السياسية:

تحتل الفلبين أهمية استراتيجية لدى الولايات المتحدة الأمريكية مع تصاعد أزمة تايوان بين واشنطن وبكين، حيث تسعى الولايات المتحدة لتمتين علاقاتها مع الفلبين، التي تقع على مقربة من جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين جزء لا يتجزأ من أراضيها.

الفلبين في قلب الصراع الصيني الامريكي
وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية حاليا على خطة لتطويق حدود الصين، عن طريق محاصرتها عبر دول الحوار، فهي تسعى بشكل دؤوب لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع اليابان وكوريا الجنوبية، لتكونا محطتا انطلاق في حال حصول أي مواجهة محتملة مع الصين في المحيطين الهندي والهادي، وتتجه لانشاء المزيد من القواعد العسكرية في الفلبين، نظرا لأن الفلبين واليابان تكتسبان أهمية خاصة لدى واشنطن لقربهما الجغرافي من جزيرة تايوان، فجزيرة “إيتبايات” الفلبينية تقع على بعد 93 ميلاً من جزيرة تايوان.

والخميس 2 فبرائر/شباط 2023 أعلنت الولايات المتحدة والفلبين التوصل لاتفاق يسمح للجنود الأمريكيين باستخدام 4 قواعد إضافية في الفلبين، التي تخوض نزاعا مع الصين حول عدد من الجزر في بحر الصين الجنوبي، وأكد بيان مشترك إن واشنطن ومانيلا اتفقتا على توسيع اتفاق قائم ليشمل 4 مواقع جديدة في مناطق استراتيجية من الفلبين، وجاء الاتفاق خلال زيارة لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لمانيلا، حيث تسعى واشنطن إلى تمتين علاقاتها مع مانيلا التي قطعت في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الفليبيني السابق رودريغو دوتيرتي، الذي فضل التقارب مع الصين، وتبدو إدارة الرئيس الفلبيني الجديد فرديناند ماركوس حريصة على التقارب مع البيت الأبيض، وادارة ظهرها للصين.

وجمهورية الفلبين الواقعة غرب المحيط الهادي، في جنوب شرق آسيا، هي عبارة عن أرخبيل مكون من 7,641 جزيرة، تحده تايوان من الشمال عبر مضيق لوزون، وفيتنام إلى الغرب عبر بحر الصين، وترتبط مع الولايات المتحدة بتحالف أمني منذ عقود، يشمل معاهدة للدفاع المتبادل واتفاق التعاون الدفاعي المعزز الموقع في العام 2014، والذي يسمح للقوات الأمريكية بالتواجد في 5 قواعد فلبينية، بما فيها تلك القريبة من مياه متنازع عليها مع الصين، كما يسمح للجيش الأمريكي بتخزين المعدات والإمدادات الدفاعية في تلك القواعد، والفلبين كانت مستعمرة أميركية سابقة، وأصبحت حليفاً للولايات المتحدة في العام 1951، بعد خمس سنوات من الاستقلال، وخلال الحرب الباردة، استضافت بعض أكبر القواعد الأميركية في الخارج، ومنشآت حيوية للحروب الأميركية في كوريا وفيتنام.

والاتفاق الاخير بين واشنطن ومانيلا يحمل دلالات وابعاد جيو سياسية، سيكون لها تأثير على موازين القوى في شرق أسيا، وسيؤدي إلى تأجيج التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولأجل ان تبقى واشنطن صاحبة التأثير الاقوى سعت البتاغون للضغط على وزارة الدفاع الفليبينية لالغاء صفقة شراء مروحيات عسكرية روسية، وفي اكتوبر/تشرين أول 2022 اعلنت السفيرة الأمريكية لدى الفليبين، ماري كاي كارلسون، إن الولايات المتحدة ستدفع للفلبين نحو 100 مليون دولار لإلغاء صفقة لشراء مروحيات هليكوبتر روسية، مشيرة الى ان المبلغ سيستخدم في تحديث احتياجات الدفاع الوطني للفلبين، وبررت مانيلا إلغاء صفقة شراء 16 مروحية هليكوبتر روسية من طراز Mi-17 التي كانت قد وقعتها مع شركة Sovtechnoexport LLC الروسية، بأنه جاء نتيجة تغيير في الأولويات بسبب التغيرات في السياسة العالمية. ويؤكد ذلك ان الولايات المتحدة لا تريد ان يكون تسليح الجيش الفليبيني متعدد المصادر، وهي بذلك تسعى للهيمنة على الجيش تسليحا وتدريبا، لتعقيد الامر على أي حكومة مقبلة في البلاد، في حال قررت التوجه نحو الصين أو روسيا، ما يعد مؤشرا على ان واشنطن تريد ان تجعل من الفلبين رأس الحربة في أي مواجهة محتملة مع الصين.

من جانبها تنظر الصين لعلاقتها بالفلبين من منظور استراتيجي، واكد ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ، عندما قال إن بلاده ترى دائما علاقاتها مع الفلبين من منظور استراتيجي، جاء ذلك خلال لقائه بالرئيس الفلبيني فرديناند روموالديز ماركوس، على هامش الاجتماع الـ29 لقادة اقتصادات منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، منتصف نوفمبر/تشرين ثان 2022. والنزاع بين الفلبين والصين يدور حول مياه جزر في بحر الصين، حيث تدعي بكين سيادتها التاريخية الحصرية على منطقة بحر الصين الجنوبي، خصوصاً على مستوى جزر سبراتلي التي تتنازع عليها مع كل من فيتنام وبروناي وإندونيسيا وماليزيا والفلبين، وترى مانيلا ان أسس الادعاءات الصينية سقطت بصدور حكم محكمة العدل الدولية في العام 2016. لكن بكين ترى ان سيادتها على المنطقة لا نقاش فيه، كونه جزء من أمنها القومي، ولارتباطه بسيادتها على جزيرة تايوان.

تفيد تقارير غربية ان الصين تعمل على بناء جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي، منذ العام 2013، وتؤكد ان تلك الجزر بلغت بحلول العام 2016 سبع جزر اصطناعية، وذلك ما يمثل قلق للدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي، وهذا القلق تستغله واشنطن لتحقيق مزيد من النفوذ في بحر الصين الجنوبي لمحاصرة الصين وتحجيم دورها في هذا المسطح المائي الذي تاتي اهميته من كونه ممر ملاحي هام للتجارة الدولية.

وفي مطلع نوفمبر/تشرين ثان 2022 نشرت وسائل اعلام غربية صورة قالت ان الأقمار الاصطناعية التقطتها، وتُظهر جزر اصطناعية جديدة، شُوهدت حول أرخبيل “سبراتلي” المتنازع عليه، حيث سُجل وجود سفينة صينية مزودة بحفارة هيدروليكية تعمل هناك. وابدت الخارجية الفلبينية قلقها من تلك التطورات، معتبرة أن أنشطة من هذا النوع تتعارض مع الإعلان بشأن السلوك في بحر الصين الجنوبي، وحول ضبط النفس وقرار التحكيم لعام 2016، مؤكدة أنها طلبت من وكالات أخرى التحقيق في المسألة. وردت السفارة الصينية في مانيلا على بيان الخارجية الفليبينية، معتبرة ما يتم تداوله بأنه مجرد أخبار كاذبة.

الصورة الفضائية التي نشرتها وسائل اعلام غربية أججت الخلافات الصينية الفليبينية، كونها جاءت بعد اسبوع من حادثة حطام الصاروخ الصيني، حيث اتهمت مانيلا إحدى سفن خفر السواحل الصينية بمصادرة حطام صاروخ صيني، عثرت عليه سفينة تابعة للبحرية الفلبينية، وهو ما نفته السفارة الصينية في مانيلا، واكدت إن الصواريخ أعيدت إلى الصينيين بعد مشاورات ودية.

ووسط ذلك الصراع الذي احتدم بين بكين ومانيلا في نوفمبر/تشرين ثان 2022 دخلت واشنطن على خط الصراع الى جانب مانيلا، حيث عبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية عن دعم بلادها للفلبين بشأن الحادثين، داعية الصين إلى احترام القانون الدولي. وهذا التدخل الامريكي جعل السفارة الصينية في مانيلا تتهم واشنطن باستغلال النزاع “لإحداث اضطراب”.

تستغل واشنطن الخلافات القائمة بين الصين والفلبين حول السيادة في بحر الصين الجنوبي، وهو ما يجعلها تكثف من تعاونها مع الفليبين لجرها بعيدا عن الصين، بما يؤدي الى تحويلها الى ثكنة أمريكية في مواجهة الصين في حال نشب صراع على جزيرة تايوان، وفي الوقت نفسه تدرك الصين ذلك، لكن اجندتها القائمة على ان بحر الصين الجنوبي هو جزء من سيادتها التي لا تقبل النقاش يوسع الخلافات مع الدول المشاطئة وأبرزها الفليبين، وهو ما يجعل تلك الدول ترتمي في الحضن الامريكي، حيث تسعى الاخيرة لتقييد الفليبين باتفاقات امنية وعسكرية بما يحقق أهدافها في التواجد في بحر الصين، وتحديدا بالقرب من تايوان، إلى جانب ان تحظر في المنطقة تحت يافطة الحفاظ على سلامة طرق التجارة الدولية.

بامكان الفليبين استخدام الصراع الامريكي الصيني للحصول على مكاسب تحقق طفرة لاقتصاد البلاد، لكن يبدو ان القيادة الحالية تفضل التغريد في السرب الأمريكي، وهو ما يعني تحويل البلاد الى ثكنة عسكرية امريكية، وبالتالي جعلها في مهب المخاطر الكبرى في حال نشب صراع عسكري أمريكي صيني حول جزيرة تايوان.

المصدر: عرب جورنال
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع