السياسية:

تؤكد تقارير غربية حديثة أن التحول النوعي في التسليح الغربي لأوكرانيا بات يطغى على ما سواه في الحرب، فما كان خطا أحمر في التسليح بات قيد النقاش الآن، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى.
من جانبها، لا تكف كييف عن القول إنها تعتزم استعادة جميع أراضيها بالقوة بما يشمل شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من قبل.
هذا الإصرار استدعى ردا روسيا يهدد بأن مسعى كهذا سيؤدي فورا إلى حرب نووية.
أما الكرملين، فيؤكد أن الصواريخ الأطول مدى التي قيل إنها ضمن حزمة مقبلة من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا “ستفاقم” الصراع لكنها لن تغير مجراه، وأن روسيا ستواصل هجومها مهما كلف الأمر.
ويضيف دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس لديه أي خطط لعقد محادثات مع نظيره الأمريكي جو بايدن.
من جانبه، أوضح بيكسوف عند سؤاله عن حزمة المساعدات الجديدة “أجل.. هذه طريقة مباشرة لتصعيد التوتر ولزيادة مستوى التصعيد، يمكننا أن نرى ذلك. يتطلب ذلك منا بذل جهود إضافية لكن مجددا، لن يغير ذلك من مسار الأحداث. ستستمر العملية العسكرية الخاصة”.
وتأكيدا لسيرا العالم في هذا الاتجاه، كتب الصحفي والمحلل البريطاني روبرت تومبس في التلغراف، بعنوان “كما حدث في عام 1914 أو عام 1939، ربما نسير نياما نحو حرب عالمية لا يمكن أن يوقفها شيء”.
ويوضح الكاتب أن “هناك دروسا من كوارث الماضي، ليست كلها مشجعة. والأول هو أنه يجب على الشخص الذي يزعزع السلام المحتمل أن يعتقد أنه يمكن أن ينتصر. لا أحد، مهما كان غير متوازن، يشرع في صراع يتوقع أن يخسره”.
ويتابع: “طالما كانت الولايات المتحدة هي المهيمنة بشكل واضح، وهو ما كانت عليه بشكل عام منذ عام 1945، فلن يكون هناك صدام مباشر بين القوى العظمى. عندما يصبح ميزان القوى غير مؤكد ينشأ الخطر، لأن كلا الجانبين يمكن أن يتوقع النصر”. ويكمل: “بدا لبعض الوقت أن الأسلحة النووية قد غيرت القواعد، ولكن فقط إذا كان من المعقول أن يتم استخدامها. الآن الأمر ليس كذلك”.

ـ لا عالم سعيد مستقبلا:
وورد في تحليل نشرته مجلة “فورين افيرز” الأمريكية: في ظل تفاؤل ليبرالي ظل يسود التفكير في الصراعات الدولية خلال العقود التي أعقبت الحرب الباردة، تأتي الأحداث لتقول إن الحرب قابلة للاشتعال مجددا وجراء أقل الأسباب وأبعدها عن الأخذ بالحسبان. الولايات المتحدة حاليا في مأزق متعلِّق بسيادتها، فإما أن تقبل بأن قيمها الليبرالية ليست قيما عالمية وتنسحب من شرق آسيا لتترك الصين تتوسع في مناطق نفوذها التاريخية، وينتهي بذلك عصر السيادة الأمريكية، وإما أن تخوض حربا تكون فيها عناصر التقدم التكنولوجي إلى جانب الولايات المتحدة لكي تطوي فصل الصين إلى الأبد.
وفي ذات السياق، يقول المحلل السياسي الدكتور نجيب عمر، إنه ومنذ خواتيم الحرب الباردة والأمريكيون من صناع سياسة ومفكرين وباحثين في العلاقات الدولية ومحللين للسياسات يجادلونَ بأن حروب القوى العظمَى باتت رفاتا لزمن ولى وانتهى. في عام 1986، أطلق المؤرخ جون لويس جاديس على عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية اسم “السلام المديد”، لأن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تجنبا إشعال الحرب. بعد ذلك بعدة سنوات، أشار عالم السياسة جون مولر إلى أن الأعراف المتغيرة قد أنهت صراع القوى العظمى. بحلول عام 2011، كان عالم النفس ستيفن بنكر يجادل بأن السلام المديد قد تحول إلى “سلام جديد” يتسم بتراجع عام للعنف في الشؤون الإنسانية.

ويتابع: بالتأكيد، وكما تشير صراعات دائرة في أفغانستان وليبيا والسودان وأوكرانيا على سبيل المثال، فما من نقص حاليا في العنف المسلح المنظم الذي يجر إلى دوائره البلدان الأصغر حجما. لكننا إن نظرنا إلى الطريق المضرج بالدماء في السياسة منذ بزوغ فجر النظام الدولي الحديث في القرن السادس عشر، فسنجد أن غياب الحرب بين القوى العظمى منذ عام 1945 أمر صادم. مع ذلك، فإن الأمر لا يعني أن هذه الأنماط من الصراع قد ولت. في الحقيقة، رغم محاولات الأكاديميين والسياسيين استبعادَ حرب القوى العظمى كونها مصدر تهديد حقيقيا، فإن الظروف التي تجعلها ممكنة لا تزال قائمة، فالتوترات مستمرة في أوساط القوى العظمى لعالم اليوم، وقبلهم جميعا بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، ويمكن لأي عدد من نقاط التوتر أن يشغل فتيل الصراع بينهم، والأطراف على مسار تصادم تغذيه ديناميكيات انتقال مراكز القوة والتنافس على المكانة والاعتبار، ودون تغيير في الاتجاه، فإن الحرب بينهم ليست محضَ إمكانية فحسب لكنها مرجحة أيضا.ـ أمريكا والتصعيد:
في وقت سابق، نشرت وكالة الأنباء الألمانية “د ب أ” يوم 3 فبراير 2023 تقريرا يتحدث عن إستراتيجية بايدن الجديدة لإنهاء حرب أوكرانيا جاء فيه: وصلت الحرب في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة، في حين تشهد الإستراتيجية الأمريكية تحولا مهما. فالمخاوف من نشوب حرب نووية تتراجع، والمخاوف من حرب طويلة تستنزف الجميع تتزايد. لذلك تكثف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمها لأوكرانيا، على أمل الوصول إلى حل دبلوماسي للأزمة فيما بعد، اعتمادا على إستراتيجية “التصعيد من أجل التهدئة” التي قد يكون من الصعب تنفيذها بحسب المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز.
ويرى براندز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أنه بعد مرور نحو عام على بدء الحرب، أصبح الغموض الذي يحيط بمسارها أشد من ذي قبل. ففي الأشهر الستة الأولى من الحرب كانت روسيا صاحبة زمام المبادرة: وكانت الأسئلة الرئيسية هي متى وأين وما هو شكل النجاح الذي ستحققه عند الهجوم. وخلال الشهور الخمسة التالية استردت أوكرانيا زمام المبادرة، وحاول المحللون التكهن بمكان واحتمالات الهجمات المضادة التالية.

ـ لا تبقي ولا تذر:
ويعتقد الدكتور عمر نجيب، أن الحرب العالمية الثالثة ستستخدم فيها كل أنواع الأسلحة نووية وكيماوية وجرثومية، وتمحى معها كل القواعد والقوانين التي توصف بالدولية.
ويضيف: فعندما تتصادم الدول الكبرى في مواجهة وجودية تسقط كل المحاذير لأن الأمر يكون خيارا بين البقاء أو الفناء.
ويرى أن المشكلة التي يواجهها القادة العسكريون والسياسيون على حد سواء في كل المواجهات العسكرية هي القدرة على استكشاف نوايا الخصم وحجم قدراته المادية والبشرية وثبات وصمود جبهته الداخلية على كل الأصعدة. عدم القدرة على تكوين تصور دقيق في أي مواجهة يحكم على الجانب المخطئ بالخسارة والهزيمة في النهاية. هذه القاعدة ثبتت مصداقيتها حتى في الحروب الصغيرة أو المتوسطة الحجم. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تواجه المعسكران الاشتراكي أو الشيوعي مع المعسكر الرأسمالي أو الليبرالي وخاضا مواجهات عسكرية محدودة مباشرة أو عبر حلفاء لهما. البعض من هذه الصراعات العسكرية حملت في طياتها وبدرجات متفاوتة خطر التوسع إلى مرتبة حرب نووية عالمية.

 

عبدالرزاق علي

المصدر : عرب جورنال

المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع