محاربة الصين تحتاج أمريكا إلى دكتاتور.. فهل يكون ترامب أم بايدن أم شخص آخر؟
السياسية:
يعد تحول العالم عن التسويات بالدولار اليوم أكثر القضايا سخونة وشعبية بالنسبة للجميع، من دونالد ترامب إلى وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين وبين أكبر وسائل الإعلام في العالم.
المستفيد الرئيسي من هذه العملية بالطبع هو اليوان الصيني، ونتيجة لهذا التحول سيقع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي للولايات المتحدة الأمريكية.
ليس لدى الولايات المتحدة طريقة أخرى للتخلص من ذلك سوى بتدمير الصين بالوسائل العسكرية. وكان توقيت بدء صراع محتمل يتحدد بشكل أساسي من خلال سرعة تعزيز الصين لقدراتها العسكرية، حيث كان على الولايات المتحدة أن تختار الوقت المناسب قبل أن تصبح الصين محصنة ضد الخطر، أي حول الأعوام 2027-2030.
إلا أن ارتفاع التضخم العالمي في عام 2022، والعملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والأزمة المصرفية في مارس من هذا العام، أدوا إلى تسريع الأحداث على نحو ملحوظ، ومن المحتمل أن تشل الأزمة الاقتصادية الولايات المتحدة في أقرب وقت من بين أعوام 2023 أو 2025، وهو ما يضع القيادة الأمريكية، أيا ما كانت، أمام الحاجة إلى حل قضية الصين في أسرع وقت ممكن.
في نفس الوقت، من الواضح بالفعل أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ستجري في بيئة شديدة الانفجار، حيث أصبحت الانقسامات الأيديولوجية والعرقية في الولايات المتحدة على مدى السنوات الثلاث الماضية أعمق بكثير، وينزح كثير من الأمريكيين نحو ولايات “قريبة سياسيا”، بمعنى خسارة ولاية كاليفورنيا ونيويورك الديمقراطيتين، على سبيل المثال، عددا كبيرا من سكانهما.
كذلك فإن المحاولات المتبادلة لمقاضاة المرشحين الرئيسيين لبعضهما البعض ترفع من حدة المخاطر لكلا الجانبين، وتخلق جوا من “المعركة الأخيرة”.
ولنذكر انتخابات عام 2020 الأمريكية، وتمرد “حياة السود مهمة”، وتزوير التصويت عبر البريد، واقتحام الكونغرس، وتنصيب الرئيس بايدن تحت تهديد السلاح. يمكن أن تكون الأمور في 2024 أسوأ من ذلك بكثير.
فالولايات المتحدة الأمريكية من الناحية النفسية مستعدة للحرب الأهلية، إلا أن هناك عنصران مفقودان: الزيادة الحادة في غضب ونشاط السكان جراء الانهيار الاقتصادي، ووجود زعيم مستعد لقيادة المؤيدين إلى ما هو خارج عن حدود الإجراءات القانونية.
أعتقد أنه لن تكون هناك مشكلة مع العنصر الأول في العامين المقبلين، فاقتصاد البلاد يتدهور، وحتى لو لم يكن هناك انهيار، فإن مستوى معيشة المواطنين الأمريكيين سيستمر في الانخفاض.
أما بالنسبة للعنصر الثاني، فقد أظهر الديمقراطيون/الدولة العميقة استعدادهم للتصرف بشكل غير قانوني سابقا في عام 2020. وإذا فاز ترامب، فمن المحتمل جدا أن يكون سيناريو “الثورة الملونة” مرجحا للغاية، بل أقول إنه سيكون السيناريو الرئيسي. ولدى الديمقراطيين آلية القوة متمثلة في وكالة المخابرات المركزية، وحركة “حياة السود مهمة” والشباب بصفة عامة.
أما وحدات المشاة بالنسبة لترامب في قتاله خارج المجال القانوني هي “الميليشيا” البيضاء جيدة التسليح، حيث توجد بين الأمريكيين البيض المحافظين تقاليد قوية للتنظيم الذاتي المسلح، وقد وضع ترامب بالفعل سابقة من خلال الدعوة إلى التظاهر قبل مثوله أمام محكمة نيويورك في أوائل أبريل الجاري.
حتى الآن، تبدو فرص الجمهوريين في الانتخابات أفضل، ما يعني أن الخطوة الأولى للديمقراطيين وما تلاها من تعبئة لمؤيدي ترامب المسلحّين تحت شعار الدفاع عن الدستور ومحاربة الانقلاب غير الشرعي هي الأكثر ترجيحا.
لم يجرؤ ترامب، خلال اقتحام الكونغرس في يناير عام 2021، على قيادة الجماهير المحتجة بسبب خيانة رأس الحزب الجمهوري، إلا أن السبب الأهم، كان عدم وجود دعم من الجيش. يتعاطف الجيش الأمريكي مع ترامب، لكن تجاوز السيناريوهات المشروعة بدا حينها وكان بالفعل مفرطا وغير مناسب للتحديات القائمة.
لكن كل شيء مختلف اليوم. فتصريحات دونالد ترامب حول الانهيار المحتمل للدولار وأكبر هزيمة للولايات المتحدة الأمريكية منذ 200 عام، والنية المعلنة لإدارة بايدن على فرض عقوبات غير مسبوقة ضد الصين، كل هذا يشير إلى أن التهديد الصيني (والروسي إلى حد كبير) يدركه طرفا النخبة الأمريكية، ويتعاملان معه بوصفه تهديدا وجوديا.
ومع ذلك، فإن التعطيل الحالي ونقص الخبرة في مثل هذه الأحداث التاريخية يخلق شعورا بالارتباك بين النخبة الأمريكية، ويعيقها في الوقت الراهن عن الإجراءات الراديكالية. المواجهة مع الصين تتطور على نحو أبطأ مما يتطلبه النصر، والوقت الثمين ينفد.
إن المهمة العظيمة التي تتجسد بالنصر في الحرب مع الصين تجعلنا ننظر إلى المواجهة الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين بطريقة مختلفة تماما. فالحرب الأهلية الأمريكية بمثابة هزيمة في الحرب مع الصين، كما أن عدم استقرار أي حكومة، أو أي إدارة منتصرة في عام 2024، يقلل بشكل كبير من فرص الولايات المتحدة في تحقيق نصر عسكري.
في الوقت نفسه، فإن الاضطرابات الاقتصادية الحتمية في السنوات القليلة المقبلة ستؤدي حتما إلى زعزعة استقرار البلاد وتقويض قدرتها على الإدارة والقدرة على القتال. والحرب مع الصين، أكبر مصدر لمعظم السلع الاستهلاكية إلى الولايات المتحدة والغرب، ستؤدي في حد ذاتها إلى نقص في السلع وتضخم مفرط وانخفاض حاد وكبير في مستوى معيشة الأمريكيين. وبطبيعة الحال، سيزداد استياء وتطرف السكان على نحو مطرد.
وفي سياق حرب وجودية وشيكة أو ناشئة، يجب قمع أي زعزعة للاستقرار بصرامة. ويجب على الجيش الأمريكي أن يفهم ذلك، وفي البيئة الحالية، يجب أن يدعم مثل هذه الإجراءات، ولو كنت مكان الجيش الأمريكي، لكنت سأدعم أي دكتاتور ناجح، بغض النظر عن انتمائه الحزبي.
يبدو السيناريو الأكثر احتمالا لإقامة نظام دكتاتوري في الولايات المتحدة هو قمع الجمهوريين المنتصرين لمحاولة الانقلاب بعد الانتخابات. الخيار الثاني الأكثر ترجيحا هو استفزاز بايدن للصراع مع الصين قبل الانتخابات وإلغاؤها بذريعة حالة الطوارئ.
مع ذلك، فإن الدكتاتورية هي سيناريو صادم للمجتمع الأمريكي، وقد يحمل العديد من الأمريكيين السلاح ويبدأون في المقاومة. إضافة إلى ذلك، سوف ينظر كل نصف المجتمع الأمريكي إلى الدكتاتورية بوصفها دكتاتورية الجمهوريين أو الديمقراطيين. وفي ظل هذه الظروف، قد تستغرق عمليات التشديد والصرامة الكثير من الوقت والموارد، وقد لا تنجح على الإطلاق.
لذلك، لا أستبعد قيام دكتاتورية عسكرية لا حزبية وفوق حزبية. وبدون هذا، في رأيي المتواضع، ستنخفض فرص الولايات المتحدة الأمريكية لهزيمة الصين بشكل حاد، ما يعني أنه إذا كان لدى الولايات المتحدة قوى عقلانية كافية، فسيتم تحقيق مثل هذه الإجراءات.
حتى الآن، قد تبدو جميع السيناريوهات المذكورة أعلاه غير واقعية مثلما بدا احتمال شن هجوم الحشود على مبنى الكابيتول في يناير عام 2021 غير واقعي في عام 2019. ومع ذلك، فإن تجربة الأزمة المصرفية في مارس الماضي، والتي تطورت في يومين فقط، وتطلبت ضخ الاحتياطي الفدرالي لـ 400 مليار من الدولارات غير المغطاة، تتحدث عن حجم المشكلات الخفية، وإمكانية وقوع أكثر السيناريوهات تطرفا.
ورغم ذلك يبدو لي أن كل هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل. أظن أن الولايات المتحدة ليس لديها فرصة في الحفاظ على هيمنتها.
*المصدر: موقع روسيا اليوم ـ المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رآي الموقع