“فورين بوليسي”: المقاومة الفلسطنية الجديدة
السياسية: داليا حتوقة*
يبتعد المقاومون الفلسطينيون الشباب عن الفصائل القديمة وينضمون إلى مجموعات جديدة لمحاربة الاحتلال الصهيوني.
“عرين الأسود” دعت إلى النفير العام رداً على دعوات المستوطنين لاقتحام الأقصى
كتبت داليا حتوقة في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالة قالت فيها إنه في 19 آذار / مارس الجاري، التقى ممثلون من كيان “إسرائيل” والأردن والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة ومصر في منتجع شرم الشيخ في محاولة للتصدي للعنف المتزايد في “إسرائيل” (الأراضي المحتلة عام 1948) والأراضي الفلسطينية (المحتلة عام 1967). وأدى تنصيب الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ كيان “إسرائيل” في أواخر كانون الأول / ديسمبر الماضي إلى جعل الوضع في الضفة الغربية أكثر كآبة. سرعان ما ثبت أن قمة شرم الشيخ، مثل قمة مماثلة في بلدة العقبة على البحر الأحمر الأردنية عُقجت في شباط / فبراير، غير مجدية. وأدى إطلاق نار آخر في حوارة في اليوم نفسه إلى إصابة مستوطن صهيوني بجروح خطيرة.
بعد ذلك، وافق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع على تأجيل خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل التي أثارت احتجاجات حاشدة بين الصهاينه إلى الدورة الصيفية للكنيست. في مقابل موافقة شريكه في الائتلاف، وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، وافق نتنياهو على تشكيل قوة أمنية جديدة تعمل بأوامر مباشرة من بن غفير، الذي أدين سابقاً بالتحريض على العنصرية. ويخشى بعض الفلسطينيين من أن هذه الخطوة ستضيف الوقود إلى النيران المستعرة بالفعل في الضفة الغربية.
وأشارت الكاتبة إلى أنه في الجزء الأكبر من هذا العام، أثبتت السلطة الفلسطينية أنها غير قادرة على وقف التوترات المتصاعدة في الأرض المحتلة، ووقف الهجمات كما يمليها تفاهمها في التنسيق الأمني مع “إسرائيل”. كما ثبت أنها غير قادرة على القضاء على جماعات المقاومة المسلحة الجديدة التي ظهرت في جميع أنحاء الأرض المحتلة رداً على سياسات الاستيطان الصهيونية وعمليات القتل شبه اليومية للفلسطينيين على يد الجيش الصهيوني.
وأضافت الكاتبة: لقد تخلت هذه الجماعات المسلحة الجديدة عن الفصائل الفلسطينية التقليدية في تعاونها في محاربة الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية التي تعتبرها متواطئة.
وتابعت الكاتبة: أدى ارتفاع عدد الضحايا الفلسطنيين إلى تحفيز جيل جديد من المقاتلين الفلسطينيين المنظمين لمقاومة الغارات العسكرية الصهيونية في مجتمعاتهم. إنهم محليون للغاية – يعملون في خنادق مخيمات اللاجئين والمدن القديمة – ويتصرفون في تحدٍ للسلطة الفلسطينية، التي تشارك في التعاون الأمني مع كيان “إسرائيل” وتستهدف بشكل متكرر هذه الجماعات نفسها. ينحدر الشباب في الغالب من جميع أنحاء الضفة الغربية، من مدينة أريحا الصحراوية الهادئة إلى مدينة نابلس الشمالية المترامية الأطراف ومخيم جنين المتهالك للاجئين. غالباً ما يُرون وهم يحملون بنادق “أم16” ويرتدون أقنعة لتجنب التعرف عليهم.
وأوضحت المقالة أنه تقليدياً، كانت الجماعات المسلحة الفلسطينية تعمل كأجنحة مسلحة للأحزاب السياسية، مثل حركتي حماس وفتح. وقد دعمت عمليات الفصائل العسكرية الأهداف السياسية لأحزابها. لكن خلال الانتفاضة الثانية، أصبحت هجمات “الذئاب المنفردة” أكثر انتشاراً. في أعقاب الانتفاضة – وتحت ضغط من الاستخبارات الصهيونية – شهدت العديد من الجماعات التقليدية تضاؤل صفوفها وانهيار الهياكل التنظيمية. وقد أفسح هذا الأمر المجال لنموذج لامركزي للمقاومة، حيث تهيمن الخلايا الصغيرة والفصائل المنشقة على المشهد.
وقالت الكاتبة إنه منذ عام 2022، بدأ مقاتلون من فصائل تقليدية مختلفة في التعاون تحت مظلات جديدة. وقرر العديد من الشباب أن يأخذوا الأمور بأيديهم بعد نشأتهم وهم يرون ترسيخ الاحتلال الصهيوني والقصف الروتيني لقطاع غزة ونمو المستوطنات الصهيونية. كما أنهم يشعرون بخيبة أمل من السلطة الفلسطينية، التي لم تسفر استراتيجيتها السياسية عن نتائج ملموسة خلال حياتهم.
وأشارت الكاتبة إلى أن “عرين أسود نابلس” و”لواء جنين” هما أكبر المجموعات الجديدة. لكن مجموعات أصغر ظهرت كذلك، مثل لواء بلاطة في مخيم اللاجئين الذي يحمل الاسم نفسه وكتيبة “عش الدابير”، الموجودة أيضاًفي مخيم جنين. بينما تكافح كيان “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية من أجل السيطرة عليهم جميعاً.
وقال خلدون البرغوثي، المحلل الفلسطيني المتخصص في الشؤون الصهيونية، إن “عرين الأسود في نابلس ولواء جنين يمثلان تهديداً أمنياً لقوات كيان إسرائيل والمستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية والقدس”. وأضاف: “تخشى كيان إسرائيل … ظهور مجموعات مقلدة جديدة في مدن فلسطينية أخرى أو مخيمات لاجئين. قد يؤدي هذا الوضع إلى تصعيد في الضفة الغربية”.
انخرط “عرين الأسود” بانتظام في اشتباكات مسلحة مع جنود ومستوطنين صهانه وإطلاق النار عليهم في الضفة الغربية. في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، أطلقت الجماعة النار وقتلت جندياً صهيونيا في الأراضي المحتلة. وفي شباط / فبراير، قالت كتيبة نابلس و”عرين الأسود” وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح) في نابلس إن عناصرها أطلقوا النار على القوات الإسرائيلية التي كانت تداهم المدينة.
وقالت الكاتبة إن صعود هذه المجموعات لم يكن مفاجأة للمراقبين، بالنظر إلى القبضة الحديدية التي تحكم بها كيان “إسرائيل” الضفة الغربية وعجز السلطة الفلسطينية عن قمع هذه المجموعات من دون إثارة غضب الرأي العام الفلسطيني.
وقالت نور عودة، المتحدثة السابقة باسم حكومة السلطة الفلسطينية، إن “عرين الأسود والتشكيلات الأخرى في مدن الضفة الغربية هي نتيجة ثانوية طبيعية لثلاثين عاماً من الفشل الدولي المتعمد لإنهاء الاحتلال ومن الرضا بالسلطة الفلسطينية التي تفعل ما يُقال لها. إنها أيضاً رد فعل طبيعي على صعود الأحزاب الفاشية العنصرية في كيان إسرائيل التي تهدد أجندتها وجود الشعب الفلسطيني”.
فالحكومة الصهيونية الجديدة هي الأكثر محافظة ويمينية وقومية في تاريخها. منذ وصوله إلى السلطة في أواخر كانون الأول / ديسمبر 2022، قام عضو في الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو بعمل أو قول شيئ يخالف حتى معايير السياسة الصهيونية، على أساس أسبوعي تقريباً. وأدت جهود نتنياهو المعلقة مؤقتاً لإصلاح القضاء في الدولة وتوطيد السلطة إلى حدوث انقسام داخل المجتمع الصهيوني، مما أدى إلى احتجاجات حاشدة وحتى توتر العلاقات مع الحلفاء القدامى.
ورأت الكاتبة أن السلطة الفلسطينية غير قادرة وغير راغبة في فعل أي شيء للرد على الطوفان المستمر للحكومة الصهيونية الجديدة من الإجراءات والخطابات المعادية للفلسطينيين. فقد قطعت التنسيق الأمني مع كيان “إسرائيل” بعد الغارة القاتلة على نابلس في شباط / فبراير الماضي، لتعيد التنسيق بعد ذلك بوقت قصير. يُنظر على نطاق واسع إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر الآن 88 عاماً، على أنه غير صالح للمنصب، لكن لديه زمرة من المساعدين الذين وافقت عليهم كيان “إسرائيل” والولايات المتحدة والذين يحافظون على استمرار الوضع الراهن.
في أعقاب الانتفاضة الثانية، قامت السلطة الفلسطينية بدمج أعضاء بارزين في “كتائب شهداء الأقصى” في أجهزتها الأمنية الرسمية كجزء من برنامج نزع السلاح والتسريح، مما سمح للتنظيم بالحفاظ على بعض السيطرة على مستوى الشارع. ومع ذلك، يبدو أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية غير قادرة على السيطرة على العنف على الأرض بعد الآن وهي تجد نفسها متفرجة على صراع جديد محتدم أمام أعينها.
وتابعت: كان هناك تصاعد في أعمال العنف في أنحاء الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية. الاختلاف اليوم هو أن الجماعات المسلحة الجديدة قد طمست خطوط الفصائل السياسية الفلسطينية التقليدية من خلال العمل عبر الانقسامات القديمة. تتكون الميليشيات الأحدث مثل عرين الأسود، على سبيل المثال، من رجال مرتبطين بحماس وفتح والجهاد الإسلامي في فلسطين. كانت الميليشيات المرتبطة بهذه الفصائل تعمل بشكل مستقل للمطالبة بالفضل في العمليات العسكرية واكتساب المصداقية لدى الجمهور الفلسطيني.
وكان مطلق النار الذي قتل اثنين من المستوطنين الصهاينه على طريق حوارة الرئيسي في شباط / فبراير الماضي عضواً في حركة حماس من نابلس. لكنه اختار الاختباء في مخيم جنين للاجئين حيث يحميه مقاتلو “كتائب شهداء الأقصى”.
ورأت الكاتبة أن هذه السيولة أثبتت أنها محبطة لـ كيان”إسرائيل”، حيث إنها تجعل من الصعب على جيشها شن ضربات استباقية. وقال مايراف زونسزين، أحد كبار المحللين عن كيان “إسرائيل” وفلسطين مع مجموعة الأزمات الدولية: “إن كيان [إسرائيل] تريد أن تعرف على من يقع اللوم، ومن المسؤول.”
ويرى العديد من الفلسطينيين الآن أن الفصائل السياسية التقليدية تمثل عبئاً، إما لأنهم يعتبرونها غير فعالة أو لأنها مشاركة نشطة في – ومستفيدة من – الانقسامات السياسية التي تدعمها المصالح السياسية الصهيونية والأميركية.
ووفقاً لاستطلاع حديث للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن نسبة متزايدة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة – 58 بالمائة – يؤيدون العودة إلى المواجهات المسلحة والانتفاضة ضد “إسرائيل”. ومع ميل كيان “إسرائيل” إلى اليمين، وتزايد الغارات الصهيونية المميتة على التجمعات السكانية الفلسطينية، وغياب حل سياسي ينهي الاحتلال، يبحث الفلسطينيون عن بدائل للوضع الراهن “انتظر وشاهد” الذي تدعمه السلطة الفلسطينية.
في الاستطلاع نفسه، قال أكثر من 70 في المائة من الفلسطينيين في الضفة الغربية إنهم أيدوا هجوم حوارة الأول الذي أسفر عن مقتل مستوطنين إسرائيليين، بينما أيد ثلثاهم تشكيل جماعات مسلحة جديدة لا تتلقى أوامر من السلطة الفلسطينية، مثل كتيبة جنين أو “عرين الأسود”. يُنظر إلى دعم هذه المجموعات الجديدة والمستقلة على أنه نتيجة لتزايد عدم ثقة الجمهور الفلسطيني بالسلطة الفلسطينية واليأس من احتمالات التوصل إلى حل سياسي للاحتلال.
وكتب مؤلفو الاستطلاع أن “الدعم الشعبي للمقاومة المسلحة تؤكده معارضة ساحقة للمشاركة الفلسطينية في اجتماع العقبة. تعتقد الغالبية العظمى، البالغة 70 [في المائة]، أن الإجراءات الصهيونية المضادة، التي تهدف إلى معاقبة أولئك الذين يرتكبون هجمات مسلحة أو عائلاتهم، مثل هدم المنازل أو الطرد أو فرض عقوبة الإعدام، لن تؤدي إلا إلى زيادة في شدة مثل هذه الهجمات”.
وقالت الكاتبة إنه يبدو أن محاولات كيان “إسرائيل” لتضييق الخناق على الجماعات المسلحة الجديدة قد عززت من شعبية هذه الجماعات بين الفلسطينيين بشكل أكبر. وعلى الرغم من إمكانياتها المتواضعة نسبياً، فقد نجحت هذه الفصائل بالفعل في تأمين ثقة الشارع الفلسطيني. في الأسابيع الأخيرة، استجاب مئات الآلاف من الفلسطينيين لدعواتها لتنظيم احتجاجات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وحتى في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. عندما دعت المجموعات بشكل مستقل إلى إغلاق تجاري واسع النطاق في مدن مثل جنين ونابلس ورام الله، امتثل الناس، مما أدى إلى تقويض السلطة الفلسطينية من خلال وضعها على أنها فاسدة وضعيفة.
وأضافت: يبدو من غير المرجح أن ينحسر العنف في الضفة الغربية، مع استمرار الغارات الصهيونية على المدن الفلسطينية وزيادة أعداد الضحايا الفلسطينيين. كما يواصل المستوطنون الصهاينه ارتكاب هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين مع الإفلات من العقاب، وتشجعهم قيادتهم السياسية الجديدة. إن حقيقة أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على حماية مواطنيها ولكنها تتعاون مع كيان “إسرائيل” في مجال الأمن قد أدت بشكل فعال إلى تبديد القليل من الاحترام والثقة الذي كانت ما زالت تتمتع به.
وقال زونسزين: كيان “إسرائيل على علم بالأزمة في السلطة الفلسطينية، ومن الواضح أنها تفضل عدم القيام بكل هذه الغارات، لكنها حلقة لا نهاية لها تقوم فيها بذلك وتفقد السلطة الفلسطينية المزيد من الشرعية. لا تستمع أي من هذه الجماعات المسلحة إلى السلطة الفلسطينية على أي حال”.
* المصدر: الميادين نت
* الماده الصحفية نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رآي الموقع