مختارات من كتاب ” تقسيم اليمن بصمات بريطانية” 2-3
السياسية:
جذور تقسيم اليمن :
يعود تقسيم اليمن إلى التفاهمات العثمانية البريطانية مطلع القرن العشرين 1903-1905م وقبل ذلك كان اليمن حتى مطلع القرن الثامن عشر موحداً تحت سلطة مركزية هي سلطة الإمامة الزيدية أو الدولة القاسمية التي وحدت معظم مناطق جنوب شبه الجزيرة العربية وفي القرن التاسع عشر تعرض للاحتلال البريطاني – لـ عدن والذي توسع فيما بعد ليشمل ما عرف بالمحميات التسع ، فيما الشمال خضع للسيطرة العثمانية 1872م وكان العثمانيون يدعون السيادة على كل اليمن وهو ما دفع البريطانيين إلى تعزيز وتوسيع مناطق نفوذهم وكان من ضمن أسباب التوسع البريطاني منع القوى الأجنبية من الحصول على مناطق إستراتيجية باليمن لا سيما فرنسا وإيطاليا ومن ثم إيطاليا في 1926م والاتحاد السوفيتي 1928م والولايات المتحدة الأمريكية .
مختارات من كتاب ” تقسيم اليمن بصمات بريطانية” 2-3
ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب:
في 1900م كانت الدولة العثمانية تحاول رفع إيراداتها الضريبية إلا أنها علمت بوجود عمليات تهريب واسعة حرمتها من تلك العائدات فدفعت بشيخ ماوية في تعز إلى إنشاء ما يشبه فرزة أو نقطة وبرج مراقبة وذلك لمراقبة تجارة التبغ حيث كان اليمن الشمالي يستهلك كميات كبيرة منه إلا أن إيراداتها الجمركية ضعيفة للغاية وبعد إنشاء النقطة نشبت أزمة بين العثمانيين والبريطانيين فأقترح العثمانيون تقسيم اليمن في 1901م فتم تشكيل لجنة حدود وكان العثمانيون يريدون كل اليمن عدا عدن، فيما البريطانيون أرادوا عدن والمحميات التسع ، ويعود أول مسح طوبوغرافي لليمن إلى عام 1891م الذي أجراه ضابط بريطاني ، ومن أبرز محطات التفاوض ورسم خط الحدود:
1- سعت بريطانيا إلى التوسع وفرض واقع جديد من خلال الأدعاء بأن البيضاء ويافع العليا والعوالق العليا وبيحان ضمن حدود المحميات التسع رغم أن كل تلك المناطق لم تكن ضمن نفوذ بريطانيا.
2- اتجهت بريطانيا إلى فرض سيطرتها على الضالع وأكدت أنها لن تتخلى عنها نظراً لموقعها الاستراتيجي.
3- اعتمد المفاوضون البريطانيون على تكتيك المطالبة بالمزيد حتى يحصلوا على أقل ما تسعى إليه دولتهم في تلك الفترة ولهذا كان الخط الحدود يتعرج كثيراً حسب الأهواء البريطانية قبل أن يصل إلى رمال الربع الخالي التلويح باستخدام القوة العسكرية وذلك لإجبار العثمانيين على الخضوع والقبول بكل المطالب البريطانية.
مقاومة اليمنيين:
لم تكن أعمال المسح الميداني وتحديد الحدود تحظى بموافقة اليمنيين في كافة المناطق لا سيما المناطق التي ستخضع للتقسيم ولهذا كان البريطانيون يراقبون الوضع عن كثب لا سيما مواقف الأهالي ومن ضمن التقارير البريطانية ما يؤكد أن ” عرب المناطق الداخلية يرفضون تواجدنا والشخص الوحيد الذي يبقى موالياً لنا سلطان العبدلي ورعاياه الذين لا يتميزون بروح العدوان ولا يتمكنون من التصدي لهجمات القبائل” ولم يتوقف الأهالي عند رفضهم لتلك الأعمال بل أدت أحداث الضالع إلى نشوب حركة مسلحة ضد البريطانيين ما دفع باللورد كيرزون إلى استدعاء قوات إضافية لحامية عدن وإرسال قوات إلى مناطق التوتر.. ومن أبرز شواهد الرفض اليمني:
1- في 1903م بعد بدء أعمال اللجان تعرضت تلك اللجان لا سيما البريطانية منها لهجمات عدة وكان الرد البريطاني باستخدام القوة المفرطة ضد المناطق التي اعترضت على عمل اللجان.
2- من أعمال المقاومة قطع طرق المواصلات بين الضالع وعدن ومحاصرة جنود بريطانيين وقامت القوات البريطانية بالتنكيل بقبيلة الكثيب الأكثر رفضاً للتقسيم ودمرت عدداً من القرى التي أعتدت على القوات البريطانية.
3- تعود المقاومة اليمنية للتقسيم إلى 1892م عندما كان النقيب وهب والنقيب دومفيل يستكملان المسح الطوبوغرافي حيث كان وهب وفريقه العامل يتعرضون لإطلاق النار من قبل القبائل ويؤكد إيل ماكرو أن أسباب توقف مشروع المسح في ذلك العام يعود إلى مقاومة الأهالي ولم يتم القيام بأي مسح حتى 1902م أثناء تحديد حدود الصبيحة شنت القوات البريطانية هجمات عسكرية لتأمين عمل اللجنة نظراً لأهمية تلك المنطقة بالنسبة للبحر.
4- لجأت القبائل بعد فرض عملية ترسيم خط الحدود إلى عدم الاعتراف بهذا الخط ولهذا استمرت العلاقات بين مناطق جانبي خط الحدود وكان أبناء القبائل ضمن مناطق النفوذ البريطاني يلجأون إلى المحاكم في مناطق النفوذ العثماني.
5- وقد نجحت المقاومة اليمنية في إفشال جهود اللجان التي لم تتوصل إلى إتفاق على الخط الفاصل إلا في 1907م يبدأ من باب المندب ووقع الطرفان على الاتفاق عام 1909م ثم أدرج في المعاهدة الأنجلو تركية عام 1914م.
الخلاف بشأن باب المندب:
حتى العام 1904م تمكنت لجنة الحدود من رسم خط الحدود على طول 138ميلا من وادي بنا إلى قرية ” دار أمبيم- التي تبعد 45ميلا عن – باب المندب – وما تبقى إلى البحر ظل محل خلاف هل ينتهي الخط عند البحر الأحمر أم المضيق أم البحر العربي ؟ وكانت الرؤية العثمانية أن تنتهي الحدود عند – رأس العارة – وهذا يعني كل ساحل باب المندب بما في ذلك – الشيخ سعيد – تابع للعثمانيين واستند العثمانيون في ذلك إلى أن تلك المناطق كانت تدفع الضرائب للمخا أي للعثمانيين ولا تتبع البريطانيين، وكانت هناك وثيقة بريطانية تؤكد أن – الشيخ سعيد – عثمانية إلا أن بريطانيا رفضت التنازل عنها لأهميتها ، وأدى التكتيك البريطاني إلى التوصل للتفاهم حول مد خط الحدود إلى – باب المندب – مباشرة أي من قرية أو – دار امبيم- حتى نقطة شيخ مراد في رأس الشيخ سعيد وعلى أن ينتقل جزء من منطقة رأس – الشيخ سعيد – إلى البريطانيين وبذلك يتمكن البريطانيون من الإشراف المباشر على مخرج البحر الأحمر ثم أصبح الخلاف على منطقة يافع وهددت بريطانيا بإرسال قوات عسكرية لإجبار العثمانيين على التنازل.. وفي 1905م استجابت الدولة العثمانية لكل المطالب البريطانية وتم توقيع البروتوكول السادس الختامي للجنة الحدودية وجاءت التقارير البريطانية أن بريطانيا حصلت على أكثر بكثير مما كانت تؤمل فيه قبل رسم الحدود وفي 9 مارس 1914م تم توقيع الاتفاقية التي لم يعترف بها اليمنيون أصحاب الحق والأرض الشرعيين وقد تضمنت المادة الثالثة من الاتفاقية: وافق الطرفان على أن تكون حدود الأراضي العثمانية تتبع خطاً مستقيماً يبدأ من – أكمة الشوب – متجهاً للشمال الشرقي نحو صحراء الربع الخالي بإنحراف 45 درجة وهذا الخط يلتقي في الربع الخالي على الخط الموازي 20 درجة من الخط المستقيم المتجه مباشرة نحو الجنوب الذي يبدأ من نقطة واقعة على الشاطئ من – خليج عجير – فاصلاً الأراضي العثمانية من سنجق ونجد وأرض قطر وفقاً للمادة الثانية من الاتفاقية الإنجليزية العثمانية الخاصة بالخليج الفارسي والمناطق المجاورة له المؤرخة في 29 يوليو 1913م فيما المادة الرابعة : تخلت الدولة العثمانية عن كل ما كان لها من حقوق ومطالب في حضرموت وتم التصديق على المعاهدة في يونيو 1914م ومنذ تلك الفترة نشأ ما يسمى بالخط الأزرق وكذلك الخط البنفسجي الخط الأزرق يحدد حدود المحميات في الخليج فيما البنفسجي يحدد حدود الأقاليم الواقعة على الساحل الجنوبي.
مخططات التقسيم أثناء الحرب العالمية الثانية:
قبل الحرب العالمية الأولى حققت بريطانيا هدفها المتمثل في تقاسم اليمن مع الدولة العثمانية عبر رسم خط الحدود وفق الاتفاقية التي وقع عليها في 1914م وضمنت لبريطانيا التواجد في عدن والنفوذ في كل المحميات ، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى تمثلت أهداف بريطانيا في ضمان السيطرة الكاملة على عدن وتحريض اليمنيين على قتال العثمانيين والقضاء على القوات العثمانية المتواجدة في اليمن في تلك الفترة إضافة إلى عقد إتفاقية مع الإمام يحيى باعتباره يمثل القوة الأبرز على الساحة ، وقد نجحت بريطانيا في إخضاع الإدريسي وإمارته في جيزان لحمايتها تماماً كما هو الحال عليه بالنسبة للمشيخات والإمارات الجنوبية وكان اليمن وقتها يخضع لسيطرة عدة قوى :
1- القوى الموالية للبريطانيين ( المشايخ والسلاطين في المشيخات والإمارات الجنوبية أو ما كان يسمى بالمحميات – إمارة الادريسي.
– مشايخ في وسط وشمال اليمن أي في مناطق نفوذ الإدارة العثمانية أو الإمام يحيى كشيخ ماوية وكذلك الزرانيق).
2- قوى محايدة أو داعمة للعثمانيين وكان هو الإمام يحيى وأثناء الحرب العالمية الأولى سارعت بريطانيا إلى اتخاذ عدة خطوات أبرزها محاولة استمالة الإمام يحيى وتجديد المعاهدات مع السلطنات والمحميات لضمان ولائهم وتحريك وتحريض القبائل في الشمال ضد الإمام وضد العثمانيين، وتقديم الدعم للإدريسي لكي يبدأ بشن حربه على العثمانيين ومن التحركات العسكرية البريطانية الهجوم العسكري على الشيخ سعيد في باب المندب والمساندة بالقصف البحري على الحديدة واللحية ومناطق أخرى ومحاصرة الموانئ اليمنية .
لماذا اختلف اليمن عن بقية البلدان العربية؟
شأنه شأن بقية البلدان العربية خضع اليمن للتقسيم عبر التقارير والمقترحات والمخططات المرفوعة للقيادة البريطانية غير أن اليمن تميز بعد الحرب بأنه نال الاستقلال من العثمانيين ولم يخضع للبريطانيين ونقصد هنا شمال اليمن وبالتالي فشلت بريطانيا في معظم محاولاتها لوضع اليمن المستقل تحت الانتداب لكن قبل ذلك يجب أن نتطرق إلى خطط التقسيم لليمن ولعل الكثير من الباحثين لم يتطرقوا إليها بشكل تفصيلي أو يشيروا إليها حتى بشكل عابر عدا بعض الباحثين الذين أطلعوا على وثائق الأرشيف البريطاني ، وتلك المخططات عبارة عن تقارير مرفوعة من خبراء عسكريين بريطانيين إلى رئيس هيئة الأركان وإلى اللجنة السرية بوزارة الدولة لشؤون الهند البريطانية بشأن اليمن ومستقبل التواجد البريطاني فيه.
إستراتيجية السيطرة على الركن الجنوبي الغربي
هذه الإستراتيجية تبناها الضابط والتون وتقضي أن تخضع منطقة الركن الجنوبي الغربي لليمن للسيطرة البريطانية وهي المنطقة التي تشمل تعز وعدن ولحج مع التمدد شمالاً للحديدة وبالتأكيد أن لهذه المنطقة أهمية إستراتيجية كونها تشرف على مضيق باب المندب وتخضع لها ثلاثة موانئ رئيسية هي عدن والحديدة والمخا وبالتالي تعتبر لها أهمية اقتصادية وتجارية وعسكرية، وقد رفعت الخطة في 1916م أي أثناء الحرب وكان الجيش العثماني مع القبائل اليمنية قد تمكنوا من السيطرة على لحج ولهذا نجد الضابط والتون يضع متطلبات تنفيذ هذه الإستراتيجية وعلى رأسها تعزيز الموقف العسكري بشكل فوري في لحج واستعادتها بشكل كامل ثم يضع خيارين للسيطرة على باب المندب إما إنشاء قاعدة في منطقة الشيخ سعيد ( وهذا قد يكون متعذراً لسوء الأحوال الجوية) وإما السيطرة على تعز وهذا الخيار الأفضل والمناسب لتحقيق أهداف إستراتيجية أخرى.
ويرى والتون أن الإستراتيجية تقوم على احتلال تعز وإعلان الحماية على الزاوية الجنوبية الغربية لليمن مع خط حدود جديد يراعي أن يكون مناسباً للدفاع سياسياً واستراتيجياً ويضيف : إذا سيطرنا على تعز لن نكون بحاجة إلى قاعدة أو حامية عسكرية في باب المندب ، وإذا لم نقرر السيطرة على تعز يجب أن نسيطر على منطقة العند في لحج فمن يسيطر عليها يستطيع منع أي قوات تتقدم باتجاه عدن.
ويعود إلى الحديث عن احتلال تعز وحجم القوة العسكرية المطلوبة لتنفيذ ذلك حيث طرح أن فرقتين عسكريتين كافيتين لاحتلال تعز ثم يتحدث عن أهمية احتلال المنطقة بالإشارة إلى أن احتلال تعز سيوفر الطقس البديع من أجل صحة الجنود والضباط البريطانيين وأن القوة العسكرية التي ستبقى في تعز ستكون في مركز إستراتيجي أفضل ويمكن استخدامها في عمليات شرق أفريقيا وفي الهند أيضاً وهناك أهمية أخرى تتمثل في إمكانية تحويلها إلى قاعدة تدريب لتهيئة الجنود البريطانيين للخدمة في أماكن أخرى كأفريقيا والهند وستنمو التجارة في تعز خاصة إذا مدت سكة حديد من رأس الكثيب إلى عدن وعن سكة الحديد سبق وأن طرح في إستراتيجيته مد السكة من عدن حتى تعز ومن هناك إلى رأس الكثيب شمال الحديدة حيث تنتهي حدود المحمية.
وقتها كان هناك حديث عن ضرورة إستعادة احتلال الضالع ولهذا يقول والتون أن خيار السيطرة على الضالع يعود إلى الرغبة في إقامة مصحة للجنود والضباط البريطانيين هناك إضافة إلى سياسة الاقتراب أكثر من القبائل اليمنية والتواصل بها، ويتطرق والتون إلى ضرورة تحقيق هدف استراتيجي للبريطانيين يتمثل في محاصرة الإمام وعزل اليمن الداخلي عن الوصول إلى الساحل أو الحصول على أي منفذ بحري وذلك من خلال تسليم أجزاء من الساحل الغربي للإدريسي ( من ميدي إلى اللحية) أي تكون تلك المنطقة ضمن الإمارة الإدريسية الخاضعة للحماية البريطانية، وأما من رأس الكثيب أو اللحية حتى عدن فستكون مستعمرة بريطانية بقوات سودانية وبذلك تم منع اليمن من الحصول على منفذ على الساحل الغربي وكذلك جزء من الساحل الجنوبي حتى عدن، ولمحاصرة اليمن من الوصول إلى الساحل الجنوبي يتم تقديم الدعم المادي والعسكري لسلطان المكلا ضمن إجراءات منع القوى المناوئة للبريطانيين ( الإمام يحيى) من الوصول إلى السواحل الجنوبية أو الغربية ، أما الهدف الإستراتيجي الثاني الذي يطرحه والتون فهو تأسيس مستعمرة بريطانية جديدة تمتد من عدن حتى شمال الحديدة متصلة برياً ويتحدث عن أهمية ذلك وأنه من خلال هذه المستعمرة ستزدهر التجارة من خلال منفذين الأول عدن والثاني رأس الكثيب شمال الحديدة وبذلك يكون للمستعمرة أهمية اقتصادية كبيرة أم الجانب الدفاعي وكيفية حمايتها والدفاع عنها فذلك كما يطرح ليس أمراً صعباً وذلك من خلال استنساخ نموذج الحكم البريطاني في السودان ، وبشأن القوات التي يتوجب استخدامها وجنسيات الجنود فليس من المناسب الاعتماد على الهنود المسلمين لأنهم عندما يدخلون شبه الجزيرة العربية يقعون تحت التأثير المغناطيسي كونهم أصبحوا قريبين من مكة المقدسة وأن الأفضل استخدام جنود سودانيين ، وبعد الاستعانة بالسودانيين يكون تدريب قوات محلية تحت قيادة ضباط بريطانيين ، ولضمان تأييد اليمنيين سنقول إن سياستنا ليست توسعية ، بل إن حفظ وجودنا بعدن فرض علينا ذلك ولا بد من تأسيس كلية لاستيعاب أبناء المشايخ والسلاطين للتأثير عليهم ليكونوا أكثر ولاء لبريطانيا، أما الصعوبات المحتملة فقد تتمثل في تكاليف سكة الحديد إضافة إلى القوات المخصصة للتنفيذ (كانت بريطانيا وقتها تخوض الحرب العالمية الأولى) والنفقات المطلوبة لشراء ولاء القبائل اليمنية، وفي نهاية التقرير السري يؤكد أن مجموعة من كبار الضباط يؤيدون ما جاء في التقرير.
وملخص الخطة يتمثل في إنشاء كيان يمتد من الحديدة حتى عدن يكون تابعاً لبريطانيا ومراكز هذا الكيان (عدن – الحديدة – تعز) فيما تبقى المحميات الشرقية والغربية على ماهي عليه عدا بعض التعديلات على سلطنة لحج ويصبح اليمن الداخلي أو الجبلي محاصراً من الغرب بالإدريسي والبريطانيين ومن الجنوب بالبريطانيين ومن الشرق كذلك بالمحميات البريطانية (ولاحقاً سيتم إستدعاء عبد العزيز بن سعود لاستكمال الحصار من الجهة الشمالية) وسيتطور هذا التصور أو المخطط إلى تقسيم مذهبي فاليمن الشافعي سيكون إمارة متكاملة، واليمن الزيدي سيكون محاصراً من كل الإتجاهات.
الخطة السياسية في منطقتنا الخلفية:
يحاول هذا التقرير تحقيق ذات الهدف الذي تضمنه التقرير الأول للضابط والتون أو إستراتيجية السيطرة على الركن الجنوبي الغربي لليمن، لكن بوسائل أخرى مع بعض التعديلات وهنا تبرز رؤية الضابط البريطاني الخبير بشؤون المنطقة (جاكوب) وهو مساعد المقيم في عدن وحمل التقرير عنوان الخطة السياسية في منطقتنا الخلفية حديثاً عن التخفيف من استخدام القوة واستبدال ذلك بالوسائل السياسية والدبلوماسية من خلال عقد اتفاقيات مع القبائل اليمنية في المنطقة المحددة وبشأن تعز فيمكن مد النفوذ عليها بدلاً من الاحتلال العسكري المباشر وتهيئة الظروف لتعيين وكيل بريطاني على تلك المناطق ومد سكة حديدية وكذلك تأسيس كلية لأبناء المشايخ والسلاطين ودعم سلطنة القعيطي بحضرموت مع زيادة عدد القوات البريطانية للسيطرة على كل منطقة يمنية قد تصبح مطمعاً للقوى الأوربية المنافسة لبريطانيا، ويورد جاكوب ملاحظة مهمة أبرزها: في حال أصبحت تعز ضمن نفوذنا يجب تعيين حاكم لها معاد للزيود وبشأن الإمام يحيى فقد يسبب لنا المتاعب في عدن إذا تضخمت قوته، وبشأن الحديدة فإن احتلالها مهم جداً ليكون الميناء أداة للمساومة مع إمام صنعاء لتأمين الوجود البريطاني في عدن.
يضع جاكوب قيادته أمام عدة خيارات منها إذا لم يتم السيطرة على كل المنطقة المحددة فيجب على الأقل احتلال ميناء الحديدة (هذا ما حدث بالفعل في 1918م) فضمان السيطرة على موانئ الحديدة وعدن والمكلا لتحقيق المصالح البريطانية وكذلك التحكم بمداخل الإمدادات إلى الداخل من هذه الموانئ ، وبشأن الصراع بين الإمام يحيى والإدريسي فإن الإدريسي يتوسع جنوباً في مناطق الإمام وذلك سيؤدي إلى صدام حاد بينهما بحيث تصبح مهمة البريطانيين حينذاك التحكيم بين الزعيمين وهو أمر لن يتوفر إلا إذا أعاد البريطانيون للإمام يحيى الأراضي الواقعة ضمن الحدود التي سبق الاتفاق عليها مع الأتراك في جنوب اليمن وهو ما يصعب تحقيقه حماية وتأميناً لقاعدتنا العسكرية في عدن.
نلاحظ أن خطة جاكوب تقوم على أن تكون تعز منطقة حاجزة أو فاصلة لمنع اليمن الزيدي من الوصول إلى اليمن البريطاني من خلال تعيين حاكم في تعز معاد للزيدية مع إثارة الخلافات المذهبية لا سيما الشافعية والزيدية إضافة إلى إدارة الصراع لاحقاً بين الإمام يحيى والإدريسي (هذا ما حدث) أما بشأن الحديدة فإن احتلالها للضغط على الإمام حتى يعترف بوجود بريطانيا في عدن (هذا ما حدث بالفعل كما سنعرف) ويتفق جاكوب مع والتون في ضرورة دعم سلطنات حضرموت وبيحان (شبوة) لمنع أي تقدم متوقع لقوات الإمام نحو المناطق الشرقية.
*المؤلف: عبدالله بن عامر – باحث واعلامي – نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة – نائب رئيس تحرير صحيفة اليمن.
* المصدر: موقع عرب جورنال
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع