السياسية:
إيهاب شوقي*

لا شك أن التشابه في الأزمة البنيوية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والذي تمثل في وجود انقسامات مجتمعية حادة وانعكاسات ذلك على النخب السياسية وصولًا لأزمات تشكيل وانتخاب المجالس الحاكمة مثل الكنيست في الكيان، وأزمة الكونغرس في أمريكا، سينتج عنه تشابه مماثل في المآلات، يمكن أن يؤدي إلى سيطرة الأكثر تطرفًا على الحكم في أمريكا، ويمكن أن نرى حكومة أمريكية في المستقبل القريب ينطبق عليها وصف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وهو “حكومة المجانين”.

وربما هذا الجنون قد بدأ بالفعل، ولسنا بحاجة لانتظار حكومة مجنونة لرصده، فقمّة الجنون هي أن تورط أمريكا العالم كله في حروب وصراعات وتدفع بجميع الملفات إلى حافة الهاوية، في سبيل تحقيق غاياتها المتمثلة في إفشال روسيا وقطع الطريق على التمدد الصيني في مناطق النفوذ التقليدية الأمريكية.

هنا يمكننا استعراض ثلاثة عناوين رئيسية مع قليل من الشرح لتوضيح انعكاسات ذلك ولتفسير بعض السياسات الصهيونية في إطار دور الكيان الوظيفي لخدمة المصالح الأمريكية، وهذه العناوين تتعلق بالقلق الأمريكي من الاندماج السياسي العسكري الصيني، وبالسعي المتواصل للوقيعة بين روسيا وإيران، وباستمرار استخدام روح بروتوكول باريس وقانون قيصر وما شابهها من إجراءات السيطرة والحصار الاقتصادي على شعوب المنطقة وتحديدًا محور المقاومة.

أولًا – الاندماج العسكري المدني الصيني وتأثيراته على عسكرة المنطقة وعودة أمريكا إليها:

تعاني أمريكا من قلق بالغ تجاه التمدد الصيني في المنطقة، ولعل المصطلح الذي تستخدمه مراكز الفكر الأمريكية وهو مصطلح “الاندماج العسكري المدني”، هو ما يعبر عن فحوى وجوهر هذا القلق.

حيث يصف المصطلح انتفاء الفوارق بين المؤسسات التجارية الصينية، أو العاملة بشكل عام خارج الصين مع دول المنطقة في مجال الصناعات أو الموانئ، وبين المؤسسات العسكرية الصينية، وتخضع هذه المؤسسات أو الشركات المدنية لسيطرة الدولة الصينية، وهو ما يعني أنها تصب في الميزانية العسكرية وتعد بمثابة تمدد عسكري، حتى لو اتخذ المظهر المدني.

وهنا لا تفرق أمريكا بين التعاون الصيني في مجال الصناعات والموانئ وبين انتشار القواعد العسكرية الخارجية أو مبيعات الأسلحة الصينية دول المنطقة.

هذا الأمر يدفع بأمريكا للعودة مرة أخرى للمنطقة من بوابة الحماية ومبيعات الأسلحة والتنازل عن الضغوط الأمريكية على بعض الأنظمة التي وجدت في الصين وأيضًا روسيا ملاذًا لتعويض بعض ما فقدته بسبب معاقبة أمريكا لها، كما قد يؤدي إلى مزيد من العسكرة والتنافس وسباق التسلح، ولعودة أمريكا للمنطقة كاستجابة لنصائح أقلام استراتيجية وازنة، تنصح الإدارة بمراجعات أمريكية لانسحابها الملموس من المنطقة وتداعياته الخطيرة على المصالح الأمريكية، واستغلال الروس والصينيين له.

ثانيًا – السعي الدؤوب للوقيعة بين روسيا وإيران:

هناك تطور لافت في العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا، وتحديدًا منذ اصطفاف الغرب بقيادة أمريكا لتعميق الحصار على روسيا وإيران بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ورغم الصداقة السابقة والتقاطع في ملفات كبرى مثل الملف السوري واشتراك الدولتين في مقاومة الهيمنة، إلا أن التحالف يزداد متانة وموثوقية بعاملين رئيسيين:

أولهما ازدياد الاستهداف الأمريكي مما يعمّق التعاون، وثانيهما تطور الاستهداف بإشراك أمريكا للعدو الإسرائيلي ضد روسيا واستغلال أوكرانيا ودعاياتها ضد إيران، وهو ما يعني زيادة مساحة المشتركات بين الدولتين.

وهنا فإن السياسات الأمريكية تسعى للوقيعة بين الدولتين لقطع الطريق على نمو هذا التحالف، وذلك عبر تعظيم النقاط غير المشتركة مثل العداء الصريح للكيان الصهيوني، وهو ما يفسر تكرار العدوان الصهيوني على سوريا  لإحراج الروس، وبث الدعايات بأن روسيا لا تتعاون مع سوريا وايران في حماية الأجواء السورية ونشر الأكاذيب حول الخلافات بين البلدين في الملف السوري، وكذلك محاولات توريط إيران في الملف الأوكراني عبر دعايات استخدام الأسلحة الإيرانية في قتل المدنيين واستهداف البنية التحتية، لتوريط إيران في مزيد من العقوبات وخلق كلفة للتعاون الروسي الإيراني.

ثالثًا – استمرار الحصار للمقاومة وفقًا لروح “بروتوكول باريس” 

من المعلوم أن اتفاقية باريس 1994 هو الاسم المتداول للبروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية غزة ـ أريحا، الموقعة بين الكيان الإسرائيلي وممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية، وتحوّل البروتوكول لجزء من اتفاقية أوسلو 2 (اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة) الذي وقع في 24 و28 أيلول/ سبتمبر 1995.

وقد كان من المفترض أن يظل البروتوكول ساريًا لفترة انتقالية قدرها 5 سنوات، إلا أنه لا يزال نافذًا حتى الآن، وهو بروتوكول يُدخل الاقتصاد الفلسطيني كمكوّن في الاقتصاد الإسرائيلي عبر الاتحاد الجمركي، وبتحكم إسرائيلي على كل الحدود.

ويحدد البروتوكول أن العملة الإسرائيلية هي العملة المستخدمة في المناطق الفلسطينية كعملة التداول، ولا يسمح للفلسطينيين باستحداث عملة فلسطينية منفصلة، ويمكن للعدو السيطرة على الصادرات والواردات لبلد ثالث، بما فيه تحديد الكميّات، وأعطى البروتوكول للعدو السيطرة على الحدود الخارجية وجباية ضرائب الاستيراد والقيمة المضافة.

وبالتالي تتمكن “إسرائيل” من جباية الضرائب دون رقابة فلسطينية، ومن حرمان الفلسطينيين من أموال الضرائب، كما تفعل حاليًا في سياق معاقبتها للسلطة الفلسطينية بشكل مهين.

وهناك تشابه بين هذا البروتوكول المهين، وبين قانون قيصر الذي يفرض عقوبات مالية تستهدف المسؤولين السوريين وكل من يتعاون مع سوريا في روسيا وإيران، ويمنع التبادل التجاري بما يؤثر على حياة الشعب اليومية في أساسياته المتعلقة بالطاقة والكهرباء.

ويتخطى القانون سوريا ليشمل لبنان والتي تعد سوريا شريانا رئيسيا له في العديد من المجالات، وبالتالي تستغل أمريكا ارتهان النخب الحاكمة له في الحصار وجعل الدولار عملة رئيسية مثل الشيكل والتحكم في الصادرات والواردات مثل بروتوكول باريس.

هذه هي الروح التي تحاول أمريكا تسييدها، وهو ما ترفضه المقاومة في لبنان بكسرها للحصار والدفع للخروج من حالة الارتهان، وهو ما ترفضه سوريا وايران وروسيا، ولا يستسلم أحد منهم للهيمنة، وهي معركة للإرادة، يعي محور المقاومة وأصدقاؤه في الشرق تفاصيلها ولا يفرطون في تفصيلة منها.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع