أغنياء الحرب.. قصة التشريع الذي أصدره الكونغرس الأمريكي لدعم أوكرانيا
السياسية:
“قانون سرقة البنتاغون”، هكذا ينظر بعض النقاد الأمريكيين إلى تعديل تشريعي أقر مؤخراً لتسهيل توريد الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، في ظل مخاوف من أن يفتح الباب للفساد وأن يساعد شركات الأسلحة الأمريكية على سرقة أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
وبينما ظهرت بعض الانتقادات في أمريكا لتضخم الدعم العسكري لأوكرانيا، إلا أن أغلب المسؤولين الأمريكيين ومراكز الفكر والأبحاث ترى أن الحرب في أوكرانيا أصبحت بمثابة حرب أمريكية بالوكالة مع روسيا، وهي حرب يمكن خوضها دون أي خسائر عسكرية أمريكية بشرية مع خسارة بعض الأموال فقط.
وبالتالي يجب فتح مخازن الأسلحة على مصراعيها للأوكرانيين، وتبدو شركات الأسلحة الأمريكية هي الأسعد بهذا القرار.
وفي هذا السبيل، قرر المشرعون الأمريكيون التخلي عن إجراءات المساءلة من أجل منح البنتاغون ما يُمكن وصفه بـ”صلاحيات الشراء في زمن الحرب”، وذلك في محاولةٍ لتسريع جهود مساعدة أوكرانيا.
وتُتيح تلك السلطات الطارئة للبنتاغون تسليم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وبسرعةٍ أكبر. حيث تتزايد احتياجات الجيش الأوكراني للذخيرة في ظل اشتداد حدة القتال شرقي أوكرانيا. ومن المرجح أن بقاء استقلال أوكرانيا سيعتمد على تلك الذخائر، حسب وصف موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وبينما ستؤدي “صلاحيات الشراء في زمن الحرب” إلى تسريع إنتاج الذخائر ذات الأولوية القصوى من أجل أوكرانيا، يقول الموقع الأمريكي إنه يجب على المشرعين التفكير في تأثير تلك الصلاحيات على صناعة الدفاع الأمريكية؛ إذ ستُقلل بعض تلك السلطات الطارئة من المنافسة في القاعدة الصناعية عن طريق تعزيز إنتاج الأسلحة، مما سيُسرّع توفير الذخائر الإضافية لأوكرانيا، لكنه سيُمهِّد الطريق أمام تلاعبٍ أكبر بالأسعار من الشركات العاملة مع الجيش.
وشهد مشروع قانون السياسة الدفاعية الأخير، الذي اجتاز مجلسي النواب والشيوخ، إلغاء المشرعين للوائح التعاقد الأساسية الخاصة بصلاحيات الشراء في زمن الحرب. وسيحتفظ البنتاغون بتلك الصلاحيات حتى نهاية العام المالي 2024. وزاد المشرعون من خطورة إهدار النفقات بهذه الطريقة، لأنهم قللوا معدلات العناية الواجبة من جانب البنتاغون قبل منح العقود. كما أتاحوا للبنتاغون منح الشركات عقوداً طويلة الأجل بدرجةٍ غير معتادة، مما سيسهل على المقاولين العسكريين رفع التكلفة على الحكومة.
هدف هذا التعديل التشريعي تشجيع شركات الأسلحة الأمريكية على زيادة الاستثمار
ولا يمنح الكونغرس صلاحيات متعددة السنوات لشراء الذخائر إذا كانت أصغر من سفن البحرية والطائرات الضخمة. وتُعتبر هذه الصلاحيات ذات تأثير مقلق على نحوٍ خاص لأنها تلغي اللوائح المعتادة المصممة لمنع تلاعب الشركات بالأسعار. وأضاف المشرعون مجموعة تدابير أخرى لتقييد الأرباح والأسعار بالمبالغ التي كانت تُدفع مؤخراً، لكنها لن تكون كافيةً للحيلولة دون تلاعب شركات الأسلحة بالأسعار، حسب الموقع الأمريكي.
وأفادت إلين لورد، مسؤولة البنتاغون السابقة والمطلعة على خبايا صناعة الأسلحة، بأن الصلاحيات متعددة السنوات تشجع المقاولين العسكريين على تقديم استثمارات رأس المال اللازمة لزيادة الإنتاج. وتؤدي تلك الاستثمارات إلى زيادة سعة الإنتاج من أجل تسريع تقديم المساعدات لأوكرانيا، لكن استمرار تلك الصلاحيات يُهدد بحدوث توسِّعٍ دائم في صناعة الأسلحة. ويجب على المشرعين الحذر من حقيقة أن الصلاحيات متعددة السنوات تمنح المقاولين قدرةً أكبر لزيادة التكلفة على البنتاغون مستقبلاً، حتى لو نجحوا في تسريع المساعدات الأمريكية المقدمة لأوكرانيا اليوم.
رغم أن الشركات رفعت التكلفة أحياناً بنسبة 3000% إلا أنها لا تُلزم بالكشف عن السبب
ولا يجري إلزام المقاولين العسكريين المختصين بالأسلحة الأوكرانية أن يقدموا بيانات تكلفة وأسعار معتمدة في بعض الحالات، بينما يحتاج البنتاغون إلى تلك المعلومات حتى لا يتعرض للسرقة على يد المقاولين العسكريين. وتحتاج الوزارة لتلك البيانات حتى تضمن تسعير منتجات وخدمات الشركات بشكلٍ عادل، وذلك قبل منح العقود للشركات.
وإذا وضعنا في اعتبارنا تاريخ شركات الأسلحة الأمريكية الطويل في رفع التكلفة على البنتاغون بمقدارٍ تجاوز الـ3,000% أحياناً، سنجد أنه على المشرعين زيادة الاشتراطات التي تُلزم المقاولين بتقديم معلومات تكلفة وتسعير معتمدة.
شركات الأسلحة الأمريكية
ويُذكر أن مكتب محاسبة الحكومة أبلغ في عام 2020 عن تأخير برامج المشتريات الدفاعية الرئيسية بمعدلٍ يتجاوز العامين في المتوسط، بينما ارتفعت التكلفة بأكثر من 628 مليار دولار (أي ما يُعادل 54% من التكلفة الأصلية). لكن مكتب محاسبة الحكومة عجز عن تقييم حجم زيادة التكلفة الخاصة ببرامج المشتريات الدفاعية في عام 2022، نظراً لقلة البيانات المتوافرة.
ومن المرجح أن توقع وزارة الدفاع بنفسها في هوةٍ أعمق مع قلة العقبات الأمنية الموضوعة، وبالتزامن مع زيادة صلاحيات الشراء لقدرة الإنتاج وهامش إهدار النفقات معاً. ونتيجةً لذلك، سنجد أن تقديم عملية أكثر مسؤولية لشراء الأسلحة بواسطة البنتاغون أصبح أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى.
تريد تحقيق زيادة دائمة بالإنتاج والحجة القادمة ستكون الصين
لكن الإشراف أصبح يُنظر إليه على أنه عقبةٌ في طريق جهود الشراء، بدلاً من اعتباره نقطة قوة؛ إذ قال أحد كبار مساعدي الكونغرس مجهولي الهوية: “لا يُمكننا تحسُّس خطواتنا من أجل شراء تلك الذخائر بأقل الأسعار الممكنة”؛ مما يُشير ضمنياً إلى أن الولايات المتحدة لن تكون جادةً إذا لم تُطبق صلاحيات الشراء في زمن الحرب.
كما أعرب المساعد عن عدم تصديقه لفكرة أن المرء يمكنه إعطاء الأولوية لأي شيء بخلاف “شراء أطنان من الذخيرة خلال السنوات الخمس المقبلة، سواءً من أجل عملياتنا ضد الصين أو من أجل الاستمرار في إمداد أوكرانيا بالأسلحة”.
شركات الأسلحة الأمريكية
مصافحة خلال قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في القمة الأمريكية الصينية التي عقدت على هامش قمة العشرين في بالي بإندونيسيا/رويترز
ويقول الموقع الأمريكي إنه يُمكن القول إن اختيار ذلك المصدر المجهول لذكر الصين قبل أوكرانيا يكشف لنا الكثير. كما تكشف تعليقاته عن ارتباطٍ متزايد بين توسيع قدرة الإنتاج لدعم جهود الحرب الأوكرانية، وبين الإعداد لحربٍ ضد الصين.
ولا شك أن شركات الأسلحة الأمريكية ستستغل استثمارات رؤوس الأموال الموجهة لخدمة أوكرانيا، وذلك من أجل الحفاظ على الزيادة في إنتاج الأسلحة حتى بعد انتهاء الحرب بنهاية المطاف. وناقش مسؤولو الصناعة والبنتاغون الكيفية التي أبرزت بها الحرب الأوكرانية نقاط ضعف الصناعة، خلال منتدى ريغان للدفاع الوطني مؤخراً، خاصةً ضمن سياق إنتاج الأسلحة لحربٍ محتملة مع روسيا أو الصين.
الحرب الأوكرانية ستفتح الباب لأرباح طائلة لمصنعي الأسلحة الأمريكيين
لكن يجب على المشرعين ألا يسمحوا للحرب في أوكرانيا أن تفتح باباً جديداً أمام المقاولين لتحقيق الأرباح الطائلة على حساب البنتاغون ودافعي الضرائب. ولن تؤدي زيادة المال إلى حل مشكلات المشتريات، بل ستفاقم المشكلات القائمة وتفتح الطريق أمام المزيد من إهدار المال والاحتيال وإساءة الاستخدام.
ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي إنه من المؤكد أن الولايات المتحدة اختارت التصرف الصحيح عندما قررت مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن سيادتها.
لكن الاختيار الصحيح لا يعني أنه على المشرعين أن يرفعوا أياديهم تماماً عندما يتعلق الأمر بالمساءلة على مشتريات الأسلحة. ويجب أن نتذكر أن ذكرى الهجوم الروسي على أوكرانيا تقترب سريعاً، ولا تستطيع الولايات المتحدة تحمل تكلفة الاستمرار في تجاهل مشكلات المشتريات القائمة منذ فترة، والتي تفاقمت بسبب جهود محاولة تسليم أوكرانيا الموارد التي تحتاجها للدفاع عن حدودها.
* المصدر: عربي بوست
* المادة الصحفية: تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع