السياسية:

في منتصف القرن الماضي، ساد اعتقاد لدى العديد من خبراء ما يسمى “معاداة السامية” (كراهية اليهود) أن هذه الظاهرة ستختفي وتندثر مع الوقت في الولايات المتحدة، وأن العداء والتحيز ضد اليهود يتلاشى جزئيًا، لأن الأمريكيين الأصغر سنًا لديهم وجهات نظر أكثر قبولًا لليهود، من تلك الموجودة عند الأكبر سنًا.

لكن المفاجأة التي نزلت كالصاعقة على رؤوس القادة واللوبي الصهيوني في أمريكا أن نظرة الأمريكيين لليهود شهدت تبدلات وتغيرات جذرية منذ عدة سنوات، من خلال ظهور عدة مؤشرات تدل على تصاعد النقمة والسخط ضد الصهاينة، وفي مقدمتها الاستطلاع الذي كان نُشر يوم الخميس 12 الجاري وكشف مدى انتشار مثل هذه المعتقدات في الولايات المتحدة هذه الأيام، خصوصًا في أوساط الأمريكيين الأصغر سنًا.

الأكثر أهمية أن البحث (الاستطلاع) الذي أجرته “رابطة مكافحة التشهير”، يتضمن تفاصيل نادرة حول الطبيعة الخاصة لظاهرة “كراهية اليهود” المتنامية في أمريكا، وكيف تتمحور حول أوصاف اليهود كعشائريين متآمرين وأصحاب نفوذ. الجدير بالذكر أن دائرة المعارف اليهودية تعرّف مصطلح “معاداة السامية” بأنه مستخدم منذ نهاية القرن التاسع عشر للإشارة إلى أي حركة منظمة ضد اليهود أو أي شكل آخر من أشكال العداء لليهود.

 ما الجديد الذي بيّنه هذا الاستطلاع؟

أظهر الاستطلاع أن ما تسمى “معاداة السامية” في “شكلها الكلاسيكي المتطرف”، تظهر مرة أخرى في المجتمع الأمريكي، حيث اليهود سرّيون وأقوياء للغاية ويعملون ضد مصالح الآخرين، ولا يشاركون القيم، بحسب حديث مات ويليامز نائب رئيس مركز أبحاث ما تسمى “معاداة السامية” التابع لـ “رابطة مكافحة التشهير”، لصحيفة “واشنطن بوست”.

استخدمت الدراسة نسخة جديدة من الاستطلاعات التي أجرتها “رابطة مكافحة التشهير” في أمريكا منذ الستينيات من أجل التعرف على الطبيعة المحددة لـ “كراهية اليهود”، وما يجعلها مختلفة عن الأنواع الأخرى من الكراهية. لذلك اعتمدت في مقياسها الجديد على تأكيد أو رفض 14 تصريحًا، بما في ذلك ما إذا كان اليهود “لديهم الكثير من السيطرة والتأثير في وول ستريت”، أو “هم أكثر استعدادًا من الآخرين لاستخدام ممارسات مشبوهة للحصول على ما يريدون”، أو “أذكياء جدًا” لدرجة أن الآخرين ليس لديهم فرصة عادلة”.

 من هي رابطة مكافحة التشهير ضد الصهاينة؟ وما الهدف من انشائها؟

تم إنشاء “مركز رابطة مكافحة التشهير” ADL Anti-Defamation League، استجابةً لما زعم أنه ارتفاع حاد في السنوات القليلة الماضية لما وصفته بحوادث العنف والمضايقات “المعادية للسامية”، فضلاً عن ارتفاع الخطاب “اللا سامي” (اي الكراهية) من الشخصيات العامة البارزة.

ويشمل ذلك (بحسب الرابطة) مسيرة قام بها “النازيون الجدد” في شارلوتسفيل في عام 2017 والتي تحولت إلى هجمات مميتة، فضلا عن استهداف أماكن يهودية في بيتسبرغ في عام 2018، وفي مدن: بواي، كاليفورنيا، ومونسي، نيويورك، في عام 2019.

المثير في الأمر أن “الرابطة” استشهدت ببعض التعليقات التي تحتوي على عبارات كانت تفوهت بها شخصيات أمريكية وازنة، كالرئيس السابق دونالد ترامب، عندما هاجم اليهود الأمريكيين في أكتوبر الماضي، في منشور على منصته Truth Social قائلاً إنه “يجب على اليهود في الولايات المتحدة توحيد عملهم وإبداء المزيد من التقدير لحالة إسرائيل قبل فوات الأوان”.

ليس هذا فحسب، استخدام ترامب عدة مرات عبارات مجازية قديمة عدّتها الرابطة “معادية للسامية”، كقوله مثلا (وهو يقصد العكس): “اليهود الأمريكيين يحملون، أو يجب أن يحملوا، ولاء سريا أو مزدوجا لـ”إسرائيل” بدلا من الولايات المتحدة أو بالإضافة إليها”. علاوة على ذلك، وفقا لباحثي “رابطة مكافحة التشهير”، يعتقد ما يقرب من 4 من كل 10 أمريكيين أنه من الصحيح في الغالب أو إلى حد ما أن “اليهود أكثر ولاء لإسرائيل من أمريكا” وفي هذا السياق، قال مغني الراب والمصمم يي – المعروف سابقا باسم كاني ويست – إن اليهود يستغلون السود لتحقيق مكاسب مالية”.

كيف أتت نتائج الاستطلاع؟

في الحقيقة، وجد الاستطلاع أن حوالي 7 من كل 10 أمريكيين يعتقدون أن اليهود يلتصقون ببعضهم البعض، أكثر من غيرهم من الأمريكيين. وأن أكثر من الثلث يعتقدون أن اليهود لا يشاركونهم قيمهم. ودائما (بحسب الاستطلاع) يعتقد حوالي 1 من كل 5 أمريكيين أن اليهود يتمتعون بسلطة كبيرة جدًا في الولايات المتحدة، ولا يهتمون بما يحدث للآخرين، وهم أكثر استعدادًا من الأمريكيين الآخرين لاستخدام “ممارسات مشبوهة للحصول على ما يريدون”.

ومع أنه من الصعب تقييم ما إذا كانت الآراء التي توصف بالمعادية للسامية قد زادت بمرور الوقت، نظرًا للتغيرات في خيارات استجابة الاستطلاع، وكذلك كيفية أخذ عينات المستجيبين، لكن الأهم أن هذا الاستطلاع، كان أجري في شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، على عينة وطنية من 4،007 أشخاص بالغين عبر الإنترنت من خلال تطبيق AmeriSpeak، واستهدف مجموعة عشوائية من الأسر الأمريكية تحتفظ بها NORC في جامعة شيكاغو (هي واحدة من أكبر منظمات البحث الاجتماعي المستقلة في الولايات المتحدة).

اللافت للانتباه أن مات ويليامز وبعض الخبراء الذين ساعدوا في مراجعة الدراسة، لاحظوا أنها تُظهر أن آراء الأمريكيين ممن تبلغ اعمارهم أقل من 30 عامًا، وآراء الأمريكيين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عامًا، كانت متشابهة جدًا. إضافة الى ذلك، كشف البحث، أن 18 بالمائة من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، قالوا إن ستة أو أكثر من العبارات أعلاه مثل (اليهود عشائريون، متآمرون وأصحاب نفوذ ويعملون ضد مصالح الآخرين، ولا يشاركون القيم) صحيحة.  بينما رأى 20 بالمائة من الأمريكيين الذين يبلغون من العمر 31 عاما أو أكثر، أن اليهود فعلوا ذلك. بالمقابل صدّق 39 بالمائة من بين الأمريكيين الأصغر سنا من بيانين إلى خمس بيانات وردت فيها هذه العبارات أعلاه، بينما صدّق 41 بالمائة من المجموعة الأكبر سنا.

ما هي العوامل التي ساهمت في هذا التغيّر عند الأمريكيين؟

يرى الخبراء والمتخصصون في خطاب ما يسمى “الكراهية” أنه من المعتاد أن يكون لدى الأمريكيين الأكبر سنًا وجهات نظر أكثر “معاداة للسامية”. لذا كانت الفرضية السائدة في أمريكا أن “معاداة السامية” أو “كراهية اليهود” انخفضت بين العامين 1990 و2000، كون هذا الجيل الجديد من الناس كان الأكثر تسامحًا. غير أن المعطيات الحالية، قلبت الأمور رأسًا على عقب، وكشفت أن الشباب أقرب بكثير الآن إلى ما يعتقده كبار السن في “معاداتهم للسامية” أو كراهيتهم “لليهود”.

وتعقيبًا على ذلك، قالت إيلانا هورويتز إحدى مراجعي الاستطلاع، وأستاذة مساعدة في الدراسات اليهودية في جامعة تولين “فرضيتي هي أن هناك تحولًا ثقافيًا ربما تغذية التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي”، وتابعت “الفجوة تختفي”. وأضافت هورويتز أن “انتشار الاستعارات اللا سامية التي تظهرها الدراسة هو الأكثر إثارة للاهتمام”، وقالت إنه “حتى حقيقة أن 3 بالمائة من الأمريكيين يقولون إن جميع البيانات الأصلية صحيحة في الغالب أو إلى حد ما أمر مثير للقلق”.

ماذا عن نظرة الأمريكيين إلى “إسرائيل” وممارساتها؟

إضافة الى ما تقدم، بحث القائمون على هذا الاستطلاع الجديد أيضًا، في الاختلافات بين تصديق الاستعارات المعادية لليهود، والمشاعر السلبية تجاه “إسرائيل” وأنصارها، ووجدوا أن إحدى نتائج هذا الاستطلاع تبيّن أن “معاداة السامية بهذا المعنى التآمري الكلاسيكي، منتشرة أكثر بكثير من المشاعر المعادية لإسرائيل”.

فالتقرير (الاستطلاع)، سلّط الضوء على أن 90 بالمائة من الأمريكيين وافقوا على أن لـ “إسرائيل” ما أسموه بـ”الحق في الدفاع عن نفسها ضد أولئك الذين يريدون تدميرها”، وأن 79 بالمائة أيّدوا أن “”إسرائيل” حليف قوي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.

غير أن الصدمة الكبرى والتي خالفت التوقعات هي أن 40 بالمائة من الأمريكيين على الأقل وافقوا على أن “”إسرائيل” تعامل الفلسطينيين كما تعامل النازيين مع اليهود”، و17 بالمائة لا يتفقون مع عبارة “أنا مرتاح لقضاء الوقت مع الأشخاص الذين يدعمون “إسرائيل” علانية”.

في عام 2013، استدعى مركز “بيو” للأبحاث عشرات أو أكثر من كبار الخبراء في اليهودية الأمريكية لإجراء مسح وسأل عن أولوياتهم والمجالات التي تحتاج إلى مزيد من المعلومات والاهتمام. كان الإجماع في ذلك الوقت هو أن “معاداة السامية” كانت في أدنى مستوياتها التاريخية في الولايات المتحدة، ورغم أنها لا تزال موجودة، فإنها لم تكن مصدر قلق ملح. وعندما تحدث “مركز بيو” إلى الخبراء أنفسهم في عام 2020، كانت مواقفهم بمثابة “تغيير جذري كامل” إذ اعترفوا أن “معاداة السامية” قضية ملحة للغاية وهم بحاجة إلى تكريس الكثير من الاهتمام لفهمها.

إضافة الى ذلك، قال الغالبية العظمى من اليهود الأمريكيين لـ “مركز بيو” في عام 2020 إن “معاداة السامية” قد ازدادت في السنوات الخمس الماضية، وأوضحت أغلبية ضئيلة أنهم يشعرون شخصيًا بأنهم أقل أمانًا.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع