جيمس م. دورسي *

لقد اكتسبت الجهود السعودية الأخيرة لاسترضاء إدارة بايدن في أعقاب دعم المملكة لخفض إنتاج النفط في أوبك بلس الشهر الماضي أهمية إضافية في أعقاب الانتخابات النصفية الأمريكية هذا الأسبوع والتي عززت موقف جو بايدن وأضعفت الرئيس السابق دونالد ترامب.

إصرار السعودية على خفض مليوني برميل يومياً في أعقاب محاولة بايدن الفاشلة لإقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتأجيل الخفض، إن لم يكن زيادة الإنتاج، قبل الانتخابات، كان ينظر إليه على نطاق واسع في واشنطن باعتباره جهد يصب في صالح حزب ترامب الجمهوري.

وإذا كانت هذه هي الاستراتيجية السعودية، فقد جاءت بنتائج عكسية, حيث كان أداء حزب بايدن الديمقراطي أفضل بكثير في الانتخابات من خلال الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ وخسارة ممثلي مجلس النواب الجمهوريين بأصوات أقل بكثير مما كان متوقعاً.

نفت المملكة العربية السعودية هذه المزاعم بشكل مستمر، وأصرت على أن الخفض كان تصرفاً يصب في مصلحة الاقتصاد ولم يشكل محاولة للتأثير على الناخبين الأمريكيين أو دعم روسيا على الرغم من غزوها لأوكرانيا.

في الأسابيع الستة التي أعقبت الخفض، قامت السعودية بعدة إيماءات تنمو عن نوايا تصالحية، بما في ذلك التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يعلن ضم روسيا لأجزاء من شرق أوكرانيا غير القانوني، وزيادة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا بشكل كبير.

فشلت الإيماءات في إقناع بايدن مدعوماً بآمال حزبه الديمقراطي المحطمة, بأخذ بعض الوقت من قمة مجموعة العشرين هذا الأسبوع للقاء بن سلمان على الهامش.

ومع ذلك، فإن ذلك لم يمنع إدارة بايدن من السعي في نفس الوقت لتعزيز الثقة الناشئة فيما يتعلق بالتزامها بالدفاع عن المملكة من خلال تحليق طائرتين قاذفة من طراز B-52 فوق الشرق الأوسط في رسالة استعراضية لإيران.

كان الهدف الواضح من هذا العمل, هو ردع إيران عن التصرف بناءً على خطط مزعومة لمهاجمة السعودية لصرف الانتباه عن شهرين من الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تزعم إيران أنها تحرض عليها المملكة والولايات المتحدة وكيان إسرائيل.

جاء التحليق في أعقاب تقارير تفيد بأن السعودية قطعت المحادثات مع إيران التي يرعاها العراق بهدف منع الخلافات بين الخصمين الإقليميين من الخروج عن السيطرة.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تحليق الطائرتين الأمريكية قد ردعت إيران.

علاوة على ذلك، فإنها لم توقف التوترات بين السعودية وإيران وكيان إسرائيل والصراع الداخلي الإيراني من أن ينتقل إلى نهائيات كأس العالم في قطر.

نصحت إسرائيل هذا الأسبوع ما يصل إلى 20 ألف صهيوني يتوقع حضورهم كأس العالم في دولة ترفض بشكل عام منحهم الدخول, لتوخي الحذر، ويرجع ذلك جزئياً إلى المشاركة الإيرانية في البطولة.

كما أثار التواجد المرتقب حفيظة بعض القطريين بسبب سياسة كيان إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

أثار رئيس البطولة القطري السابق حمد السويدي غضباً على وسائل التواصل الاجتماعي بإعلانه أن المشجعين الصهاينة سيكونون مرحب بهم كـ “إخوة” في قطر، وهي “بلدهم أيضاً”.

أثار هذا الغضب أسئلة حول نوع الاستقبال الذي يمكن أن يتوقعه الصهاينة.

أدلى السويدي بتصريحاته بعد فترة وجيزة من الضجة الإعلامية التي كانت في قطر لأنه قام بتركيب نسخة حجرية عملاقة من كأس العالم لكرة القدم خارج منزله في الدوحة.

ورداً على ذلك، غرد المواطن القطري أحمد البنعلي قائلاً: “في الآونة الأخيرة، كانت هناك أصوات منفردة تطالب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وترحب بالمستوطنين لزيارة الدوحة! منذ متى كانت قطر بلدهم؟ منذ متى كانوا إخواننا وأصدقائنا؟ نحن لا نرحب ولن نكون أصدقاء لأولئك الذين يقتلون شعب فلسطين وأطفاله”.

من جهته، أصر كارلوس كيروش، مدير فريق كرة القدم الإيراني، على السماح للاعبين بالاحتجاج.

دعم بعض لاعبي كرة القدم الإيرانيين، بمن فيهم نجم الفريق سردار آزمون, الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران.

يُعتقد أن أكثر من 300 متظاهر قُتلوا خلال الشهرين الماضيين في إطار رد فعل وحشي من قبل قوات الأمن لسحق الاضطرابات.

وفي خرق للفصل غير الحقيقي بين السياسة والرياضة، قال كويروز إن “اللاعبين أحرار في الاحتجاج كما لو كانوا من أي دولة أخرى طالما أن ذلك يتوافق مع لوائح كأس العالم وضمن المباراة”.

في هذه الأثناء، في محاولة لمنع التوترات من الخروج عن السيطرة واسترضاء إيران، رفضت قطر اعتماد مذيع محطة البث التلفزيوني الفضائية ومقرها لندن والمدعومة من السعودية، إيران الدولية، في كأس العالم.

واتهمت إيران المذيع بالتحريض على الاحتجاجات وحذرت الجمهورية الإسلامية في سبتمبر من أن إيران الدولية “ستدفع الثمن” لنشرها لقطات للمظاهرات.

وقال اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني: “أحذر النظام السعودي من السيطرة على إعلامكم، وإلا سيطال الدخان عيونكم”.

“هذا آخر تحذير لنا لأنكم تتدخلون في شؤوننا الداخلية عبر هذه الوسائل, أنتم منخرطون في هذا الأمر وتعلمون أنكم معرضون للخطر”.

في الأسبوع الماضي، أكدت إيران الدولية أن الشرطة البريطانية حذرت اثنين من صحافييها البريطانيين الإيرانيين من مؤامرة إيرانية “مؤكدة” لقتلهما.

ومن المفارقات أن الحملات القمعية في إيران والسعودية تشترك في نفس الأهداف.

إنهم يهدفون إلى تجنب المخاطر المترتبة لما تصفه عالمة السياسة باربرا ف. والتر بأنه أنوقراطية، وهو نظام ليس استبدادياً بالكامل ولا ديمقراطياً بالكامل.

وأشارت والتر إلى أن “الحروب الأهلية لا تحدث أبداً في ظل ديمقراطيات كاملة صحية وقوية.

وايضاً نادراً ما تحدث في ظل أنظمة استبدادية كاملة, يكاد يكون العنف دائماً تقريباً في البلدان الواقعة في الوسط”.

كانت عالمة العلوم السياسية تناقش التوترات الداخلية في الولايات المتحدة، لكن رؤاها صالحة أيضاً لإيران والسعودية.

الحكم القاسي الأخير على مواطنين سعوديين وأمريكيين بالسجن عقوداً بسبب تغريداتهم على تويتر كان ينظر إليه على نطاق واسع على أنه وسيلة بن سلمان للرد على بايدن بعد أن حذر من أن خفض إنتاج النفط سيكون له عواقب على العلاقات الأمريكية السعودية المتوترة.

في الأشهر الأخيرة، أدت حملة القمع المتصاعدة لبن سلمان على المعارضين إلى سجن امرأتين مدة تصل الى 34 و 45 عاماً على التوالي وأمريكي يبلغ من العمر 72 عاماً كان عائداً إلى وطنه الأم السعودية لقضاء إجازة إلى 16 عاماً خلف القضبان بسبب تغريده تنتقد النظام.

بالإضافة إلى ذلك، احتجزت السلطات السعودية مؤخراً امرأة أمريكية تبلغ من العمر 34 عاماً، تدعى كارلي موريس، بعد أن نشرت على تويتر أنها وابنتها الصغيرة تم استدراجهما إلى المملكة ومحاصرتهما هناك منذ عام 2019.

إذا كانت والتر على صواب، فقد يكون للتحركات القانونية القمعية علاقة بإحساس بن سلمان ببقاء النظام أكثر من ارتباطها بخلافات الظل مع بايدن.

ومع ذلك، قد يشعر بايدن أنه يفوز بنقاط فيما يتعلق بهذه الخلافات.

وأكد مسؤول أمريكي كبير أن “استيائنا قد تم التعبير عنه بوضوح بالفعل وكان له تأثير بالفعل, لقد رأينا السعوديين يتفاعلون بطرق بناءة”.

ونتيجة لذلك، فإن الإدارة تسير بخطى بطيئة لجعل السعودية تدفع ثمن خفض إنتاج النفط.

هذا الأسبوع، أبلغت الإدارة محكمة أمريكية أنه يجب منح بن سلمان حصانة سيادية في قضية مدنية تتعلق بقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018.

أنهى الاخطار فعلياً محاولة أخيرة لتحميل ولي العهد المسؤولية القانونية عن جريمة القتل في قنصلية المملكة في اسطنبول.

قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: “ليس هناك حاجة لأن نكون في عجلة من أمرنا”.

* 28 ربيع ثاني 1444 هــ الموافق 22 نوفمبر 2022(مجلة “مودرن ديبلوماسي-Modern Diplomacy” الأمريكية- ترجمة: انيسة معيض، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي، “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع