السياسية:

تزامناً مع التحقيقات التي تجريها القيادات الأمنية في كيان الاحتلال، تتزايد حدة الانقسامات بين الأحزاب السياسية من جهة، والهوة بين المستوطنين الذين باتوا يتنبّؤون انحسار قوة الجيش الصهيوني كما لم تكن من قبل. وتقول صحيفة معاريف العبرية في هذا الصدد، ان “الجيش الصهيوني شهد هزة أرضية داخلية بقوى لم يلتقّها حتى اليوم. بعد أسبوع، حين تستكمل قوانين الانقلاب النظامي، سنجد أنفسنا مع قسم كبير من سلاح جو بقوة بشرية معطلة، ومع منظومات حيوية أخرى، في الاستخبارات والبر أيضاً، حُيد قسم منها. بعد أسبوع، لن يكون الجيش الإسرائيلي ذلك الذي عرفناه”.

النص المترجم:

كان هذا قبل سنة فقط، حين وقف زعيم المعارضة في حينه بنيامين نتنياهو خلف زجاج واق للرصاص في مظاهرة احتجاج أمام دار الحكومة وحذر بصوت واضح: “عندما يشخص الإرهاب ضعفاً ووهناً، فإنه يهاجِم”. كانت تكفي نظرة واحدة هذا الأسبوع على وجهه القاتم والمتهدل، فقد بات ظل زعيم.

العدو يشخص ضعفاً. وكل من بيروت وطهران وغزة ورام الله، يرون أن نتنياهو يفكك أساسات القوة الإسرائيلية، ومصمم على ألا يبقي حجراً على حجر. يمكنهم إسناد ظهورهم إلى الوراء وفرك أيديهم برضى، بينما حكومتنا تدمر قوتنا العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية. لكن بعضهم لا يصمد أمام الإغراء للبدء بملاحقتنا، في محاولة لتسريع الانهيار.

منفذ العملية، الذي تسلل هذا الأسبوع من لبنان إلى كيان إسرائيل هو السنونو الأول، الذي ينذر بالشرور. حسن نصر الله، الذي ادعى قبل 23 سنة بأن المجتمع الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت، ينظر إلينا ويشعر أنه يلقى تعزيزات لنظريته. لا تزال كيان إسرائيل تردد من القول بأن حزب الله يقف من خلف العملية، لكن من الصعب الافتراض بأن عملية لتسلل مخرب وعبوات إلى كيان إسرائيل، والتي تتطلب استعدادات على مدى أسابيع طويلة، تخرج إلى حيز التنفيذ دون أن تتلقى مباركة من حزب الله.

هذا المخرب أرسل بهدف قتل صهيانية كثيرين. إن عدم نجاحه منح إسرائيل مساحة ثمينة من الوقت للنظر في رد فعلها. خيراً فعل وزير الدفاع يوآف غالنت الذي لم ينجر إلى رد سريع وتلقائي، بل قرر استغلال هذا الزمن ليحلل لغز هذا الحدث حتى نهايته، ثم البحث في إمكانيات الرد.

لو عرف المخرب كيف يفعّل العبوة الناسفة نحو باص أو صف سيارات في مفترق مجدو، لكُتب هذا المقال في ذروة تبادل للضربات بين كيان إسرائيل وحزب الله ربما حتى في ذروة معركة. أما حقيقة أن حزب الله تجرأ على أخذ مثل هذه المخاطرة لعملية كفيلة بأن تؤدي إلى حرب، فهي إشارة مقلقة على كيف نبدو نحن في عيون المحيط.

في الخلفية، ربما تكون إيران المتعاظمة، اقتصادياً وسياسياً، بدأت تطلب من حزب الله تسديد أوراق التمويل التي يتلقاها منها، وحثه على تنفيذ أعمال ضد كيان إسرائيل. في السنتين الأخيرتين، تكبدت الجبهة الداخلية الإيرانية سلسلة من الهجمات المنسوبة لكيان إسرائيل.

وربما شعر حزب الله نفسه هو الآخر، الذي ينظر كل يوم إلى جرافات صهيونية تجتاز جدار الحدود وتعد بنية تحتية لسور تبنيه، بأن عليه إثبات أن قوته كدرع لبنان لا تزال قوية. لعله قدر بأنه إذا ما اختبأ خلف عملية بغطاء فلسطيني، فلن ينكشف لوقع ذراع القوة الصهيونية. وربما، حين يرانا يأخذ كل منا بلحية أخيه، يفهم بأن القوة الصهيونية لم تعد على ما كانت عليه.

سواء كان هذا أحد هذه الأسباب أو خليطاً منها أم هو سبب آخر، فلا يمكن أن تمر كيان إسرائيل مرور الكرام على محاولة صياغة واقع جديد في الحدود الشمالية يكون فيه ممكناً تسلل مخرب من لبنان عميقاً إلى الجبهة الصهيونية الداخلية. بعد أن تنهي قيادة الشمال العثور والإغلاق للثغرة المقلقة التي انكشفت في الحدود، ستكون أمام كيان إسرائيل جملة واسعة من إمكانيات الرد العلنية والسرية.

لقد أثبت غالنت في الماضي أنه يعرف كيف يقدم الثأر بارداً وأليماً. في 2008، بصفته قائد المنطقة الجنوبية، عرف كيف يهدئ قطاع غزة ويخدره، إلى أن انقض بضربة مفاجئة فتاكة على طابور لشرطة حماس في غزة، في حملة “الرصاص المصبوب”. وسيتعين عليه أن يختار الرد الأكثر ملاءمة اليوم أيضاً، والذي سيجدد الردع الإسرائيلي في الشمال.

لكن غالنت يكاد يكون وحده في هذا الحدث. رفاقه في الائتلاف منشغلون بتشريع قوانين تسمح لرئيس الوزراء بتلقي الهدايا والقروض. الكابينت السياسي -الأمني بات مجموعة فارغة من الأشخاص، مساهمتهم القصوى في البحث هي تسريب مضامينه. ورئيس وزراء من فوقه منشغل في تخطيط إجازات نهاية الأسبوع في أوروبا الكلاسيكية. وتحته جيش على شفا التفكك. لكنه هو، غالنت، لم يحرك إصبعاً بعد كي يوقف هذا التفكك.

شهد الجيش الإسرائيلي هزة أرضية داخلية بقوى لم يلتقفها حتى اليوم. بعد أسبوع، حين تستكمل قوانين الانقلاب النظامي، سنجد أنفسنا مع قسم كبير من سلاح جو بقوة بشرية معطلة، ومع منظومات حيوية أخرى، في الاستخبارات والبر أيضاً، حُيد قسم منها. بعد أسبوع، لن يكون الجيش الإسرائيلي ذلك الذي عرفناه.

هذه المعرفة الصادمة تقف على ما يبدو من خلف الأخطاء الأساسية التي ارتكبها قائد سلاح الجو ورئيس الأركان في الأيام الأخيرة. كلاهما حاولا الإصلاح، وهما جديران بالثناء على هذا. لكن مشكوك أن يكون بوسع الإصلاح أن يجدي؛ فإيمان رئيس الأركان الفريق هرتسي هليفي بإمكانية إبقاء الجيش الإسرائيلي خارج الشرخ الذي يقسم المجتمع، إيمان بات ضعيفاً. الجيش الصهيوني بات الآن في لب الخلاف.

يحاول هليفي الجلوس على الجدار، لكن الأفضل أن يوضح في أي طرف من الجدار يقف، لأن المعضلات التي سيقف أمامها قريباً تماماً ستكون عملية وليس نظرية. بعد أسبوعين ستأمره الحكومة بإخلاء الخان الأحمر، بينما ستحظر عليه المحكمة إخلاءها – فلمن سيستمع؟ بعد ثلاثة أسابيع سيأمرونه بإرسال جنود إلى المحكمة العليا لأن الشرطة ترفض اعتقال القضاة – فلمن سيستمع؟

هذا الاضطراب سيقع علينا في الأيام القريبة القادمة. وكل العالم وكل ذي عقل يشير إليه، لكن قائدنا منشغل بحملة ثأره.

* المصدر: موقع الخنادق
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع