بعد انقطاعها لأكثر من سبع سنوات.. عودة العلاقات الإيرانية السعودية وتبادل السفراء
السياسية: مرزاح العسل
في تطور مفاجئ على الساحة الإقليمية وبعد انقطاع دام لأكثر من سبع سنوات.. أعلنت جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية، الجمعة، عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية وتبادل السفراء خلال مدة أقصاها شهرين، بعد مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة يرى مراقبون أنها قد تنطوي عليها تغيرات إقليمية ودبلوماسية كبيرة.
وتأتي هذه الخطوة بعد ثمان سنوات من الحرب والحصار على الشعب اليمني تحت شعارات محاربة ما يسمى بـ”المد الإيراني في اليمن” حيث أصبح الواقع اليوم مليئاً بالشواهد الجلية والواضحة التي تدل على زيف وبطلان تلك الشعارات، وفي ظل محاولات دبلوماسية بهدف ترسيخ الاستقرار في المنطقة.
وجاء في بيان ثلاثي مشترك لإيران والسعودية والصين أمس، ونشرته وكالات الأنباء الإيرانية والسعودية الرسمية: “إنه وبعد محادثات في الصين تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثليتاهما خلال مدة أقصاها شهران”.
وأضاف البيان: “إن الاتفاق جاء استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ وبدعم من الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه يتضمن تأكيد البلدين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
وأكد البيان، الاتفاق على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
وأعربت كل من الدول الثلاث في بيانها المشترك عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي”.
وشكرت إيران والسعودية في بيانهما المشترك، “العراق وسلطنة عمان” لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021-2022، كما عبر الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها
وفي هذا السياق.. اعتبر الناطق الرسمي لأنصار الله ورئيس وفد اليمن المفاوض محمد عبدالسلام في تغريدة لهُ على “تويتر” الليلة الماضية، أن عودة العلاقات الطبيعية بين دول المنطقة تسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية.. قائلاً: “المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها تسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية وعلى رأسها الصهيوأمريكية”.
وأضاف عبدالسلام: إن “التدخلات الأجنبية عملت على الاستثمار في الخلافات الإقليمية واتخذت الفزاعة الإيرانية لإثارة النزاعات وللعدوان على اليمن”.
بدوره اعتبر الأمين العام لحزب اللّٰه اللبناني السيد حسن نصراللّٰه في كلمة له خلال الحفل التأبيني للقائد الجهادي أسد صغير (الحاج صالح)، الجمعة، أن توقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران “تحوّل جيد ونحن سعداء لأنه لدينا ثقة أنه سيكون لمصلحة شعوب المنطقة”.. لافتاً إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني إذا سار في المسار الطبيعي سيفتح آفاقا بكل المنطقة ومن جملتها لبنان.
وتعود جذور مشكلة انقطاع العلاقات بين إيران والسعودية إلى العام 2016، عندما هاجم عدد من المحتجين الإيرانيين البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت سلطات النظام السعودية رجل الدين الشيعي المعارض لها نمر النمر.
وكانت دول خليجية أخرى قد عملت على تخفيض علاقاتها مع إيران بعد حادثة العام 2016، لكن في سبتمبر الماضي، رحبت طهران بعودة السفير الإماراتي بعد غياب دام ست سنوات، فيما أعلنت إيران أن الكويت أرسلت أول سفير لها إلى إيران منذ سبعة أعوام.
وذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) أمس، أنه عقب زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى الصين في فبراير الماضي، أجرى يوم الإثنين الماضي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الادميرال علي شمخاني، محادثات مكثفة مع نظيره السعودي في الصين “من أجل حل المشكلات بين طهران والرياض بشكل نهائي”.
وفي ختام هذه المفاوضات، اليوم العاشر من مارس 2023، تم التوقيع على بيان ثلاثي في بكين من قبل الادميرال “علي شمخاني”، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، ممثلاً لقائد الثورة الاسلامية و”مساعد بن محمد العيبان”، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني في السعودية، و”وانغ يي” عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي ورئيس مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية للحزب وعضو مجلس الدولة بجمهورية الصين الشعبية.
وذكر البيان المشترك أن البلدين اتفقا في المحادثات التي أجريت بين السادس والعاشر من شهر مارس الجاري على “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، واتفقا كذلك على أن يعقد وزيرا خارجيتهما اجتماعا لتفعيل الاتفاق وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة.
وقدّم شمخاني أمس الجمعة سرداً للجهود المبذولة لإنهاء حالة الجمود التي استمرت سبع سنوات والاتفاق على استئناف العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية.. مؤكداً أنّ المحادثات بين البلدين كانت صريحة وشفافة وشاملة وبناءة بحيث أن إزالة سوء التفاهم والتطلع إلى المستقبل في العلاقات بين طهران والرياض سيؤدي بالتأكيد إلى تنمية الاستقرار والأمن الإقليميين وزيادة التعاون بين دول الخليج والعالم الإسلامي لإدارة التحديات القائمة.
ورحبت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها بتوقيع الاتفاق بين طهران والرياض.. قائلة: إن “وزارة الخارجية العراقية ترحب بالاتفاق الأخير بين طهران والرياض، لتبدأ بموجبه صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”.
وأضاف البيان: إنّ “المساعي التي بذلتها الحكومة العراقية في هذا الإطار، عبر استضافة بغداد لجوالات الحوار بين الجانبين، وما رسّخته من قاعدة رصينة للحوارات التي تلت عبر سلطنة عمان وجمهورية الصين الشعبية، وصولاً للحظة الاتفاق، الذي سينعكس على تكامل العلاقات بين الجانبين ويعطي دفعة نوعيّة في تعاون الدول المنطقة، بهدف إطار يحقق تطلّعات جميع الأطراف ويؤذن بتدشين مرحلة جديدة”.
وفي أول تعليق صهيوني على عودة العلاقات بين طهران والرياض، اعتبر رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني السابق نفتالي بينيت، وفق ما أورده إعلام العدو، أن “تجديد العلاقات بين السعودية وإيران تطور خطير وخطير “لإسرائيل” وانتصار سياسي لإيران، وهذه ضربة قاتلة لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران”، كما اعتبر الاتفاق فشل ذريع لحكومة نتنياهو ونجم عن مزيج من الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي في البلاد.
ووصف حكومة نتنياهو المتطرفة لأنه فاشلة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وبشكل مدوي، وكل يوم من عمليتها يعرض الكيان الصهيوني للخطر.
الجدير ذكره أن العلاقات الإيرانية السعودية اتسمت بالاحتقان الشديد بسبب الخلافات السياسية والعرقية والمذهبية على مر التاريخ.. وقد انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1943 بسبب إعدام السلطات السعودية أحد الحجاج الإيرانيين.
وقطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران من جديد في 1987 بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون بسبب الأعمال التخريبية التي قام بها الحجاج الإيرانيين من قطع للطريق وإشعال النيران بالمركبات والممتلكات العامة وقتل الحجاج الاخرين بالسلاح الابيض، أثناء أدائهم فريضة 1407هـ الحج، في منى في صدامات مع الشرطة السعودية عرفت باسم أحداث مكة 1987.. لكن تمت استعادة العلاقات عام 1991، وقطعتها السعودية مجدداً في مطلع 2016 بعد الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران وها هي اليوم تعود من جديد.
سبأ