مدير مركز الجزيرة العربية للإعلام العمري:السعوديين خارج نطاق التعريفات الإنسانية والإسلامية
أشخاص من باكستان واليمن وأفغانستان اذا أُعدموا ليس وراءهم أنظمة لتدافع عنهم
البحث عن بُقعة أمل لتغيير إيجابي في الجزيرة العربية يكاد يكون مهمّة مُستحيلة. النظام الحاكم لا يرى الإصلاح إلّا بالترفيه والانفلات الديني، أمّا توفير المُقوّمات السياسية لمملكة ديمقراطية تحفظ حقوق الشعب فغائب تمامًا عن أجندة الملك وولي العهد.
الأوضاع الحقوقية في السعودية تأزّمت. القمع على أشدّه، وبات كلّ حرف أو حركة تؤدي الى الموت الحتمي. عندما يُسأل المواكبون للحالة السياسية والحقوقية داخل المملكة عن أرقامٍ دقيقة للمُعتقلين والمُعتقلات، لا يحسمون إجاباتهم. الاطلاع على ما يجري من محاكماتٍ جائرة تفتقد لأدنى شروط الشفافية والعدالة ومن احتجازات تعسفية لموقوفين، صعبٌ وعسير.
العملية تستغرق نحو شهر ربّما في بعض الأحيان للتأكّد من خبر صدور حكم قضائي.
في الآونة الأخيرة، اشتدّت الأحكام الصادرة بحقّ عشرات المُعتقلين. البعض حُكم لسنواتٍ طويلة جدًا والبعض الآخر يواجه الإعدام، وثمّة من ينتظر تنفيذ حُكم تصفيته نهائيًا في أيّة لحظة. الأسماء كثيرة لعلّ أبرزها الأحدث على لائحة المحكومين بالإعدام الداعية الشيخ عوض القرني، وتُهمته بحسب ما عُلم التغريد على “تويتر” واستخدام تطبيق “تليغرام” وبرنامج المحادثة “واتسآب”.
قبل اعتقاله عام 2017، كان القرني الذي يُعتبر من وجوه حركة الصحوة، من الشخصيات المحسوبة على النظام وكان ناشطًا على مواقع التواصل ويُتابعه نحو مليوني شخص، ومعروفٌ بمواقف واضحة من قضايا الأمة كفلسطين ومقاومتها، الى حدّ أنه أصدر فتوى بإسالة دماء الصهاينة نصرة لسكان غزة ومقاطعة البضائع الصهيونية وإنتاج الشركات التي تتعامل مع الصهاينة في أي مكان بالعالم مقاطعة حقيقية، ومطالبة الحكومات التي لها علاقة بـ كيان “إسرائيل” بإنهاء هذه العلاقات.
ماذا يقول مدير مركز الجزيرة العربية للإعلام محمد العمري عن النكبة الحقوقية التي تعيشها المملكة اليوم؟
فيما يلي مقابلة مع العمري تُبيّن حجم السوء الذي تمرّ به السعودية:
السياسية:
* كيف يمكن توصيف حريات الرأي في الجزيرة العربية؟
الوضع في السعودية استثناء بالنسبة للدول في العالم. نحن خارج نطاق التعريفات الإنسانية والإسلامية. هناك عملية تزوير كبيرة. ما يحصل في السعودية هو أن لدينا ملكًا ومماليك، لا مواطنين، لا ساكنين، لا مُقيمين. لولا المجتمع الدولي، لحُكم على هؤلاء بالإعدام ونُفّذ الحكم مباشرة. مسرحيات المحاكمات التي نشاهدها اليوم ليست سوى خطوات توضع في سياق الأنظمة المحلية وأنظمة الشريعة والاتفاقات الدولية. الإنسان في الجزيرة العربية مسحوقٌ بكلّ ما تعنيه الكلمة.
* اذا كانت الحريات السياسية معدومة، ماذا عن الحريات الدينية؟
أسرة آل سعود قامت على 3 أركان:
الركن السياسي وهو أن يكون الحكم لأسرة آل سعود.
الركن الديني وهو أن تكون طريقة الحكم الإسلامي بمفهوم آل الشيخ.
الموروث الثقافي وهو أن تسود الثقافة النجدية.
نحن نتكلّم اليوم عن عملية تحوّل في المفهوم الديني بالنسبة لآل سعود، فهم كانوا ينظرون للمذاهب والتنوّع الموجود في البلد على أنه يُخالف عقيدة آل الشيخ والوهابية، لذلك الجميع محارب.
اليوم هناك تفلّتٌ من الحالة الدينية ومع ذلك هم يقمعون الجميع بموروثٍ يعود الى 4 أجيال أو 100 سنة، درجت خلالها الدولة السعودية على قتل جميع الحريات الدينية والمذهبية، فلذلك هي تسحقهم سحقًا بقوة المال والأمن.
* نلاحظ في الفترة الأخيرة كثرة الأحكام المشدّدة في قضايا التعبير عن الرأي، بعضها 30 سنة سجن، والبعض الآخر يصل الى 60 سنة سجن، وقبل أيام قليلة سمعنا بحكم الإعدام الصادر بحقّ الشيخ عوض القرني، بحسب معلوماتكم هل هذا الحكم نهائي؟ ولماذا هذا التغليظ الكبير في الأحكام؟
آخر إحصائية مُعلنة ومُوثّقة تفيد أن هناك 61 شخصًا صدرت بحقّهم أحكام إعدام معظمها ابتدائية، بينهم 3 أشخاص صدرت بحقّهم أحكام نهائية، وهؤلاء جلّهم يُعاقبون جراء مُشاركتهم في مظاهرات.
الشيخ سلمان العودة والشيخ عوض القرني والشيخ حسن المالكي من الدعاة المؤثّرين في البلد لذلك يُطالب الادعاء العام بقتلهم لإخافة بقية النخب في المملكة ومنعهم من الكلام، والى اليوم لم يصدر قرار نهائي بحقّهم. هؤلاء تُهمتهم التغريد على “تويتر” والتعبير عن الرأي العام. الشيخ عوض القرني يتحدّث في آخر تغريداته على حسابه عن أمور طبيعية جدًا كالماء والمناخ.
هي عملية انتقام من النخب الدينية في البلد.
بالمناسبة، ليس كلّ شخص يُعتقل في السعودية يعني أنه معارض. هؤلاء موالون أو مبايعون للدولة، ويُعتبرون من النخب الدينية الشعبية المستقلّة الذين يحظون بجماهيرية بخلاف النخب التابعة للسلطة، ولذلك يعدّهم النظام خارجين عن السيطرة ومتمرّدين من خلال آلياتهم والمنابر والمساجد بعيدًا عن الدعم الإعلامي الحكومي، وعليه يسعى لأن يحصر الخطاب الديني إمّا عبر المناهج الدراسية أو هيئة كبار العلماء أو أئمة الحرم.
مملكةٌ للاجتثاث والإقصاء
* من هم المعتقلون الذين صدرت بحقّهم أحكامٌ نهائية بالإعدام؟
حسين أبو الخير مسجون منذ 9 سنوات بتهمة تهريب مخدرات من الأردن. هو ينفي ذلك ولا يوجد أيّة إثباتات على التهمة، كما أن هناك معتقليْن من القطيف. أغلب التهم الموجّهة الى المُعتقلين اليوم هي عبارة عن جرائم الكترونية بحسب توصيف الدولة والخروج الى الشارع والمُشاركة في مظاهرات لم تُطالب بإسقاط النظام بل بالعمل والوظائف وتحسين الظروف المعيشية.
كذلك هناك فتى اسمه عبد الله الحويطي اعتُقل قبل عدة سنوات عندما كان طفلًا، وهناك أدلة على عدم وجوده في المكان الذي تعرّض للسرقة.
* ما تفسير أحكام السجن التي تصدر لسنواتٍ طويلة جدًا كـ15 و30 و60 سنة في حالتي المُعتقلات سلمى الشهاب ونورة القحطاني والطبيبة التونسية مهدية المرزوقي؟
بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بادين للرياض العام الماضي، تضاعفت الأحكام، وهذا نتيجة تواطؤ الأمريكيين مع ولي العهد محمد بن سلمان في ملفّ حقوق الإنسان، وهذه مؤامرة على شعب الجزيرة العربية.
هذه الأحكام ما كان لها أن تكون لولا الحماية الأمريكية في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي وبقية الملفات الداخلية. لذلك هو أصبح يسجن النساء لفترات طويلة ويُعدم المتظاهرين، على الرغم من أن السعودية وقّعت على اتفاقيات كثيرة تجيز عملية المتظاهرات السلمية.
* إعلام النظام في السعودية يُروّج كثيرًا لمرحلة الانفتاح، ونحن لا نرى هذا الانفتاح إلّا في مواسم الترفيه من دون أن نرى أحزابًا سياسية في المملكة ولا حتى انتخابات برلمانية، كيف تعلّقون على هذه الازدواجية؟
الحكومة السعودية تنظر الى عملية المشاركة السياسية على أنها عامل مهدّد لسلطانها وكيان الدولة. موضوع الحقوق السياسية في المملكة صعب، ولا سيّما أن السلطة تُناور في الملف الاجتماعي عبر الترفيه والرقص والرياضة الذي يجب أن يُترك للشركات الخاصة وليس للدولة. هناك اليوم تذمّرٌ شعبيّ في البلاد وضياعٌ للحقوق المالية والاقتصادية. الدولة اليوم اختارت تخدير الشعب خاصة أن 60% منهم شباب وهؤلاء مٌستهدفون لإلهائهم عن مشهد الحقوق السياسية والاقتصادية بقضية الترف والمرح.
* المعلومات الواردة مؤخرًا من السعودية كشفت عن صدور أحكام إعدام سرية بحقّ مُعتقلين مُدانين بتهم مخدرات، ما تفاصيل هذا الخبر؟
الدولة تستهدف المُهرّبين الصغار الذين يحدثون خلًلا في الأسعار ويخرقون السوق، لذلك الحكومة السعودية التزمت دوليًا ألّا تعدم أحدًا، لكنها أصبحت تعدمهم بطريقة سرية. هؤلاء الأشخاص من باكستان واليمن وأفغانستان ودول ضعيفة، واذا أُعدموا لن يهتمّ أحدٌ لهم وليس وراءهم أنظمة لتدافع عنهم. في الأصل الحكومة السعودية تُعدم بالإهمال الطبي وبالتعذيب. الانسان ليس له قيمة لدى هذا النظام.
* العمل المعارض في السعودي يؤدي الى الموت، متى ستنتهي برأيكم هذه المأساة؟
الخلاص يكون بالوعي الشعبي بضرورة العمل السياسي، لكن الحكومة السعودية تُصنّف أيّ عمل معارض بأنه إرهاب. وللأسف اليوم الشعب مخدّر بالأدوات الناعمة عبر الرياضة والفنّ وبعض العطايا المالية، مقابل تغييب مفهوم الإنسان والمواطن، والناس في غفلةٍ سياسية كُبرى. القضية تحتاج الى وعي ونشاط مُكثّف من الخارج والى أن تحضن الشعوب الإسلامية هؤلاء المُعارضين وتدعمهم ولا سيّما على صعيد ملف الحرميْن الشريفيْن وإدارة الحج.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع