السياسية:

لا تزال صور قادة معاصرين تتوهج بقوة أسطورية. من بين هؤلاء فيديل كاسترو، الذي كان صرخ أمام قاض قائلا :”التاريخ سينصفني”. عاش طويلا وتغلب حتى على الولايات المتحدة ذاتها!

في مطلع يناير من عام 1959، دخل كاستر منتصرا وأنصاره هافانا في مسيرة من الصراع المسلح كانت انطلقت في 26 يوليو 1953، وانتهت في الأيام الأولى من فبراير عام 1959، بتقويض حكم فولغينسيو باتيستا، الدكتاتور الذي كان يوصف على خلفية عمليات الاغتيال السرية، بأنه “يحب العمل في الظلام”!

لم تتبدد الهالة الأسطورية حول فيديل كاسترو منذ ظهوره البارز الأول، وكان ذلك حين أظهر جرأته وتصميمه برفع دعوى قضائية ضد حاكم البلاد باتيستا في مارس عام 1952. الدعوى كانت صرخة في واد، لكنها لفتت الأنظار إلى هذا الرجل العنيد والاستثنائي.

فيديل كاسترو ينتمي إلى عائلة ميسورة، وكان صهر وزير، ولو أراد لوجد لنفسه مكانا لائقا ومريحا في صفوف النخبة الكوبية. بدلا من ذلك، وقف بشدة ضد الدكتاتور باتيستا، رجل الولايات المتحدة والحاكم العسكري المطلق لكوبا بين عامي 1933 – 1944، والذي استولى على السلطة في كوبا للمرة الثانية في انقلاب عسكري في عام 1952.

عن هذا الدكتاتور، قال الدبلوماسي والمؤرخ الروسي نيكولاي بلاتوشكين إنه “كان مسؤولا عن النموذج الاقتصادي العقيم الذي اختارته كوبا، حيث قامت البلاد بتصدير قصب السكر، واستيراد الضروريات الأساسية التي يمكن أن تنتجها بنفسها. الجزيرة، المحاطة بالمياه كانت تستورد حتى الأسماك”.

تحت حكم فولغينسيو باتيستا، أصبحت هافانا تعرف باسم لاس فيغاس أمريكا اللاتينية. تدفقت الاستثمارات من الولايات المتحدة الأمريكية وتركزت في مجال الترفيه. استثمر المجرمون الذين جاءوا من هناك في سوق الخدمات الجنسية، وتم لاحقا الكشف عن عمليات اختطاف تعرضت لها فتيات أجبرن على ممارسة الدعارة.

في تلك الحقبة، سحبت الولايات المتحدة 800 مليون دولار من صافي الأموال من البلاد، من دون احتساب البضائع والسلع، وفقدت الجزيرة تدريجيا استقلالها.

وضع كاسترو ورجاله خطة لتغيير الوضع ووضع حد لدكتاتورية باتيستا. كان من المفترض أن تبدأ بهجوم على ثكنات “مونكادا” المحصنة الواقعة في سانتياغو دي كوبا.

كاسترو توقع حينها مخطئا أنه مع 165 من رجاله، سيتمكن من نزع سلاح الحراس عند المداخل واعتقال الجنود النائمين. فشلت عملية الاستيلاء على الثكنات التي جرت في 26 يوليو 1953.

هزم الثوار بعد معركة استمرت ساعتين، قتل الكثير منهم، واعتقل الباقون، كما باءت بالفشل محاولة لمجموعة ثانية مكونة من 27 شخصا نفذت هجوما على ثكنات في مدينة بايامو.

محاكمة فيديل كاسترو انطلقت في 21 سبتمبر 1953، رفض أن ينوبه محام وتولى الدافع بنفسه، وألقى خطابا شهيرا امام المحكمة قال فيه: “التاريخ سوف ينصفني”.

أحكام طويلة بالسجن طالت جميع المتهمين بما في ذلك فيدل كاسترو الذي حكم عليه بالسجن 15 عاما. إلا أن باتيستا اضضطر تحت ضغط الرأي العام، إلى العفو للمتمردين.

انتقل الاخوان فيديل وراؤول كاسترو وحوالي 100 من أنصارهما إلى المكسيك في عام 1955، وواصلا من هناك التنظيم والعمل للإطاحة بدكتاتورية باتيستا. كانت المكسيك في ذلك الوقت معقلا تقليديا لثوار أمريكا اللاتينية. وهناك التقي كاسترو وإرنستو تشي جيفارا وأصبحا رفيقي سلاح.

عاد فيديل كاسترو في 2 ديسمبر 1956 إلى كوبا مع مفرزة تتكون من 80 مقاتلا للإطاحة بنظام باتيستا الديكتاتوري. رسى اليخت “غرانما” على شواطئ الجزيرة، ونجح الثوري العنيد في توحيد الجماعات المعارضة للدكتاتور.

وفي مسيرة مسلحة مظفرة انطلقت من جبال “سييرا ديل كريستال” تمكن فيديل بمساعدة شقيقه راؤول من الدخول إلى مدينة سانتياغو في 1 يناير 1959، فيما نجحت مفرزة للثوار من دخول هافانا في 2 يناير 1959، ووصل فيدل كاسترو العاصمة في 8 يناير.

ظل فيديل كاسترو على رأس “جزيرة الحرية” لما يقرب النصف قرن، وما عاد للولايات المتحدة حينها من هم إلا التخلص منه بأي ثمن، فنفذت ضده عشرات محاولات الاغتيال، وفي الذروة غزت الجزيرة للإطاحة به في “خليج الخنازير”، وعادت على أعقابها خائبة!

كاسترو لم يهادن الولايات المتحدة على الرغم من أنها قريبة خلف الشاطئ! حيث سارع إلى تأميم الممتلكات الأمريكية، وقضى على نوادي القمار وعلى سيطرة المافيا على العديد من المؤسسات، وفقدت الولايات المتحدة في تلك الإجراءات العملية ما يزيد عن مليار دولار، فيما بلغ إجمالي قيمة الممتلكات الخاصة التي أممت 25 مليار دولار أمريكي.

تقاعد فيديل كاسترو رسميا في فبراير 2008، وتوفى في 25 نوفمبر 2016. وكان هذا الرجل الأسطورة الذي وُلد في عام 1926، واحدا من أطول الرؤساء حكما في العالم!، فيما كان خصمه الدكتاتور فولغينسيو باتيستا، قد توفى في عام 1973، في إسبانيا عن عمر ناهز 72 عاما.

* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع