السياسية:

الرئيس الصيني شي جين بينغ مع رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي/رويترز

تقترب اللحظة التي ستتجاوز فيها الهند الصين بوصفها الأمة صاحبة أكبر تعداد سكاني في العالم، وفي الوقت ذاته يراهن الغرب على هذه اللحظة، التي ستكون مؤشراً لبداية أفول نجم بكين وصعود نجم نيودلهي، وقد بدأت أمريكا تضع الخطط لتحقيق هذا الهدف عبر تأجيج المنافسة بين الصين والهند.

وتعد الهند حالياً موطناً لأكثر من 1.39 مليار شخص- أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة وأكثر من 20 ضعفاً للمملكة المتحدة- بينما يعيش 1.41 مليار شخص في الصين، ولكن مع وجود 86000 طفل يولدون في الهند كل يوم، و49400 في الصين، فإن الهند في طريقها لتصبح أكبر دول العالم سكاناً في عام 2023، وستصل إلى 1.65 مليار شخص بحلول عام 2060.

سيكون هذا التغيير ذا أثر نفسي ورمزي على كلا البلدين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

سوف تظل الصين أقوى اقتصادياً من الهند، وسوف تظل الدولة التي تتحدى الولايات المتحدة على مكانة القوة العظمى الكاملة، لكنها لن تعود قادرة على وصف نفسها بأكبر أمة في العالم بأعداد كبيرة من السكان، حسب الصحيفة البريطانية.

وفي ظل الاتجاهات الحالية ستستمر الفجوة السكانية في الاتساع بوتيرة متسارعة، لكن ما يعنيه ذلك بالنسبة لنفوذ الصين والهند النسبي سوف يتقرر وفقاً لمجموعة من العوامل الأخرى، مثل الاستثمار والحوكمة، إذ إن التركيبة السكانية ليست شيئاً مصيرياً وحدها.

سياسة الطفل الواحد تُدخل الصين في أزمة ديموغرافية في توقيت سيئ

غير أن اللحظة التي ستتسلم فيها الهند راية البلد الأكبر في العالم من حيث التعداد السكاني، سوف تزرع الشك، وتسلط الضوء على الحدود الممكنة للصعود العنيد للصين خلال القرن الحادي والعشرين. يُتوقع للتعداد السكاني الصيني البالغ 1.4 مليار نسمة، أن يشهد بداية الانكماش قريباً وبمعدلٍ متزايدٍ، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى إرث سياسة الطفل الواحد.

قال إيان بريمر، رئيس ومؤسس مجموعة أوراسيا، الشركة المتخصصة في مجال بحوث واستشارات المخاطر السياسية: “كانت الافتراضات أنهم سيصلون إلى الحد الأقصى بحلول عام 2028، ولكن يبدو الآن أنهم قد وصلوا بالفعل، وذلك تغير كبير”.

وأضاف: “يواجه الصينيون انكماشاً سكانياً أكبر بكثير من أي شيء شهدته اليابان أو كوريا الجنوبية، وسوف يواجهونه بينما لا يزالون اقتصادَ دخولٍ متوسطةٍ فقط، ولذلك فإنه يمثل تحدياً هائلاً بالنسبة إليهم”.

عدد الشباب لن يكون كافياً لإعالة المسنين

لا يقتصر الأمر على انكماش التعداد السكاني الصيني، بل يمتد إلى تغير التركيبة السكانية أيضاً. فالنسبة الأكبر من السكان لن تعد ضمن الأجيال التي تكون في سن العمل، بل ستكون هناك زيادة في أعداد المسنين. سوف تصير أعداد المواطنين الصينيين الأكبر من 65 عاماً أكبر من ضعف عددهم الحالي بحلول 2050، ليرتفع العدد من 150 مليون مواطن إلى 330 مليون مواطن. وسوف يكون هناك عدد أقل من الأشخاص الذين يدعم عملهم العددَ المتزايدَ من المتقاعدين.

ستفقد الصين عمالاً ودافعي ضرائب يُكافئ عددهم تعداد الشعب الفرنسي، مع زيادة أصحاب معاشات ومتقاعدين بشكل يكافئ تعداد الشعب الياباني. ثم ستفقد الصين 105 ملايين عامل إضافي بين عامَي 2035-2050، وسيزداد بالتزامن عدد المُسِنين بنحو 64 مليوناً آخرين، ستكون العواقب الاقتصادية وخيمة.

الصين قد تمسي أمة عجوز قبل أن تصبح غنية

يمكن أن تجد القيادة الصينية طرقاً كي تسمح للبلاد بالنمو، من خلال زيادة إنتاجية العمال، لكن ذلك سوف يأخذ من رأس المال، وبدرجة أكبر مع مرور الوقت. فالصين تخوض سباقاً تحاول فيه أن تصبح أمةً غنيةً قبل أن تمسي أمةً عجوز.

ومن خلال ذلك المنظور، فإن الإنفاق العسكري الصيني يجسد مقامرة لإخضاع مناطق كثيرة من العالم لإرادة بكين، من أجل أن تحصل على امتيازات الوصول إلى الموارد، ولكن إذا فشل هذا الرهان فسوف تكون بكين قد أنفقت كمية كبيرة من رأس المال، الذي كان من الممكن استخدامه لتعزيز اقتصادها، ما سيترك البلادَ عالقةً في فخ الدخل المتوسط.

الهند ستحقق أرباحاً ديموغرافية على غرار كوريا وسنغافورة

سوف تواجه الهند معضلة معاكسة مع نمو تعدادها السكاني، فسيكون هناك الكثير من الهنود في سن العمل، تناسباً مع الآباء المسنين الذين سوف يتوجب على الشباب الأصغر تمويلهم، لكن القيادة سيتوجب عليها أن تكون رشيقة وذكية لجني الأرباح الديموغرافية.

قال ستيوارت جيتل باستن، أستاذ العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة خليفة بأبوظبي: “لا يحدث العائد الديموغرافي أوتوماتيكياً، لأن المجموعة الكثيرة العدد من الأشخاص الصغار في سن العمل تحتاج إلى أن يكون لديها عمل ويحتاجون أن يكونوا منتجين”.

نجحت بعض البلاد في اغتنام الفرصة التي قدمها العائد الديموغرافي، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة. وهذه هي البلاد التي لم تواجه التحدي المتمثل في زيادة أعداد الشباب العاجزين عن العثور على الوظائف، وهو ما كان من الممكن أن يثير احتمالية وقوع الفوضى والاضطرابات، التي جسدت ديناميكيات كانت كامنةً وراء أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 في تونس ومصر وسوريا وغيرها من البلدان العربية.

أشار جيتل باستن إلى أن العوامل التي تحدد النجاح والفشل متعددة ومتنوعة. وأوضح: “سوف يتعلق الأمر بالموارد والحوكمة والبنية التحتية والموقع”.

وأمريكا قد تساعدها على التفوق مع التضييق على بكين

وتشير كارلا نورلوف، أستاذة العلوم السياسية في جامعة تورنتو، إلى أن القوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة، قد تسعى إلى امتلاك نفوذ على التنمية النسبية للبلدين صاحبي التعداد السكاني العملاق، وذلك عن طريق التحكم في الوصول إلى التكنولوجيا التي سوف تساعد في تحديد النمو في كلا البلدين.

قالت كارلا: “الولايات المتحدة تعتزم الآن حقاً تقييد النفوذ الاقتصادي للصين، ومن ثم يمكن أن تكون الهند مطيةً من نوع ما من أجل تحقيق ذلك الهدف، إذا لم تُستهدف من ناحية القيود على التكنولوجيا”.

 

المنافسة بين الصين والهند
مصافحة خلال قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي شي جين بينغ في بالي/ رويترز

وعززت الولايات المتحدة علاقتها بالهند، بما فيها تقديم عروض لها لشراء أسلحة أمريكية متقدمة، مع إمكانية تصنيعها محلياً، كما ألحقت نيودلهي بالتحالف الرباعي المناهض للصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، المعروف باسم كواد، والذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وبالطبع في سبيل استخدام الهند كأداة للتصدي للنفوذ الصيني تجاهلت واشنطن جهود رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، لإضعاف الديمقراطية الهندية، واضطهاده المنظم للمسلمين في بلاده.

من جانبها، تُقدم الهند نفسها حالياً كبديل للصين في سلسلة سلاسل التوريد العالمية، وتروج نفسها كمكان مناسب للشركات الغربية الراغبة في الخروج من الصين، سواء بسبب الخلافات الغربية مع بكين أو ارتفاع تكاليف الإنتاج أو تداعيات سياسة صفر كوفيد.

المنافسة بين الصين والهند تتزايد

في إحدى مظاهر المنافسة بين الصين والهند، بدأت شركة أبل تصنيع هاتفها آيفون 14 في الهند لتقليل اعتمادها على الصين، ولكن هناك مؤشرات على أن انتقال الاستثمارات من الهند من الصين يتعلق بالأجزاء الرخيصة من الصناعات المتقدمة، بينما على العكس يتعزز دور بكين في الأجزاء الأكثر تعقيداً، والأغلى ثمناً، والأعلى في القيمة المضافة، كما أن الشركات الصينية نفسها أصبحت تقدم منتجات متقدمة وأكثر موثوقية، ما يجعلها تعوض الخروج الغربي والياباني الجزئي.

وتكمن المشكلة في عدم وجود سوق أخرى لتأخذ مكان الصين محركاً للنمو العالمي. يقول أولاف برلين، الرئيس التنفيذي لشركة “أوسرام” Osram، إحدى أكبر شركات أنظمة الإضاءة في العالم، ومقرها ميونيخ، والذي حققت شركته أرباحاً كبيرة من التعامل مع الصين: “إن الهند لديها إمكانات، لكنها تفتقر إلى التنظيم بدرجة كبيرة”.

ويتوقع أن يكون التنافس الصيني الهندي، المدفوع بتحريض أمريكي، واحداً من أهم حلقات التوتر إشكالية في العالم، في ظل حقيقة أن البلدين لديهما أسلحة نووية وأكبر جيشين بريين في العالم، وتقودهما حكومتان ذواتا نزعات قومية متشددة، مع مصالح اقتصادية واسعة تربطهما.

وبسبب شراكة الهند القوية المستمرة (والمتنامية) مع الولايات المتحدة، فإنَّ سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ، الخاصة بالهند، تنظر إلى نيودلهي من منظور تنافسي عالمي، وإن لم يكن يعتبرها منافساً كاملاً. وتضيف هذه الرواية إلى العلاقات الحساسة والمتوازنة بدقة بين الصين والهند، فيما يتعلق بخط السيطرة الفعلية في لاداخ، وولاية أروناتشال براديش الهندية، ومسألة التبت.

ورغم هذا التنافس، تُواصل الصين والهند تبادُل العلاقات التجارية القوية، رغم برودة العلاقات الثنائية، حتى بعد عام 2020.

ويرجح أن حجم التجارة بين البلدين تجاوز رقماً قياسياً يعادل 100 مليار دولار بنهاية عام 2021. وفي الوقت نفسه بلغ العجز التجاري بين البلدين، الذي هو لصالح الصين، 30 مليار دولار، في عام 2021، في انخفاض كبير عن العجز البالغ 53.57 مليار دولار في 2018-2019.

وهذه النتيجة جاءت إلى حد كبير إثر التركيز على “القومية الاقتصادية” في الهند، التي تُنفَّذ محلياً (رؤية اعتماد الهند على ذاتها التي أعلنها رئيس الوزراء مودي)، وتلقى دعماً دولياً متعدد الأطراف (مثل مبادرة مرونة سلسلة التوريد).

 

إفريقيا ستصبح محط التنافس العالمي على شبابها وخاماتها

بينما تسعى الولايات المتحدة لتأهيل الهند لتكون منافساً للصين، فإن إفريقيا سوف تكون ساحة المنافسة الرئيسية بين القوى العظمى، ولاسيما الصين وأمريكا.

بحلول عام 2050، تشير الاتجاهات الحالية إلى أن القليل فقط من البلاد سوف تكون مسؤولة عن النمو السكاني في العالم، وغالبيتها في إفريقيا.

قال هانز روسلينج، الطبيب والأكاديمي السويدي، إن “الرمز التعريفي” الحالي للعالم هو 1114، ويعني أن هناك حوالي مليار شخص في الأمريكتين، ومليار في أوروبا، ومليار في إفريقيا، و4 مليارات في آسيا. بحلول عام 2050 سوف يكون الرمز التعريفي 1145، إذ سيتغير الرمز القديم ليصير 4 مليارات في إفريقيا و5 مليارات في آسيا.

يمكن لبلاد مثل نيجيريا وإثيوبيا أن تجني أرباح النمو السكاني، وتتخلص من العوز، وسواء فعلت هذه البلاد ذلك أم لم تفعل فإن النقص الشديد في تمثيل إفريقيا في المؤسسات العالمية، بدءاً من الأمم المتحدة، لا يُرجح أن يستمر. قال ستيوارت باتريك، مدير برنامج النظام العالمي والمؤسسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إنه مع نمو التعداد السكاني للقارة ستكون محور تركيز صراعات جيوسياسية أكبر.

أضاف باتريك: “سوف يكون تدافعاً ثانياً نحو إفريقيا، مع وجود منافسة قوية للغاية، تعد إفريقيا بكل وضوح مصدراً لكمية هائلة من المواد الخام، بما في ذلك النفط والغاز، لكنها آنذاك ستكون أيضاً مصدراً للمواد الخام اللازمة للتحول إلى الطاقة النظيفة، وهي نوعية المعادن التي يحتاجها المرء لبناء البطاريات ومثل تلك الأشياء”.

 

والدول الغنية ستضطر لاستيراد المهاجرين من العالم الثالث

إن مدى قدرة البلاد الإفريقية على إدارة نموها بنجاح سوف يزيد فحسب من كمية الوقود الأحفوري، الذي يتطلبه هذا العدد المتزايد من السكان من أجل تلبية توقعاتهم.

وتلك الزيادة في الطلب على الطاقة لن تُعوَّض من خلال انخفاض التعداد السكاني للصين، نظراً إلى أن تعدادها السكاني الأصغر سيظل يلهث وراء أنماط حياة الطبقة المتوسطة، وهو ما يستهلك مزيداً من الطاقة.

وكلما كان التدرج الديموغرافي بين الجنوب المزدهر، والشمال المنكمش أشدّ حدة، تزيد معه ضغوط الهجرة.

وقد يكون منطقياً من الناحية الاقتصادية أن البلاد الثرية الآخذة في الانكماش في أمريكا الشمالية وأوروبا سوف تستقبل أشخاصاً كي يضطلعوا بالأعمال التي تدعم السكان المسنين، لكن ذلك يجلب ردة فعل عكسية.

وقالت كارلا: “ربما يكون هناك نوع من الإدراك بأن السكان المسنين في البلاد الثرية يواجهون مشكلة حقيقية، ويحتاجون إلى استيراد مزيد من الأيدي العاملة، لكني أعتقد أنه في المناخ السياسي الراهن، فإن ذلك ليس ما نشهده على الإطلاق”.

المصدر : صحيفة The Guardian البريطانية  ـ ترجمة :عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع