السياسية ـ وكالات:

تتضرر أوروبا بشدة من تداعيات الحرب في أوكرانيا، وتقف شركاتها في الخطوط الأمامية لما يمكن اعتباره حرب استنزاف اقتصادي بين الغرب وروسيا تدور جنباً إلى جنب مع المعارك الحقيقية بين الجانبين المتنازعين.

يقول اقتصاديون، إن المملكة المتحدة تعاني أكثر من الدول الكبرى الأخرى في أوروبا، إذ يسير التضخم في خانة العشرات، أعلى من جميع أقرانها في مجموعة السبع الصناعية باستثناء إيطاليا، كما تقلص الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.2 في المئة بالربع الثالث على أساس سنوي، مما وضع المملكة المتحدة في طريقها لركود محتمل في حين تبدو الاقتصادات الكبيرة الأخرى مثل ألمانيا وفرنسا أكثر تماسكاً.

في غضون ذلك. تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إنه “من المتوقع على نطاق واسع أن ينكمش الاقتصاد البريطاني في 2023 وأن يكون أداؤه أسوأ من كل اقتصادات مجموعة الـ20 باستثناء روسيا”.

أزمة الخريف السياسية

وتسببت الأزمة السياسية هذا الخريف في تفاقم الشعور بالاضطراب، التي بلغت ذروتها في فترة قصيرة الأجل بالأسواق المالية، إذ أدت إلى انهيار الحكومة وزرع القلق الدائم بين المستثمرين الدوليين.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت النقابات العمالية في بريطانيا بمختلف الصناعات إضرابات هذا الشتاء ومن المتوقع أن تكون الأسوأ منذ عقود، في وقت تستهلك فواتير الطاقة التي بلغت مستوى قياسياً الدخل المتاح. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يقضي المستهلكون البريطانيون ربع ما ينفقونه عادة في عيد الميلاد، وفقاً لمزود البيانات “كانتار”، ما يمثل تحدياً لتجار التجزئة في أهم فترة تداول لهم.

في تلك الأثناء، أغلقت بالفعل بعض متاجر التجزئة المعروفة خلال الشهرين الماضيين، إذ انهار متجر الأثاث بالتجزئة على الإنترنت “ميد دوت كوم” بعد أقل من عام من طرحه للاكتتاب العام بتقييم يقارب الـ900 مليون دولار إضافة إلى موكب الشركات الصغيرة في المملكة المتحدة، من بينها الحانات ومتاجر الأمهات ومتاجر الخمور والسمك والبطاطا التي تضاعفت بأرقام قياسية هذا العام.

ضائقة اقتصادية

وتقدم مدينتا ليدز وبرادفورد في شمال إنجلترا، اللتان كانتا في يوم من الأيام بوتقة الثورة الصناعية، صورة حية بشكل خاص عن الضائقة الاقتصادية في البلاد، إذ قال عديد من أصحاب الأعمال الذين كانوا حتى وقت قريب يفكرون في الربح والنمو إنهم يركزون يومياً على البقاء بقيد الحياة، إذ قالت مالكة الجيل الرابع لمجوهرات شارلوت، إيفانو شو لـ”وول ستريت جورنال”، إن “الطلب على المجوهرات، الذي كان يحظى بشعبية في الفترة التي تسبق عيد الميلاد انهار إلى حد كبير”، مضيفة أن “الأسعار ارتفعت بشكل كبير مدفوعة بمضاعفة تكلفة المواد، لا سيما المعادن الثمينة، في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى ردع العملاء المحتملين”.

وتابعت شو أن “هناك أزمة اقتصادية لذلك لا يفكر الناس في شراء المجوهرات”، مشيرة إلى أن “الطلب أفضل لعملها في إصلاح وإعادة عرض العناصر”.

وفي “ميلروز إنتيريورز”، صانع السجاد في برادفورد، تراجعت المبيعات بنسبة 30 في المئة هذا العام، مما دفع الشركة إلى إجراء تغييرات كبيرة وفقاً للمدير الإداري آندي ميرفي، إذ اعتادت “ميلروز” توفير السجاد والحصير لتجار التجزئة البريطانيين، بسعر يصل إلى 30 جنيهاً استرلينياً (نحو 26.4 دولار أميركي)، بينما خفضت في الوقت الحالي متوسط السعر إلى ما يقرب من 10 جنيهات استرلينية (12.1 دولار) عن طريق التحول إلى مزيد من السلع الأساسية وهو انعكاس لما يرغب المستهلكون حالياً في دفعه، وفقاً لما قاله ميرفي.

وتابع أنه “قد تآكلت الهوامش بمعدل ينذر بالخطر” مضيفاً “كان أمراً مؤلماً للغاية”، مستدركاً “لكن علينا أن نتحلى بالإيجابية”.

واشترت “ميلروز” أخيراً، عدداً أقل من السجاد المصنوع آلياً من الموردين منذ فترة طويلة في بلجيكا، الذين تضخمت تكاليفهم، وتحول بدلاً من ذلك إلى منافسين منخفضي التكلفة في تركيا” وعن ذلك يقول ميرفي إنهم “توسعوا أيضاً في عملياتهم الداخلية من خلال تصنيع السجاد المعاد تدويره”.

على صعيد آخر في صناعة الخمور ارتفعت أسعار الشعير والجنجل (ينتمي لنبات القنبية)، بعد أن قفز سعر الشعير بنحو 60 في المئة هذا العام وأصبحت القفزات للخمور المستوردة باهظة الثمن عندما انخفض الجنيه الاسترليني مقابل الدولار خلال الاضطرابات السياسية في الخريف.

وتمثلت الزيادة الأخرى في التكلفة بثاني أكسيد الكربون، الذي يستخدم لغسل الجعة، إذ تضاعفت تكلفته أربع مرات في وقت سابق من هذا العام، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين، مما يجعل من الصعب الحكم على ما إذا كان من المجدي الاستثمار في نظام نيتروجين بديل.

من جهته قال مؤسس مصنع الجعة “كيركستال” في ليدز، غون كيلي، “نحن في أوقات عصيبة بشكل لا يصدق في ظل ثقة معدومة للمستهلك وفي الوقت نفسه نواجه تكاليف باهظة ولا توجد طريقة لتمرير حتى 50 في المئة من ذلك إلى عملائنا”.

وأضاف أن “شركته تتقاضى نحو خمسة جنيهات استرلينية (ستة دولارات) مقابل النصف ليتر في حاناتها على الرغم من أنه يجب أن يتقاضى ستة جنيهات استرلينية (7.2 دولار) بعد زيادة التكلفة هذا العام” مستدركاً “لكن زيادات الأسعار يمكن أن تنفر العاملين النظاميين في مصنع الجعة” قائلاً “لا توجد إجابة سهلة، إما أن نخسر المال في هذا الجانب أو في ذلك الجانب”.