أزمة المهاجرين في أوروبا؟ انظر الى اليمن
بقلم: هيلين لاكنر
(موقع: اوبن ديموكرسي البريطاني, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
فقط لكي يكن واضحا، هذا يعني أن الذين عبروا البحر الأحمر من الناس اليائسين إلى اليمن في عام 2018 أكثر من الذين عبروا البحر المتوسط متجهين إلى أوروبا.
في حين أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمنح المقيمين في المملكة المتحدة، استراحة من وسائل الإعلام التي تركز على الأشخاص اليائسين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا الغنية عن طريق عبور الأبيض المتوسط عن طريق البحر، فإن بعض الشخصيات يجب أن تساعد في وضع الأمور في نصابها، لان هذه القضية ستعاود الظهور قريباً في عناوين الأخبار.
لا يزال إرهاب الأجانب يشكل صرخة أساسية جماعية لليمين في جميع أنحاء أوروبا بما في ذلك المملكة المتحدة، وكثيراً ما تتجلى من خلال مصطلح الإرهاب من الاسلام المعادي للإسلام. وقد أدى هذا بالفعل إلى تنفيذ سياسات ضد المهاجرين من قبل معظم الأنظمة، ولكن بشكل خاص أقصى اليمين في أوروبا الشرقية.
وفي العام الماضي، انضم إليهم خطاب النظام الإيطالي الجديد وإلاجراءات التي اتخذها من خلال إبعاد السفن الإنسانية التي تعمل على إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط. لقد أدت البيئة المعادية للمهاجرين في أوروبا إلى انخفاض هائل في عدد الوافدين : في حين وصل أكثر من مليون شخص مهاجر في عام 2015، لم يفد سوى 144.000 شخص في عام 2018. وهناك عدد قليل من المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى شمال فرنسا ولاسيما الى غابة كاليه، سيئة الشهرة غادروا على قوارب صغيرة للوصول إلى المملكة المتحدة: حوالي 500 فعلوا ذلك في 2018، من ضمنهم 200 فعلوا ذلك في الشهرين الأخيرين من العام الماضي. قد يتساءل البعض لماذا لم يحدث هذا في وقت سابق، ولكن هذا الحدث أعطى الحكومة البريطانية علاقات عامة مؤقتة وارجى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي حيث سارع وزير الخارجية ساجد جافيد إلى ميناء دوفر لوقف هذا التدفق المرعب!
أزمة المهاجر الخفية في خليج عدن:
في هذه الأثناء ، وصل أكثر من 160.000 شخص إلى اليمن في عام 2018 وحده. ولكي يكون واضحا، فإن هذا يعني أن الناس البؤساء الذين عبروا البحر الأحمر إلى اليمن اكثر من الذين عبروا البحر المتوسط متجهين إلى أوروبا.
اليمن في خضم حرب أهلية دولية ويعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفقاً للأمين العام للأمم المتحدة ، لم يكن هناك اي احتجاجات على هذا “الغزو للمهاجرين” من أي وزير داخلية يمني ، سواء من الحكومة المعترف بها دوليا أو من الحركة الحوثية التي تسيطر على العاصمة صنعاء.
في الواقع، استقبل اليمن وتقبل ما يقرب من مليون لاجئ صومالي منذ التسعينات ، وسمح لهم بالعمل والعيش في البلاد ، حيث أن اليمن هي الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي تعترف باتفاقية اللاجئين منذ عام 1951. قبل الحرب الحالية ، كانت سلطات البلد مضيافة بشكل لافت للاجئين الصوماليين ، ولكن ليس لآلاف الإثيوبيين وغيرهم ممن عبروا البحر الأحمر.
ويتصدر المهاجرون الذين يتصارعون مع الأمواج العاتية متجهين إلى اليمن عناوين الأخبار إما عندما تقصف طائرات التحالف التي تقودها السعودية اثناء عبور قارب وتقتل ركابه (بما في ذلك الأشخاص الذين يغادرون على متن قوارب بتكليف من وكالات الأمم المتحدة لإعادتهم إلى القرن الأفريقي) أو عندما تكون أعداد كبيرة من الجثث كافية تغسل على الشواطئ اليمنية من بحر العرب. ففي كلتا الحالتين ، يحصلون على اكثر بقليل من بعض الخطوط في وسائل الإعلام الغامضة.
كما تغير المسار الرئيسي نتيجة للحرب : في حين عبر أكثر من 70٪ من السكان البحر الأحمر بين عامي 2010 و 2013، ومنذ ذلك الحين انخفض الرقم إلى أقل من 20٪ مع توجه معظمهم إلى ساحل بحر العرب.
من يتجه إلى اليمن ولماذا؟
لماذا لا يزال المزيد من الناس يتجهون إلى اليمن؟ من هؤلاء؟ ولماذا يتوجه الآلاف إلى بلد يعيش في خضم حرب أهلية ودولية حيث ملايين الناس يتضورون جوعاً؟ ألا يجب السفر في اتجاه آخر، مع محاولة اليمنيين الهروب من الظروف الكارثية التي تعيشها بلادهم؟
اليمن بجهد تعد الوجهة المقصودة لهؤلاء المهاجرين. بينما من المعتاد ان السفر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عبر عمان كان صعبا في الماضي، وأصبحت ظروف السفر أكثر خطورة وتكلفة في السنوات الأخيرة. في بداية العقد الحالي ، قام النظام السعودي ببناء سياج على طول الحدود من ساحل البحر الأحمر إلى الشرق للسيطرة على تدفق المهاجرين، وقد تدهور الوضع بشكل واضح وكبير منذ التدخل الذي قامت به قوات التحالف بقيادة السعودية في الحرب الأهلية في جميع أنحاء البلاد في عام 2015. وفي عام 2018 بلغت تكلفة السفر من الساحل الجنوبي اليمني إلى السعودية حوالي 1200 دولار أمريكي. لكن السفر إلى المملكة السعودية من شرق إفريقيا عبر اليمن أرخص بكثير من الوصول إلى الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وهي رحلة تكلفتها على الأقل 3000 دولار أمريكي، وهو قيمة تتجاهل إمكانية قيام العصابات الإجرامية بطلب الفدية والسجن، بالاضافة الى عبور البحر الفعلي.
في العام الماضي وحده، كان قد توجه 160.000 شخص من اليائسين في شرق إفريقيا وكانوا في حاجة ماسة للتوجه إلى بلد على حافة المجاعة ويعيش في خضم الحرب. وكانت الغالبية العظمى (92٪) من الإثيوبيين والباقي صوماليون. ثلاثة أرباعهم من الرجال البالغين في حين تشكل النساء والأطفال 16% من المهاجرين، و10% معظمهم من الفتيان.
* يتوجهون إلى الساحل الجنوبي للبحر العربي في اليمن، وذلك لسببين رئيسيين: ان ساحل البحر الأحمر هو الآن منطقة عسكرية ويعج بالقوات البحرية التابعة لقوات التحالف يطلقون النار على قوارب الصيد وأي شيء آخر يتحرك. وعلى الجانب الإفريقي يقع الكثير من الساحل في إريتريا.
* يمكن الوصول بسهولة لساحل بحر العرب الجنوبي من نقاط المغادرة المختلفة في الصومال، كل من بيربيرا في أرض الصومال المستقلة وبوساسو في أرض بنط “المستقلة”.
في السنوات الخمس الماضية، تم العثور على أكثر من 700 جثة على الساحل الجنوبي لليمن بما في ذلك 156 في عام 2018.
* إن عبور الحدود إلى اليمن هو أرخص جزء من الرحلة، حيث تتراوح الأسعار بين 120 دولار و 200 دولار. بينما يدرك العديد من المشتركين الحرب في اليمن، البعض الآخر ليس كذلك. ما زال الآلاف يذهبون بشكل مثير للإعجاب بأنهم سوف يقومون برحلة سهلة ومتواصلة إلى وجهتهم النهائية، المملكة العربية السعودية. وبمجرد وصولهم إلى اليمن، يسعى العديد منهم للحصول على دخل إضافي ومحاولة العثور على عمل، عادة كعمال غير مهرة في الزراعة وفي غسل السيارات وغيرها من الوظائف غير الرسمية في المدن. كان هذا صعباً في فترة ما قبل الحرب، و يكاد يكون مستحيلاً الآن بعد الحرب. يقع البعض في أيدي المجرمين ويتم معاملتهم بشكل سيء ويتم طلب الفدية لتحريرهم، وهي تبرز على نطاق أصغر من تلك الموجودة في ليبيا ولكنها مهمة بشكل كافي لتكون بارزة.
وقد ترك معظم الصوماليين منازلهم لأن سنوات الجفاف جعلت من المستحيل زراعة الأرض وقد اجهزت الحرب على مواشيهم، مما أدى إلى تفاقم الفقر والعوز. السبب الآخر هو انعدام الأمن في مناطقهم. على الرغم من أن الحرب قد خفت في الصومال، إلا أنها بالكاد تكون ملاذ للسلام والازدهار. بالإضافة إلى سوء المعاملة المحتملة في اليمن أدى إلى تغيير الاستراتيجيات للصوماليين: بينما قبل عام 2011 توجه العديد منهم إلى اليمن كوجهة نهائية أو مؤقتة، منذ بداية هذا العقد وأكثر، منذ اندلاع الحرب، فان وجهتهم هي الى المملكة العربية السعودية، مع عدم وجود نية لديهم للبقاء في اليمن.
وبالمثل ، فإن الإثيوبيين، الذين يشكلون الآن الأغلبية الساحقة من المهاجرين، وهم الآلاف الذين يتوجهون إلى المملكة العربية السعودية عبر اليمن، لم يلحظوا بوضوح أن بلادهم تمثل حالياً قصة النجاح الاقتصادي الكبير التي نقرأها في بعض الأحيان في وسائل الإعلام الغربية. يعتبر الفقر والجفاف والبطالة من العوامل الرئيسية التي تدفعهم إلى مواجهة مخاطر هذه الرحلة الشديدة الخطورة، بغض النظر عن مخاطر الفشل العالية. وقد قامت المملكة العربية السعودية بطرد 42,000 شخص في الأشهر العشرة التي بدأت في منتصف نوفمبر 2017، كان 46٪ من الإثيوبيين، في حين كان 51٪ من اليمنيين. وقد تسارع هذا التوجه مع التغييرات في أنظمة العمل في السعودية وفي عام 2018 قامت السلطات السعودية بترحيل حوالي 10 آلاف إثيوبي في الشهر.
* بالرغم من أن الكثيرين قد فشلوا، إلا أن قلة منهم تخلوا عن طموحاتهم ورضخوا لعروض الترحيل التي قدمتها المنظمة الدولية للهجرة: بين عامي 2010 و 2018، عاد 24000 فقط إلى ديارهم تحت هذه الرعاية ، 77٪ منهم من الإثيوبيين و 16٪ من الصوماليين. وبطبيعة الحال، وبغض النظر عن المخاطر، فإن جميع المهاجرين الذين يتوجهون إلى الرياض، سواء كانوا إثيوبيين أو صوماليين أو يمنيين، يحلمون بالنجاح والثروة بعد بضع سنوات من العمل في المملكة السعودية.
ماذا عن اليمنيين؟
قلة قليلة من اليمنيين يحاولون الهروب من الحرب. معظم هؤلاء الذين يتوجهون إلى السعودية يفعلون ذلك لكسب المال وتوفير العيش الكريم لأسرهم كما فعلوا خلال نصف القرن الماضي. لقد قام النظام السعودي الجديد بإدخال إجراءات صارمة على “القوى العاملة السعودية” وخفض فرص العمل للأجانب وكذلك جعل ظروف إقامتهم مكلفة وغير جاذبه وقد أثرت هذه التدابير على اليمنيين وكذلك العديد من الجنسيات الأخرى، وربما خفضت عدد اليمنيين في المملكة إلى أقل من مليون شخص. ومع ذلك، فإن الوافدين إلى عام 2015 يشملون أيضاً قادة الحكومة المعترف بها دولياً، ومرافقيهم، وبعض من المستفيدين من الحرب.
الأغلبية من المهاجرين في الأراضي السعودية وحوالي 100.000 شخص من أصل يمني في دولة الإمارات العربية المتحدة، لقد أدت الحرب إلى نشوء مجتمعات يمنية جديدة في الدول العربية المجاورة الأخرى: لقد استقبلت عمان حوالي 50.000 يمني منذ بدء الحرب. في الأردن تم تسجيل 14.500 وفي مصر 8000 مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بنهاية عام 2018، وهو ما يمثل جزءاً من اليمنيين الموجودين في هاتين الدولتين. معظم اليمنيين في هذه البلدان هم من المهنيين وكذلك المنفيين السياسيين الذين يحتفظون بمستويات معيشية مقبولة، كما أن من بينهم أشخاصاً غير قادرين على العودة إلى اليمن نتيجة إغلاق قوات التحالف لمطار صنعاء منذ منتصف عام 2016.
على النقيض من ذلك، فإن معظم اليمنيين الذين يصلون إلى جيبوتي هم لاجئون نتيجة للحرب يعانون من الفقر. توجه عدد قليل جداً من اليمنيين إلى أوروبا عبر الطرق غير الرسمية التي يستخدمها المهاجرون الأفارقة: سجلت المنظمة الدولية للهجرة 326 يمنياً في أول 11 شهراً من عام 2018، في حين وصل ما إجماله 353 مهاجرا إلى اليونان في عام 2015.
* مما يعكس أمرين رفض اليمنيين مغادرة اراضيهم والصعوبات التي يواجهونها عند السفر على الصعيد الدولي.
في داخل اليمن نفسها، كانت تحركات السكان هائلة: حيث أن إجمالي عدد النازحين منذ بدء الحرب قد بلغ 3 ملايين شخص، يعود العديد منهم إلى ديارهم بمجرد انتهاء القتال في مناطقهم، لذلك لا يزال هناك حوالي مليون نازح. في النصف الثاني من عام 2018 وحده، مع هجوم قوات التحالف العسكرية على المدينة وأجزاء أخرى من محافظة الحديدة، تم تشريد أكثر من مليون شخص حتى وقف إطلاق النار في 18 ديسمبر، وتوجههم إلى أجزاء أخرى من اليمن، وغالباً يتجهون الى مناطق يقطنها أقارب لهم، ولكن في الأساس الهرب من الهجمات الجوية والبرية التي أدت إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
وفي الختام، في حين أن هذه المقالة قد قدمت بعض الأرقام ، يجب على القراء أن يتذكروا أن كل واحد من الأفراد الذين يمثلون الآلاف والملايين يعانون معاناة مأساوية ومؤلمة ومخيفة وهذه المعاناة ناتجة عن المآسي التي تم وصفها في القصص التي يمكنك العثور عليها على العديد من المواقع ووسائل الإعلام الاجتماعية. إذن هذا يمثل قصص الرعب المتعددة. يواجه المهاجرون المتوجهون إلى اليمن ظروفاً صعبة للغاية بالإضافة إلى دخول بلد في حالة حرب حيث يعاني معظم السكان من ظروف المجاعة. ماذا يقول كل هذا عن ظروف المعيشة والمشاهد في بلدانهم؟
* المنظمة الدولية للهجرة والهجرة المشتركة في القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، من يناير إلى يونيو 2018.
* من المستغرب أن ليس هناك إريتريين يذهبون إلى اليمن، وأنهم في الغالب يتوجهون برا مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط ، بتكلفة أعلى بكثير، تتراوح ما بين 1800 دولار أمريكي كحد أدنى إلى 4000 دولار أمريكي للشخص الواحد، ويستثني ذلك الفدية التي يتعين على العديد منهم دفعها. عندما يتم أخذهم رهائن من قبل المُتجِرين.