لماذا تشارك المملكة المتحدة في “عربدة الدمار” العالمية؟
حان وقت أن تنهي بريطانيا النفاق الجسيم حول المناخ والطبيعة
دوناشاد مكارثي *
في وقت يعقد مؤتمر قمة الأمم المتحدة المعني بالتنوع البيولوجي في مونتريال، تحدثت إلينا إحدى كبار المحللين السابقين في وزارة البيئة والأغذية والشؤون الريفية في المملكة المتحدة “ديفرا”. وفي اتهام صارخ لنفاق حكومة المملكة المتحدة في حماية الطبيعة، كشفت المحللة عن أنها استقالت لأنها لم تكن قادرة على لعب دور مؤثر بسبب معارضة الوزراء.
وقالت لورا توماس والترز: “هناك كثير من الخبراء المطلعين في ديفرا الذين يعرفون ما يجب القيام به لاستعادة الحياة البرية في المملكة المتحدة، ولكن هناك ببساطة معارضة من المسؤولين”.
وأضافت أن الوزراء يتدخلون ويوقفون المشاريع التي من شأنها إحداث فرق بالفعل مستشهدة بمثال اللحوم الحمراء، وأوضحت أن الخطوة الوحيدة الأنجع التي يمكن اتخاذها لوقف تدمير الطبيعة هي خفض استهلاك اللحوم بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى المساحة الهائلة من الأراضي المخصصة لإطعام الماشية ورعيها.
إن ما نسبته 96 في المئة من الثدييات على هذا الكوكب هي الآن إما بشرية أو مواش تربى لإطعامنا، علماً أن الماشية تشكل ثلثي هذه النسبة، ولا تتجاوز نسبة الثدييات البرية المتبقية الآن 2 في المئة. لكن المحللة قالت إن “الوزراء أوضحوا تماماً أننا لا نستطيع أن نتطرق إلى هذه المسألة”.
إن حجم تدميرنا للطبيعة في كل من المملكة المتحدة والعالم على حد سواء يبعث على الذهول، وقد جرى تجريف نصف الغابات المطيرة في العالم، سواء لمزارع الماشية أو الصويا المستخدمة في إطعام الماشية أو المطاط لأسطول السيارات العالمي، وفقد ما يصل إلى 80 في المئة من كتلة الحشرات في العالم بسبب التسمم بمبيدات الآفات وتدمير موائلها. ومنذ عام 1970، دمر البشر ما يقرب من 70 في المئة من مجموع معظم أنواع الأحياء البرية على مستوى العالم.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة في ملاحظاته الافتتاحية خلال مؤتمر قمة تغير المناخ كوب 15، أنه بينما يتجه عدد سكان كوكب الأرض نحو بلوغه 10 مليارات إنسان إلا “أننا في حال حرب مع الطبيعة مع أن الطبيعة هي ما يحافظ على كل شيء على وجه الأرض”. واعترض الأمين العام على “طقوس التدمير” التي ننتهجها ضد الأنواع الـ8 ملايين الأخرى التي من المفترض أن نتشارك الأرض معها.
تعد المملكة المتحدة من بين أكثر الدول استنزافاً للطبيعة في العالم بعد أن أبادت جميع حيواناتنا المتوسطة الأصلية تقريباً، ناهيك عن الحيوانات المفترسة والثدييات. وفقدت بحار المملكة المتحدة ما يصل إلى 95 في المئة من مجموع أسماكنا الأصلية.
وفي عام 2020، أفادت “أر إس بي بي” RSPB وهي أكبر جمعية بريطانية للحفاظ على الطبيعة بأن المملكة المتحدة فشلت في الوفاء بما يصل إلى 17 من التزامات آيتشي الـ20 التي وقعنا عليها في آخر اتفاق لتحديد الأهداف للتنوع البيولوجي عام 2010، مع تراجع ستة منها.
إن اللجنة المشتركة لحماية الطبيعة هي الهيئة العامة التي تقدم المشورة لحكومة المملكة المتحدة في شأن الحفاظ على الطبيعة، وفي عام 2019 أفادت اللجنة بما يلي:
• هناك مشهد عام يتسم بالتدهور المستمر للأنواع البرية.
• لا تزال حال نسبة كبيرة من أفضل موائل الأحياء البرية داخل المواقع المحمية وخارجها غير مواتية.
• تستمر الأنواع الغازية في التزايد.
وانخفض التمويل الحكومي لحماية التنوع البيولوجي بنسبة 40 في المئة منذ أن وقعنا على وعود آيتشي لعام 2010.
وتحدث إلينا المحللون في “ديفرا” قائلين إن الموازنة السنوية للحكومة للتنوع البيولوجي تبلغ 0.5 مليار جنيه استرليني. وهذا يعادل نسبة ضئيلة قدرها 0.023 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة. وبالمقارنة، تبلغ موازنة الطرق الجديدة وحدها 27 مليار جنيه استرليني وأنفقنا للتو ما يقدر بنحو 6 مليارات جنيه استرليني لإنقاذ شركة الطاقة “بلب” Bulb.
وأضاف المحللون أن الموازنة السنوية لجميع حدائقنا الوطنية هي 0.045 مليار جنيه استرليني، ولا عجب في أن عدداً من هذه المناطق عبارة عن صحاري تنوع بيولوجي قاحلة تهدر من قبل حظائر الأغنام والصنوبريات، في حين ينبغي أن تكون هي كالمجوهرات في تاج التنوع البيولوجي لدينا.
أخبرناهم أن أحد الخبراء ادعى بأن هناك انفصالاً تاماً بين التزامات السياسة العامة والتنفيذ والتمويل.
وكانت إجابتهم أن “هدف وفرة الأنواع لعام 2030 سيعود بالفائدة على الأخيرة وسيقود إلى تحسينات بيئية أوسع”، وسيدعم ذلك انتعاش الأنواع البيئية وتحسين الموائل داخل المواقع المحمية والريف الأوسع. وتهدف خطتنا البيئية الـ25 إلى إعادة 75 في المئة من المواقع البرية ومواقع المياه العذبة المحمية إلى حال مواتية بحلول عام 2042”.
وهكذا تصعد المملكة المتحدة مرة أخرى على خشبة المسرح العالمي “كزعيم دولي”، ولكن هذه المرة للدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة في شأن التنوع البيولوجي بينما تفشل حكومتنا في اتخاذ الخطوات اللازمة في الداخل.
ولهذا الوضع تبعاته المؤلمة على المملكة المتحدة التي تطالب الدول الفقيرة بأن “تتوقف عن استخدام الفحم” في قمة غلاسكو للمناخ وبعد ذلك، وبمجرد انتهاء القمة المصرية تطلق أول منجم للفحم في البلاد منذ 30 عاماً.
وبعد استقالتها نتيجة الاعتراضات الوزارية المقززة على عملها، انضمت لورا إلى الأعمال السلمية المباشرة التي نظمها علماء تمرد الانقراض في مقر “ديفرا” الرئيس في الفترة التي سبقت مؤتمر قمة الأطراف، كوب 15. وتقول: “يجب أن نخرج جميعاً للمطالبة بالتغيير، ليس لدينا كثير من الوقت لمحاولة العمل داخل النظام. إن فقدان التنوع البيولوجي يشكل تهديداً كبيراً بقدر خطر انهيار المناخ. نحن نتجه نحو كارثة بيئية، واللوم يقع على الوزراء. تركتُ الحكومة حتى أتمكن من التحدث للمطالبة بالتغيير الذي نحتاج إليه”.
وتشمل التغييرات الحكومية المطلوبة ما يلي:
1. الاستثمار في الشؤون المالية والتوظيف والأنظمة اللازمة لعكس اتجاه فقدان التنوع البيولوجي.
2. التوقف عن دعم الإنتاج الحيواني.
3. التقليل الجذري من استخدام مبيدات الآفات.
4. دعم الوزراء للإجراءات التي يطلبها الموظفون بدلاً من نقضها.
من الجيد أن وزراء المملكة المتحدة يطالبون بمزيد من العمل في الدورة الـ15 لمؤتمر الأطراف، ولكن بمجرد عودتهم، يجب عليهم تنفيذ التزاماتنا بدلاً من عرقلتها. لقد حان الوقت لأن تنهي بريطانيا نفاقنا الجسيم في شأن المناخ والطبيعة. لقد حان الوقت لأن نصغي إلى لورا والعلماء المحتجين خارج مقر “ديفرا”، حان الوقت لنطبق على أنفسنا ما نعظ به العالم.
المصدر : اندبندنت عربية
المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع