بقلم د.يوسف الحاضري

فمن منطلق ان الحسد يقود الى الظلم (كما ذكر ذلك العلامة السيد بدر الدين الحوثي في التيسير للتفسير) فكان إنطلاقة ابن آدم لقتل أخيه وعندها لم يعد يفيده الحسد فقد خسر الدنيا والآخرة

الحسد صفة من الصفات الشيطانية التي ظهرت مع إبليس في الملأ الأعلى ونزلت معه إلى الأرض فأوغر بها قلوب الناس في طريقه لإضلالهم وكانت من أهم المرتكزات التي تعمي أصحابها عن الحق وتبعيتهم له كما سنتكلم عن ذلك، وهي متجسدة وبشكل كبير في قصة إبني آدم التي قصها الله في القرآن في سورة المائدة ليس للتسلية وانما للعبرة والتدبر والاستفادة منها في حياتنا كونها تضع أسس كثيرة لنجاحنا في مسئوليتنا الأستخلافية في الأرض وأيضا لنجاتنا في الآخرة كنتيجة طبيعية للنجاح في الدنيا .

عندما أخرج الله آدم وحواء من الجنة بسبب معصيتهما له قال اهبطوا الى الأرض مع الشيطان ومع عداوتكم لبعض (بعضكم لبعض عدو) فعداوة الشيطان لآدم من منطلق الحسد والتكبر والذي جراه ليخسر الدنيا والآخرة وعداوة آدم للشيطان هي كردة فعل للعداوة كفطرة سوية تنشأ في أي نفس تجاه من يعاديه وهذه العداوة لها محدداتها على رأسها التصدي له والوقوف في وجهه عوضا عن تبعيته والسقوط في وسواسه ( ان الشيطان لكم عدوا فأتخذوه عدوا) ومنذ اول وهلة تحرك الشيطان في اغواء أدم وحواء في الأرض ولكن كانا قد تحصنا بعد تلك المعصية الكبرى خاصة وقد تابا واستغفرا الله وذاقا تبعات المعصية التي اقترفاها فاصبحا محصنان تجاه الشيطان وإغواءه لذا عزم الشيطان ان ينتظر أبناء آدم لتكون اول مهمة له عليهم، فمرت الأيام وانجب آدم وحواء أبناء وبنات، وتم تربيتهم من قبل آدم تربية دينية عظيمة مرتبطة بالله وعبادته وتعليهم مسئوليتهم في الحياة التي لأجلها استخلفهم فيها وعلمهم بأن الشيطان عدوا لهم فليتخذوه عدوا وأكيد قصا لهم ما حدث لهما في الجنة للعبرة والأنتباه (كما هو وضعنا اليوم نقرأ قصصهم في القرآن للعبرة) لتمر الأيام في صراع بين الشيطان وسعيه للأغواء وبين أبناء ادم وعداوتهم له والتصدي له .
( وأتل عليهم نبأ أبني آدم بالحق ) هنا توجيه للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليقص على اليهود (بني إسرائيل ) وقومه ما حصل بين إبني آدم بالصورة الحقيقية وليس بتلك التي يتداولها بني اسرائيل والممتلئة أكاذيب وخرافات وتحريفات لحرف الناس عن الهدف الأساسي من سرد الله هذه القصص في القرآن كأن يقولوا (كان الحسد ناتج عن جمال زوجة احدهم وبشاعة الزوجة الأخرى) في نفس المساق الجنسي الذي طالما كسر رؤوسنا به علماء الوهابية فيما اسموه (أحاديث) والذي لا يختلفون عن علماء اليهود فيما يسمى (إسرائيليات) لذلك شدد الله في هذه القصة بقوله (بالحق) ولا حق كالذي يأتينا من القرآن وما دونه قد يتغلغل فيه الأكاذيب والتزوير كما نعاني من هذا الامر في المجتمع الإسلامي عبر ما يسمى احاديث والتي تتضارب بقوة مع القران وليست حقا ابدا، لذا يجب ألا نتداول قصة ابني ادم الا بما ذكره الله في القران الكريم لان ما لم يذكره ليس حقا وليس ذا أهمية كالغوص في تفاصيل لا أهمية لها منها اسمي ابني ادم (هابيل وقابيل) فسواء كان اسميهما هذا ام ليس كذلك فلا أهمية لتضييع الوقت والهدف في تفاصيل كهذه، والان لنأتي لننظر ماذا حصل بينهما وماهي الدروس والتوجيهات الربانية للعالم من خلالها .

احداث القصة انهما ومن منطلق الإيمان بالله الذي تربيا عليه مع بقية اخوتهم على يدي أبيهم آدم قدما قربانا لله (وهنا ايضا لا ينبغي ان نضيع في تفاصيل ما هو القربان وهل هذا قدم قربانا اضخم من هذا ووو الخ لان هذه ستضيعنا تماما ) وعندما قدما القربان لله تقبل الله من أحدهم ولم يتقبل من الآخر، وهنا يجب ان نتوقف كثيرا لنستوعب أمورا كثيرة على رأسها ان الله لم يظلم الأول ولم يجامل الآخر والعياذ بالله فالله هو العدل والحكيم والعليم فمقتضى حكمته وعدله انه رأى ان الأول لا يستحق ان يتقبل منه عمله هذا لأنه ليس صالحا وليس فيه التقوى والخوف من الله ولا يهدف الى ذلك من هذا العمل وغير ذلك من دسائس نفسية ادت لخيبته (وقد خاب من دساها) وبطبيعة الحال كان للشيطان دورا كبيرا في ذلك وفي اغواءه والذي ان عجز في اغواءه من يمينه (عباده الله وتوحيده ) فقد استطاع ان يغويه من شماله (عدم الاخلاص لله ) والذي أدى الى الحسد والذي أدى الحسد الى ما تبعه من اعمال انتهت به في الأخير في نار جهنم , أما الآخر فقد كان مخلصا لله ومؤمنا به ويبتغي به وجه الله متقيا له، لذا مقتضى عداله الله ان يتقبل منه، وهنا كان لزاما على الأول ان يكون اكثر ايمانا وارتباطا بالله ومتذكرا لما حصل لابويه أدم وحواء عندما أغواهما الشيطان (فدلهما بغرور) وان يراجع حساباته لماذا لم يتقبل الله مني فمن منطلق التسبيح لله وتنزيهه بانه الكامل العدل الذي لا يأتي منه نقص ولا تفريط ولا مجاملة ولا ظلم فالخطأ والتقصير مني أنا ثم يبحث عن مكامن التقصير ليصححها ليتقبل الله منه ( وهي رسالة لنا جميعا ان ننظر الى اسباب عدم استجابة دعاءنا وعدم تقبل تحركنا في أحيانا واعمالا ما لنراجع اين مكامن الخلل لنصححها واين مكامن الخلل فيةصلاتنا وصيامنا والتي لم تأت بثمارها ابدا ) فحتى لو كان عملنا وتحركنا لله في عبادة الله فلا يتقبلها الله مالم تكن نفسية المتحرك زاكية وخالصة لله وراقية الارتباط بالله، ولكن كانت نفسية ابن آدم الأول منحرفة وفيها دسائس وقد استطاع ان يدسها الشيطان خلال عمل طويل في ذلك لذا لجأ ابن آدم الى عامل الحسد النفسي فيه نحو أخيه الآخر وهو ممتلأ غيظا وحقدا وحسدا ( في تصرف غير سليم وغير سديد وغير صحيح) فالآخر لم يؤثر على الله ويغالط الله ويتلاعب على الله بحيث استطاع ان يكسب مجاملة الله والعياذ بالله من ذلك فهو الكامل سبحانه وتعالى عن كل النواقص ولكنها نفسية استغلها الشيطان ليغويه ويضله وبالفعل استطاع ذلك عبر توجيهه الى ضرورة قتل اخيه فقال له مهددا (لأقتلنك) وهنا ايضا يجب ان نركز على كيفية ان الحسد والحقد جعل من ابن ادم هذا ان يصرح بحقده وحسده معلنا لاخيه انه سيقتله رغم انه كان قادرا على تبييت القتل في نفسه ثم يقتله بعد ذلك ولو من باب الاتقاء من ردة فعل اخيه والذي ربما قد يقتله قبل ان ينفذ تهديده ولكن هذه صفات خبيثة خطيرة شيطانية تدمر كل شيء فعلينا ان نطهر نفسياتنا منها باستمرار وان نرجع أي تقصير او أخطاء على انفسنا وليس على غيرنا او على الله والعياذ بالله كما حصل مع ابن ادم الظالم .

(انما يتقبل الله من المتقين , لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك) هنا تظهر سمو النفس الايمانية العظيمة عند ابن ادم المؤمن حيث كانت بداية رده على أخيه الذي هدده بالدعوة الى الله والى ان يعود اخاه الى الله حبا في أخيه ورحمة به فقال له (انما يتقبل الله من المتقين) أي يا اخي راجع نفسك وتقواها وارتباطك بالله لكي يتقبل الله منك فليست نهاية الدنيا اذا ما تقبل الله منك الان لأنها رسالة من الله اليك الذي يعلم دسائس نفسيتك لتراجعها وتصححها وتطهرها فأنت اخي، ثم اظهر له رقي اخوته لأخيه والذي ارتبط بالله والخوف منه ومعرفة مصيره في الدنيا والاخرة لذا قال لو سعيت الى قتلي فأنني لن احقد عليك الان واسعى لقتلك قبل ان تقتلني ولن افكر في ذلك لأن القاتل سيبوء بغضب الله ويسخط عليه ويكون مصيره ان يتحمل اوزارا مع اوزاره وسيكون نهايته في نار جهنم فيخسر الدنيا بتبعات ذنوبه ويخسر الاخرة بظلمه وقتله لاخيه، ولكن وعلى الرغم ان المحاضرة الثقافية التي قدمها الأخ الصالح لأخيه الظالم لتصحيح نفسيته وتصحيح دنياه لتصح آخرته الا ان عامل الحسد والحقد وبدعم من الشيطان ودسها المستمر نسف هذه المحاضرة نسفا وكأنه لم يسمعها فزادت نفسيته المريضة على الخوف من الله (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقلته) وهنا اصبح خاسرا للدنيا وللآخرة فتلاشى ان يفيده بعد هذا القرار تلك العوامل التي جعلته ظالما كالحسد والحقد وعدم التقوى بل جميعها تخلى عنه وحتى الشيطان قال له اني بريء منك الان مشكلتك مع نفسك وابحث كيف تتعامل مع مشكلتك فأنا قد نفذت مهمتي وانهيتها على اكمل وجه والان معي عمل اخر ابحث عن أناس اخرين لأغويهم كما أغويتك .

بعد ان اقدم على قتل أخيه بظلم وعدوان رماه هناك حيث اصبح عاجزا وتائها كيف يتصرف الان بعد ان تخلى عنه كل شيء خاصة العون الإلهي أما الشيطان فقد انهى مهمته لذا ظهر بمظهر العاجز عجزا كاملا , وهنا ورحمة من الله للمقتول ظلما وعدوانا أرسل الله طائر الغراب ليعطي هذا الظالم درسا في حب الأخ لأخيه وفي احترام الأخ لأخيه حتى ولو كان حيوانا او طائرا وذلك لتعليمه كيف يواري جثة أخيه في الأرض ليكون منهجا للبشرية عبر التاريخ فظهر عجز الأخ ليعلم الأخ انه ظلم أخيه واتبع الشيطان فدعا على نفسه بالويل (يا ويلتاه اعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) ليظهر الله له قيمته الحقيقية عندما يتبع الشيطان فيكون أدنى واقل من الغراب بعد ان كان يرى نفسه كما كان يرى الشيطان نفسه عند الله بأنه وجيها وله قيمة ومكانة ليعيش نادما متحسرا بقية حياته ليتعذب في الدنيا قبل الآخرة .

ومن منطلق ان القصة هذه جاءت في سياق دعوة بني اسرائيل للحق ولأنهم ايضا اكثر الخلق قتلا للناس فهم قتلة الانبياء وهم قتلة للبشرية خلال تاريخهم الدموي منذ ان حاولوا قتل يوسف عليه السلام ثم مرورا بالانبياء وحتى يومنا هذا هم اكثر الناس يقتلون الناس ويزهقون دماءهم جاءت ايه بعدها تنبههم وتنبه العالم أجمع ان من يقتل نفسا بظلم وليس قصاص فيتحمل القاتل ظلم العالم اجمع (فكأنما قتل الناس جميعا) وذلك زجرا لهم وتخويفا ونهيا ومع ذلك لم يخافوا ابدا بل استمروا في طغيانهم حتى يومنا هذا.

استطاع الشيطان إضلال إبن ادم كمعصية من العيار الثقيل مستخدما في ذلك تلك النفسية التي يمتلكها الشيطان فنسخها في نفسية ابن ادم ومازالت هذه النفوس وصفات كثيرة تنتسخ من شخص الى شخص فيحصل كثير من الجرائم والظلم والتي تسعد الشيطان وتغضب الله لذا نبهنا الله الى نفسياتنا وضرورة تربيتها وتزكيتها والحفاظ عليها واغلاقها امام الشيطان ومداخله وارجاع اي خطا او تقصير يحصل الى نفوسنا ونستمر في تسبيح الله تسبيحا عمليا فعليا نفسيا حقيقيا لنكسب الدنيا والاخرة .

سنتكلم ان شاء الله في المقال رقم 5 في هذه السلسلة عن قصة نبي الله نوح عليه السلام والتي ستكون في اكثر من اطروحه وعن تلك النفسية العظيمة التي جعلته يصبر 950 عاما على جحود وتكذيب قومه له ولماذا بعد هذه المدة دعا عليهم ولم يدع عليهم مثلا بعد 50 سنة او 100 سنة رغم انها ايضا تعتبر مدة طويلة !!!