة في سورية، ركز تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على الأهداف الإقليمية وبناء الدولة لتأمين قاعدة محلية قوية. لقد حقق بعض النجاح في هذا أيضاً باستخدام قدراته المالية، التي تم الحصول عليها في الغالب من نهب البنوك وتهريب النفط ، لتوفير الأمن الخاص به ولكسب ولاء أجزاء من المجتمع اليمني وكسب تقبل المجتمع له.

 

مع تفكك الدولة اليمنية بعد نفي الرئيس عبدربه منصور هادي إلى المملكة العربية السعودية في أعقاب الثورة الحوثية وحملة القصف السعودية التي تلت، أخذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يتمتع بحرية كبيرة ويتوسع.

 

زادت الغارات الجوية الأمريكية في اليمن ستة أضعاف تقريباً أثناء فترة حكم إدارة ترامب لدعم حملة الإمارات العربية المتحدة المزعومة لمكافحة الإرهاب ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي توفر في حقيقة الأمر الغطاء للحرب ضد الحوثيين. وقامت أبو ظبي بتدريب العديد من الميليشيات، بما في ذلك ما يسمى الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة الشبوانية و “لواء العمالقة”.

 

تزعم الإمارات أنها أخرجت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في العام 2016 من معقله المكلا، خامس أكبر مدن اليمن. ولكنها في الواقع دعته للانسحاب من المدينة ولم تقاتله. وذلك من أجل تمكين القوات الإماراتية من بسط هيمنة أكبر لأبو ظبي في جنوب اليمن.

 

في الواقع، دعمت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فرع القاعدة في جزيرة العرب في حملتهما ضد الحوثيين. وقد كشفت وكالة أسوشيتيد برس أن كلتا الدولتين قد زودتا الجماعة الإرهابية بالأسلحة والمال، ناهيك عن تجنيدهما أعضاء القاعدة في التحالف لمحاربة الحوثيين. فقد انضم مقاتلو القاعدة إلى لواء العمالقة، الذي تم نشر أفراده للاستيلاء على مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيين.

 

كما أن لدى المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة روابط مالية بالقاعدة، وفقاً لملفات سرية رفعت عنها. ولذا فليس من المستغرب أن تدعم المملكة الفرع اليمني، في صراع تسعى فيه الرياض إلى أن يكون لها تأثير جيوسياسي أكبر. لقد دعمت كل من الإمارات و السعودية القاعدة في جزيرة العرب لأسباب إستراتيجية. فعلى سبيل المثال، وجود القاعدة في جزيرة العرب يبرر استمرار وجود الإماراتيين، الرامي في حقيقة الأمر إلى تحقيق طموحاتهم الجيوسياسية للسيطرة على جنوب اليمن ومدينة عدن الساحلية الرئيسية. ومع ذلك، لا يريد أي بلد أن ينمو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على نطاق واسع بحيث يكون له وجود لا يمكن السيطرة عليه في اليمن ويهدد طموحاته الجيوسياسية.

 

فنظراً لأن الوضع في اليمن متقلب ويمكن الجماعات المحلية المختلفة أن تتماشى مع تنظيم القاعدة كما فعلت في الماضي، لا يزال بإمكان القاعدة في جزيرة العرب توسيعه ليشمل أجزاء مختلفة من البلاد.

 

وقد سمح النزاع أيضاً للجماعات المتطرفة الأخرى بالظهور، بما في ذلك الميليشيا السلفية التابعة لأمير الحرب أبو العباس التي تتخذ من تعز مقراً لها، والتي تلقت بصورة مباشرة أموالاً إماراتية على الرغم من كونها إرهابية أمريكية.

 

إن الأسلحة الغربية، التي بيعت للتحالف انتهى بها الأمر بشكل غير مباشر إلى يد القاعدة ، وفقاً لتقرير سي إن إن في فبراير الماضي. ومع تزايد تدفق المعدات العسكرية إلى منطقة تدور فيها الحرب مع وجود تحالفات مختلطة وغامضة فيها، غالباً ما سينتهي الأمر بوصول الأسلحة إلى الأيد غير المقصودة.

 

وبغض النظر عن رواية دولة الإمارات العربية المتحدة عن رغبتها جلب الأمن إلى اليمن، فإن فرع تنظيم القاعدة يزدهر في الأراضي التي تعاني من الفقر و في الدول الفاشلة. و يمكن له فعل الشيء نفسه في اليمن، من خلال الاستمرار في الانحياز مع الميليشيات الأخرى التي تدعمها الإمارات بصورة خاصة. لقد قام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالفعل بهذا من خلال إثارة رواية  للحرب الطائفية.

 

وطالما واستمر اليمنيون غارقون في الفقر واليأس بسبب النزاع، فإن القاعدة في جزيرة العرب ستكون قادرة على تجنيد أعضاء جدد.

 

فقط من خلال إنهاء الحرب في اليمن والعمل على دفع السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى قطع دعمهما لتنظيم القاعدة وإعادة بناء البلد المدمر، يمكن أن يبدأ التهديد المتطرف في اليمن في التراجع.

 

 

 

 

*جوناثان فنتون-هارفي هو صحفي وباحث متنقل يركز على النزاعات والعلاقات الدولية والقضايا الإنسانية داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

وقد ركز بشكل خاص على الصراع اليمني والسياسة الخارجية الإقليمية لمجلس التعاون الخليجي والليبي.  درس أيضاً دراسات التاريخ والشرق الأوسط بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة.

 

 

صحيفة “در فرايتاج” الألمانية، نقلاً عن موقع “لوبلوج الأميركي التابع لمعهد الدراسات السياسية بواشنطن