السياسية : جميل القشم

تكتظ مراكز الغسيل الكلوي في محافظة الحديدة بآلاف المرضى ممن ينتظرون دورهم للحصول على جلسات الغسيل في رحلة قد تمتد بضعة أيام من أجل البقاء على قيد الحياة.

يتزاحم مئات المرضى القادمين من مديريات الحديدة ومحافظات حجة والمحويت وريمة وذمار، أمام أبواب مراكز الغسيل نظراً لقلة الأجهزة والمحاليل وعجز المراكز عن استيعابهم نتيجة محدودية دعم المنظمات لمواجهة متطلبات تقديم الخدمات بشكل اعتيادي وفق مستويات الجودة المطلوبة.

تستقبل هذه المراكز يومياً عدداً كبيراً من المصابين بالفشل الكلوي، لطلب غسل الكلى عبر جهاز يعمل على تنقية الدم وتستغرق الجلسة ما بين 3 – 5 ساعات، ويحتاج المريض ثلاث جلسات غسيل أسبوعيا، إلا أن الوضع الذي فرضه العدوان والحصار فاقم من معاناة المراكز التي بالكاد تستطيع تقديم جلستي غسيل لكل مريض.

 

جوهر المشكلة:

يتوزع المرضى على سبعة مراكز غسيل كلوي بالمحافظة في كل من زبيد والقناوص وباجل وبيت الفقيه وجبل راس، وأكبرها مركز العمال القديم بالمدينة الذي يحتوي على 20 جهازاً، شبه معطلة بعد انتهاء عمرها الافتراضي وفي بنية تحتية متهالكة تهدد بانهيار مبنى المركز.

يزدحم مركز غسيل الكلى القديم بالمرضى من عدة محافظات، في وقت يفتقر إلى الصيانة ويعاني العديد من المشاكل في إمكاناته وتجهيزاته، إذ يعجز عن استيعاب المرضى الذين تتضاعف أعدادهم أسبوعياً، فضلاً عن تحديات جمة يواجهها يومياً تهدد بإغلاقه، كنفاد محاليله العلاجية.

والأكثر خطراً هو تعطل أجهزة الغسيل وصعوبة صيانتها في ظل الحصار القائم منذ سنوات على البلد، وقد واجه المركز عدة مرات مخاطر كادت تؤدي إلى إغلاقه وقد أطلق حينها عشرات نداءات الاستغاثة.

 

جوهر المأساة:

الكثير من المرضى يعانون الأمرين في السفر من مناطق نائية ورحلات طويلة قد تستغرق أكثر من يوم للسبب ذاته، حيث رأينا العم حسن وهو مسن، اتخذ من نجليه عكازتين للعبور من محافظته الجبلية ريمة إلى الحديدة، كان عليه أن ينتظر بقدميه المتورمتين أمام مركز غسيل الكلى يوماً آخر للحصول على جلسته المنقذة.

يقول الأطباء إن وضع العم حسن يستلزم جلستين إلى ثلاث جلسات أسبوعياً، لكنه بالكاد يجري جلسة واحدة أو اثنيتن الأمر الذي يفاقم حالته الصحية حيث بدأت أمراض أخرى تغزو جسمه المنهك وتبدو أعراضها عليه.

نجل هذا المريض، يقول: إن أكثر ما ينهك والده هو السفر الطويل من قريته وطابور الانتظار الطويل أمام مركز غسيل مدينة العمال في الحديدة. مضيفاً: بعد ست ساعات من السفر أتمنى أن تجرى الجلسة صباح الغد كي نتمكن من العودة في المساء لأن وضعنا المادي لا يسمح بدفع إيجار سكن في الحديدة”.

 

حلول في دائرة المتاح:

يدرك القائمون على مركز العمال القديم للغسيل الكلوي، الذي تستنفر كافة طواقمه الطبية لتقديم أكثر من 120 جلسة يوميا للمرضى، أن محاولات صيانته -وإن جرت- لن تحل مشكلة المرضى الذين ترتفع أعدادهم وتتعدد معاناتهم للبقاء على قيد الحياة.

بدأت قيادة هذا المركز بدراسة فكرة توسعته إلى جانب أعمال صيانته، وهنا اصطدمت الفكرة مرة أخرى بضعف بنية المركز التحتية غير المؤهلة أصلاً لإضافة أقسام وملحقات طبية جديدة.

فاستقر الرأي بعد دراسة عدد من الخيارات على أولوية إنشاء مركز جديد للغسيل الكلوي بحيث يخفف العبء على بقية المراكز ويتلافى جوانب القصور التأسيسية في بنيتها التحتية واحتمالات التوسيع والتطوير، في سبيل أن يحصل مئات المرضى على جلسات الغسيل المطلوبة.

وشرعت السلطة المحلية بمحافظة الحديدة في أعمال الإنشاء والتأسيس بتمويل صندوق دعم احتياجات الحديدة، إذ استنفر الصندوق يومها قدرته المادية ليصبح المركز جاهزاً، وفي أغسطس 2022، افتتح رئيس المجلس السياسي الأعلى مركز الشهيد الصماد لغسيل الكلى الذي يقدم خدماته مجانا.

إنشاء مركز الشهيد الصماد جاء استجابة من القيادة للوضع الطارئ، ورغم افتتاحه قبل تزويده ببقية الأجهزة والإمكانات اللازمة، تعول قيادة المركز والمرضى على الجهات المعنية والمنظمات، رفده بكافة أجهزة الغسيل لطي رحلة معاناتهم في المركز القديم.

محافظ الحديدة محمد عياش قحيم، عبر عن ارتياحه لنجاح مشروع إنشاء مركز الشهيد الصماد .. مثمناً حرص القيادة الثورية ورئيس المجلس السياسي الأعلى وقيادة وزارة المالية وصندوق دعم الحديدة على إنجاح هذا المشروع الإنساني.

وأوضح أن تجاوز معضلة ما يعانيه مرضى الفشل الكلوي بالمحافظة وتحقيق النجاح المنشود من إنشاء مركز الصماد، يبقى مرهونا بتضافر وتعاون جهود الجميع لدعم احتياجاته المتبقية والمتمثلة بتوفير أجهزة الغسيل في حدها المطلوب.

وأكد قحيم، أن السلطة المحلية بالمحافظة ستبذل المزيد من الجهود لتغيير الوضع الراهن لمراكز الغسيل الكلوي، التي يخشى المرضى توقفها نتيجة العدوان والحصار لعدم توفر المواد والمستلزمات العلاجية والطبية الخاصة بجلسات الغسيل، وهو مايضاعف آلامهم.

بدوره أكد مدير مراكز الغسيل الكلوي بالحديدة الدكتور أيمن الكمال: أن “الهدف من إنشاء مركز الشهيد الصماد تخفيف الضغط على مراكز الحديدة ومعاناة المرضى، فالمركز القديم مزدحم ولا يستطيع استيعاب العدد الكبير من المرضى.”

وأوضح أنه تم افتتاح المرحلة الأولى من المركز بـ 12 جهاز غسيل كلى لتخفيف معاناة المرضى، وقال :”نعول على القيادة والجهات ذات العلاقة، دعم المركز بأكثر من 40 جهاز غسيل للحد من المشكلة القائمة في المركز القديم ونقل المرضى إلى المركز الجديد.”

السلطة المحلية بالحديدة بمتابعة مباشرة من المجلس السياسي الأعلى كانت تدرك تماماً حجم المعاناة التي يواجهها مرضى الفشل الكلوي، كما يقول الكمال، مضيفا: “سنعمل مع قيادة المحافظة مستقبلا على البحث عن تمويل لإنشاء مراكز وفروع في المناطق البعيدة لتوفير الجهد والوقت على المرضى الذين يقطعون مسافات طويلة للحصول على جلسات الغسيل”.

وحول تزايد المصابين بالفشل الكلوي ذكر الكمال أن معظم المرضى هم من المحافظات المجاورة ولكن الوصول إلى محافظة الحديدة أسهل من السفر إلى مدينتي حجة أو المحويت وباقي المحافظات ما يجعل مراكز الغسيل تتحمل عبئاً فوق طاقتها الاستيعابية.

وثمن مدير مراكز الغسيل الكلوي، استجابة القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى والحكومة ووزير المالية ومحافظ الحديدة وصندوق دعم الحديدة، لتأسيس مركز الشهيد الصماد لتغطية العجز والقصور في تقديم خدمات الغسيل للمرضى.

 

شهادات المرضى:

يلخص أحد مرضى الغسيل الكلوي الذي اعتاد المركز القديم، معاناته السابقة بالقول “الوضع كان تعب” حيث كان ينتظر يومين على الأقل للحصول على جلسة تبقيه على قيد الحياة.

ومن معاناته تلك يضعنا هذا المريض أمام صورة واضحة للحال الذي بات عليه اليوم قائلاً “الآن مع المركز الجديد الحمد لله، أصل في موعدي المحدد وأتلقى جلسة العلاج مباشرة”، لكن هذا المريض لم ينس بعد ذكريات المركز القديم قائلاً: “أتذكر كيف كان الوضع، معاناة كبيرة كنت أحياناً أضطر إلى التخلي عن الجلسة وأرجع البيت من شدة الزحمة”.

ويقول مريض آخر وهو على كرسي العلاج: الحمد لله في المركز الجديد شعرنا بتحسن كبير، يكفي أني أصل للكرسي دون أي مشاكل” ..مضيفاً: “المركز خفف علينا المعاناة السابقة لم نكن ندخل إلا وقد تورّمت أجسامنا من الأوجاع.”

ووجه 12 مريضاً من المرضى الذين كانوا يتلقون جلسات الغسيل خلال الفترة الأولى بمركز الشهيد الصماد الذي يقدم 36 جلسة يومياً، حالياً بالتزامن مع استكمال بعض الأعمال الإنشائية لمرافقه، الشكر للقيادة التي التفتت لمعاناتهم، يقول أحدهم ” أتمنى يواصلوا مشاريع من هذا النوع التي تخفف على المرضى، الله يوفقهم ويجزيهم الخير”.

 

بارقة أمل:

مثل تأسيس مركز الشهيد الصماد لمعالجة مرضى الكلى، بارقة أمل ليكون الأكبر في مجاله وتسعى السلطات لتحويله إلى مركز لتفتيت الحصى وزراعة الكلى مستقبلاً، إذ يعمل حالياً بجزء من طاقته لكنه مزود بمختبرات متطورة ومحطة تحلية مياه وإنتاج الماء المقطر وأجهزة حديثة.

وفيما يتزاحم أكثر من ألف و100 مريض على مراكز الغسيل السبعة بمحافظة الحديدة، ينتظر الغالبية منهم قرار نقل كل جلسات الغسيل من المركز القديم إلى مركز الشهيد الصماد ليكون سبباً في عودة الحياة لمئات المرضى الذين يعانون من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم نتيجة العدوان والحصار على اليمن منذ ثماني سنوات.

سبأ