مأساة الأسرى الفلسطينيين.. هجمة صهيونية شرسة وعنصرية لا مثيل لها
السياسية: عبد العزيز الحزي
برزت خلال الفترة الحالية، مأساة الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الصهيوني، بسبب إجراءات إدارة سجون العدو القمعية التي أعلنت عنها بتوصية من وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير.
وتتمثل هذه الإجراءات التنكيلية التي فرضتها إدارة سجون العدو على الأسرى في، التحكم في كمية المياه التي يستخدمونها، وتقليص مدة الاستحمام بحيث يُسمح للأسرى الاستحمام في ساعة محددة، كما تم وضع أقفال على الحمامات المخصصة للاستحمام في الأقسام الجديدة في سجن (نفحة).
ومن ضمن الإجراءات أيضاً، تزويد الأسرى بخبز رديء، وفي بعض السجون زودتهم الإدارة بالمجمد، وضاعفت من عمليات الاقتحام والتفتيش بحقهم مستخدمة القنابل الصوتية، والكلاب البوليسية خلال عمليات القمع والاقتحامات.
ومن بينها أيضاً، المصادقة بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون حرمان الأسرى من العلاج، وبعض العمليات الجراحية، ومصادقة اللجنة الوزارية التشريعية في حكومة الكيان الصهيوني على مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى الذين نفذوا عمليات مقاومة ضد العدو.
كما فرضت إدارة السجون إجراءات تنكيلية أخرى منها مضاعفة عمليات العزل الانفرادي بحقّ الأسرى، وسحب التلفزيونات من أقسام الموقوفين الذين يقبعون في أقسام ما تسمى (المعبار)، والتصعيد من عمليات نقل قيادات الحركة الأسيرة، وأسرى المؤبدات بشكل خاص، وتهديد بعض السجون المركزية بإغلاق المرافق العامة يومي الجمعة والسبت كما جرى في سجن (النقب).
كما يطلق المحققون الصهاينة أيضاً على المعتقلين كلاباً مسعورة ومتوحشة، مما يسبب حدوث تهتكات وجروح جلدية مؤلمة، وهو ما حدث مع كثير من الأسرى في معسكر عتصيون، وفي مخيم البريج، حيث تم إطلاق كلاب ضخمة عليهم، نهشت لحمهم، مما تسبب في حدوث التهابات مزمنة، وانتفاخات، ولا يزال يعاني الكثير منها حتى الآن.
ويواصل الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو لليوم الـ37 على التوالي، “العصيان”، حيث خاض بعض أعضاء لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة الفلسطينية يوم أمس الأربعاء إضرابا عن الطعام.
وشرع الأسرى منذ الـ14 من شهر فبراير الماضي، بخطوات نضالية، بعد إعلان إدارة السجون وتحديدا في (نفحة)، البدء بتنفيذ الإجراءات التنكيلية التي أوصى بها المتطرف “بن غفير”.
ويبلغ عدد الأسرى في سجون العدو الصهيوني حتى نهاية يناير الماضي نحو 4780 أسيرا، منهم 29 أسيرة، و160 طفلا.
هذه الاعتداءات الصهيونية الممنهجة، والتي تشمل اقتحامات غرف الأسرى، والاعتداء عليهم، علاوة عن اتباع سياسة “الإهمال الطبي” بهدف قتلهم، وتعذيب أجساد من يعانون من أمراض خطيرة، تعبر عن مدى الحقد والكراهية والتطرف الصهيوني تجاه قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
ومراراً تنكث إدارة سجون العدو بوعدها بإنهاء عزل الأسرى الفلسطينيين فيما توصل سلطات العدو سياسة الاعتقالات اليومية وتحتجز الأسرى في ظروف وأماكن صعبة، وترفض تقديم العلاج لهم.
وترتكز السياسة الصهيونية عموما على اعتقال الفلسطينيين وحرمانهم من كلِّ حقوقهم، أي أنَّهم لا يقدمون إلى المحاكمة، ولا يتمّ الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم، والسماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، ليكون الكيان المحتل الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة.
وتبرّر سلطات العدو الصهيوني وإدارات سجونها هذه الإجراءات بأنَّ المعتقلين الإداريين لديهم ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها مطلقاً، فلا يعرف المعتقل مدة محكوميته
ويوم الأحد 19 مارس 2023م أعلن الأسرى الفلسطينيون في سجون العدو، وصيتهم الجماعية، قبل أربعة أيام من خوضهم الإضراب عن الطعام ضد إجراءات إدارة سجون العدو بحقهم.
وقال الأسرى في وصيتهم: “بعد أنّ وجدنا أنفسنا وحيدين في مواجهة الموت والنسيان، نصارع المستحيل ونحن أسرى، نحَاصر حتّى النهاية، بين فكيّ كماشة الإهمال، وأنياب (بن غفير) الاستعمارية، قررنا بملء الإرادات المؤمنة، المنبثقة من رحم وعينا التحرريّ والإنسانيّ، بعد التّوكل على الله، وإرادة شعبنا الحي، أنّ ننطلق سهاماً من على أوتار أرواحنا المتمردة، فإما حرّيّة حمراء مخضبة بالجوع والكرامة، وإمّا انتصار أكيد على الذات والدنيا معاً”.
وتابع الأسرى بالقول: “ثقوا بنا، ثقوا بإرادة الأسرى يا شعب الجبارين والمقاومة، فكما عرفتمونا أحراراً، كنّا وما زلنا مشاريع شهادة، عناوين حرّيّة واجبة، عتلات نضالية مهمة.. نحن نقف وإياكم على عتبات المواجهة الفارقة ونحييكم، وفي تحيتنا، كثير من الحب والشوق، وشيء من أرواحنا التي لا تستطيب إلا لعناقكم في فضاء الحرّيّة الرّحبة”.
وجاء في الوصية: “نراهن على ضمائركم الحيّة، وعلى سواعدكم، وقبل أنّ نكتمل بأسباب الرحيل نوصيكم بنّا خيراً، لا تتركونا وحدنا في ساحات المعركة، مكشوفين لسهام الغزاة، احموا أرواحنا وظهورنا، فأنتم أحاديّو القيم والمبادئ، والرهان عليكم كاسب، حرّرونا ونحن أسرى أحياء قبل أنّ نكون جثثاً ميتة وأرقاماً”.
وتابعوا في وصيتهم قائلين: “حرّرونا من مدافننا الحديدية الباردة، حرّرونا من ثلاجات الموتى، حرّرونا من مقابر الأحياء قبل أنّ نتحوّل إلى شواهد منسية في مقابر الأرقام، فحرّرونا مرةً وللأبد، كي تحرّروا أرواحنا الإنسانية، حتّى حدود سمائها السّابعة، واعلموا أنّ حرُّيتنا واجبة، سننتزعها من بين براثن المستعمر، بقوة الحقّ وإرادة الحياة، فهي حقّ ودين، والتّاريخ لا يرحم مثل ما لا يغفر”.
وفي رسالة إلى الشعب الفلسطيني، أوصى الأسرى بـ”فلسطين وروايتها التّاريخية وبالمقاومة الشّاملة والوحدة الوطنية، وأهالي الشّهداء والأسرى، وبالمرأة الفلسطينيّة، حارسة نارنا المقدسة، والديمقراطية الفلسطينيّة والتّعدّديّة السّياسية في الوعيّ التحرريّ، وبالهوية الوطنيّة الجامعة”.
من جانب آخر، أكّدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير، في بيان صحفي مشترك، أنّ الأسرى يواصلون استعدادهم لخوض معركة الإضراب عن الطعام تحت عنوان “بركان الحرّيّة أو الشّهادة”.
ويعيش الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية، أوضاعاً استثنائية من الناحية الصحية، قل ما يعيشها أسرى أو معتقلون في مناطق أخرى، فهم يتعرضون إلى أساليب منهجية تؤدي حتماً لإضعاف أجساد الكثيرين منهم، وتمعن في استهدافهم من الناحية المعنوية؛ تتمثل في الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، وفي أساليب القهر والإذلال والتعذيب، التي تتبعها طواقم الاعتقال والتحقيق والسجانين والحراسة، التابعين للعديد من الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية.
ويناشد الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون على مدى أعوام العالم والمجتمع الدولي.. أوقفوا هذا الانتقام البشع الذي تعدى كل حدود، حتى وصل للاعتداء بالضرب المبرح على المرضى وهم على النقالات، إلى ما يسمى (العيادة)، والتي فقدت كل شيءٍ له صلة بمهمة الطب الإنسانية، والاعتداء بالضرب المبرح واستخدام الصعقات الكهربائية، ضد الأسرى المضربين والمنهكين، ناهيك عن التفتيش العاري والمذل وعن الضرب والصعقات الكهربائية، لكل من يتقدم إلى المحاكمة أو يعود منها، هذا الضرب واستخدام العنف غير المبرر من ضباط وشرطة مصلحة السجون الصهيونية.
ولم تهز صور الأسرى الفلسطينيين المضربين في سجون العدو وهذه المأساة الإنسانية الكبيرة ضمير المجتمع الدولي النائم والمتخاذل عما يحصل من جرائم إبادة منظمة تجاه الشعب الفلسطيني المقاوم.