عبير بسّام*

 

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عادت “داعش” لتنشط بشدة في جنوب سوريا من جديد، وتجددت معها سلسلة الاغتيالات في ريف درعا، مع العلم أن الجيش العربي السوري، منذ عام تقريباً، شن حملة عسكرية كبيرة من أجل تحرير ريف درعا الغربي من بقايا الإرهاب، الذي ينتمي أفراده لتنظيم “داعش”.

العلاقة بين هؤلاء وبين الكيان الصهيوني، الذي يمدهم بالمساعدات اللوجستية والاستخباراتية المناسبة هي من البديهيات، وبالتأكيد هناك علاقة تبادلية جيدة بينهما.

تحتل قاعدة التنف موقعاً استراتيجياً هاماً على مثلث الحدود السورية – العراقية- الأردنية، ما جعلها قريبة جداً من غرفة “ألموك” التي أنشئت في الأردن في العام 2013 لإدارة الحرب على سوريا.

ومع وجود “داعش” في التنف تبرز أهمية القاعدة في إدارة العمليات الإرهابية في داخل سوريا. وتحتضن التنف مخيم الركبان، الذي يضم عائلات إرهابيي “داعش”، الذين قاموا منذ العام 2018، وبعد تحرير منطقة تدمر بالذات بمهاجمة حافلات نقل الجنود السوريين المتوجهة في إجازات لرؤية أهاليهم وعائلاتهم في مختلف المحافظات السورية.

وبالتالي فإن عودة الاغتيالات في درعا لا يمكن أن تبدأ إلا بقرار أميركي وبناء على مصلحة أميركية ـ اسرائيلية مشتركة. وبناء عليه يمكننا أن نقرأ أسباب الاستفزازات التي يتعرض لها الجيش العربي السوري في منطقة اللجاة منذ أيام، حيث يتمركز أحد ألويته.

والغريب أن الاستفزاز جاء كتحد، حيث أقيم مخيم لـ”داعش” عند قاعدة منطقة اللجاة. واللجاة هي عبارة عن هضبة استراتيجية، ذات طبيعة صخرية بازلتية وعرة وصعبة، وتبعد 50 كم عن جنوب دمشق، و75 كم عن مدينة درعا. ولنفهم أهمية اللجاة الإستراتيجية بالنسبة للعاصمة دمشق وكموقع هام بشكل أفضل: إلى الجنوب من هضبة اللجاة تقع مدينة شهبا عند حافتها الجنوبية الشرقية. وعند المنطقة التي ترتفع فيها هضبة حوران تصبح اللجاة بشكل شبه منحرف، قاعدتها الكبرى تبدأ من إزرع غرباً في محافظة درعا وتمتد شرقاً إلى مدينة شهبا في محافظة السويداء حيث ترتفع أعلى قمة لها في تل الشيحان على علو 1140 م. وأما القاعدة الصغرى فتبدأ في قرية المسمية غرباً وتنتهي في قرية الصورَة الكبيرة شرقاً في ريف درعا الشرقي. وأهم ما في اللجاة أنها تصل ريفي درعا الشرقي بالغربي وهي “خزان مائي” استراتيجي لسوريا.

بحسابات الولايات المتحدة فإنه إذا ما استعادت السيطرة على اللجاة فإنه سيصبح بإمكانها فتح ممر حيوي يمتد من منطقة شمال شرق الفرات إلى الأردن وبالتالي قطع الإمدادات القادمة من إيران إلى جنوب لبنان، وتأمين أمن “اسرائيل”.

ولذلك نحن أمام سيناريو، يصح فيه القول “أعيد وأكرر”، وهو مرتبط تماماً بالأحداث التي ابتدأت في مدينة درعا في العشرة أيام الأخيرة من الشهر الماضي والتي شهدت يقظة جديدة لـ “داعش” فيها. اذ أنجبت “فورة” 2011 رموزاً من أمثال أبو طعجة وحفو وغيرهما. وقد أكد الأهالي في المدينة أخبار عودة العميل “أحمد العودة” ليقود العمليات الأميركية من درعا.

“العودة” كان قائداً للواء الثامن. فر إلى الأردن بعد عملية الجيش العربي السوري في درعا في العام الماضي. وهو في بصرى الشام منذ ما قبل بدء الأحداث التي شهدتها محافظتا درعا والسويداء في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. واليوم عادت العناصر المنضوية تحت جيش مغاوير الثورة للعمل على إثارة الفوضى في جنوب سوريا مرة أخرى ابتداءً من التنف.

تدار فصائل “داعش”، سواء كانت تحت عباءة أتباع الخليفة أو كانت تحت مسمى جيش مغاوير الثورة، المحتضن في مخيم الركبان داخل القاعدة الأميركية في التنف، من قبل الأميركيين بشكل مباشر. ومن أخطر ما قامت به هذه الجماعات أنها اتخذت من مدينة بصرى الشام، الرمز التاريخي العريق لبلاد الشام قاطبة، مركزاً لهم، اذ تبعد بصرى الشام 20 دقيقة عن مدينة السويداء، و20 دقيقة عن مدينة درعا. ولقد لعب قادة “داعش” المنفصلون عن اللواء الثامن دوراً سيئاً في الهجومات المتكررة على مدينة السويداء وضواحيها بهدف السرقة وتعكير صفو الأمن وازعاج الأهالي وخلق مشاعر قلق وكأن الدولة قد تخلت عنهم.

بعد كل عملية تنظيف للجيش السوري بهدف المصالحات، تعود خلايا “داعش” النائمة للعمل من جديد والبدء بعمليات بلطجة جديدة ومنها الاغتيالات لرموز المصالحة. ويرتبط القرار في كل مرة بالظروف الآنية وكمحاولة للإلهاء عن إنجازات الجيش السوري والمفاوضات في الشمال.

ويرتبط أيضاً بالشعور الأميركي بالتهديد المباشر لوجوده على الأراضي السورية، مستغلين في الوقت نفسه الوضع الاقتصادي الصعب الناشئ عن الحصار إذا ما اضطروا للاختباء خلف تحركات في الشارع هنا أو هناك.

بحسب مصدر “العهد”، فإن الأميركي لن يتخلى عن التنف إلا ضمن معادلة جديدة ألا وهي: “التنف مقابل البوكمال”. بمعنى أن الدلائل تشير إلى أن الأميركي سيضطر إلى إخلاء شرق الفرات عاجلاً أم آجلاً، ولكن ما يخشاه أن يضطر إلى إخلاء قاعدة التنف دون الحصول على مكاسب، ألا وهي قطع طريق إمداد طهران ـ بيروت، وهو أحد أهم أسباب الوجود الأميركي في سوريا. ولكن الأميركي لن يكون قادراً على فرض هذا النوع من المساومة إن لم يكن لديه عملاء يعتمد عليهم في ضعضعة الوضع الأمني بين الحين والآخر والقتال بالنيابة عنه إذا ما لزم الأمر. وما يجب لفت النظر إليه، أنه إذا صح الحديث عن مفاوضات لخروج التركي من الشمال السوري، فإن الأميركي سيبقى وحيداً في الميدان وبالتالي فإن الخروج من مأزقه سيحتم عليه إشعال الجنوب السوري من جديد.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع