د. يوسف الحاضري

فلم يستخدم أبليس افضلية العبادة لله في اظهار رفعته من آدم والتي كان سيظهر زور العبادة لأنه رفض عبادة السجود او كانت ستلزمه بالسجود كون السجود هو عبوديه لله عوضا عن انه لا مجال للمقارنة بين مخلوق من آلاف السنين ومخلوق مازال غير مكلف.

 إبليس مخلوق من الجن سعى جاهدا قبل ان يخلق آدم بأن يكون مقربا من الله عز وجل (من خلال نفسية الأستعلاء وليس الحب لله) ومن منطلق علمه الكبير ومعرفته بالله تحرك في عبادته لله مكثفا هذه العبادة، فأوصله الله تعالى إلى ما يريد فرفعه حتى اصبح في منزلة الملائكة في التوجيهات  (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس)، ولأن من سنن الله تعالى أنه يضع اي عبد له في محك الأختبار الحقيقي الفاصل ليظهر حقيقة خضوعه له وعبادته له فيكون الاختبار في أكثر شيء يعشقه العبد وهل لديه القدرة ان يتركها استجابة لله وتعبدا له ام انه سيتمسك بها ارضاء لنفسه وغروره، وهنا يظهر للعبد من هو ربه الحقيقي، فعرض أبليس لهذا المحك من جانب أكثر شيء يحبه وهو الرفعة والعلو لذا أمره الله بأن يتخلى عن ذلك للحظة بسيطة (لحظة سجدة لآدم) وهذا ما يعني خضوع غرور ابليس وكبرياءه لمخلوق جديد من تراب لم يعبد الله حتى هذه اللحظة وهو الذي جد وأجتهد آلاف السنين في عبادته لله وسعى ليكون الأكثر قربا من الله (قرب استعلاء على بقية الخلق وليس قرب خضوع وأنكسار لله).

ومن رحمة الله التي ترافق أي اختبار كهذه الاختبارات لتساند العبد في اجتيازه ان الله لم يأمر إبليس وحده ليسجد لآدم والذي قد يشعر ابليس ان هناك تعمد من الله لكسره (والعياذ بالله الحكيم العظيم الذي ليس كمثله شيء )، ولكن الله العزيز العظيم يدرك ان مثل هذه المشاعر قد تخالج نفس الشيطان كما تخالجنا نحن البشر مشاعر مشابهه لذا جاء الأمر للسجود جماعي ليشمل الملائكة بعظمتهم ومنزلتهم وخضوعهم لله ومكانتهن الرفيعة وذلك النور الذي خلقوا منه وهذا بحد ذاته أعظم مساندة لابليس ان يكون مع الملائكة ليسجدوا لآدم مما يعني أنه لا يوجد هناك أي فكره إذلال لأبليس أمام مخلوق آخر ولكنه ضمن مسار تعبد المخلوقين له حسب ما تقتضيه حكمته الكاملة المطلقة.

ورغم كل ذلك رفض إبليس رفضا مطلقا رغم ان الملائكة استجابوا جميعا مباشرة دون ادنى تردد ودون ان تفكير لذا جاءت الآية مرتبطة بحرف (الفاء) فقال تعالى (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) خضعوا مباشرة رغم ان منزلتهم الخلقية والعبادية والعملية أرفع من الجان الذي منهم إبليس ولكن تلك النفسية الأستعلائية الأستكبارية التي كان يمتلكها إبليس حالت دون ان يبصر بقلبه أن الذي امره بالسجود هو الله العظيم الذي خلقه وبيده كل شيء والذي يسعى إبليس وسعى ليتقرب منه اكثر واكثر ولو رضخ لأمر الله كان سيرتفع عنده أكثر واكثر (وهذه من خطورة دسائس التكبر والاستعلاء) حيث تعمي بصيرة صاحبها حتى لو كان نتاجها الهلاك كما رأينا امثلة كثيرة في هذا الجانب منها فرعون الذي رغم انه رأى موسى يشق البحر بضربة عصا فجعله كالطود العظيم وطريقا يبسا سهلا لبني اسرائيل الا ان تكبره واستعلاءه اعمى بصيرته رافضة ان تقبل ان يفر من بين يديه بني اسرائيل الذي كان ينظر اليهم بأستصغار واستنقاص ولا يجب ان يتركهم يفروا من بين يديه حتى لو رأى آيات عظيمة ربانية ولو وثق كل الثقة انه سيهلك وبالفعل تبعه الى داخل البحر وأهلكه الله ،بيد انه لو كسر كبرياءه قليلا  وابصر بقلبه انه لن يستطيع لموسى وقومه وعاد ادراجه ما كان ليموت ولكن مساوئ الكبر كارثية وهي ستدك عروش آل سعود وآل زايد قريبا إن شاء الله وفقا للسنن الإلهية الواضحة الجلية البينة.

 إبليس عاند ورفض رغم ان الله أعطاه فرص كثيرة ليتوب إليه ويعود الى أمره ويسجد لآدم غير ان ابليس وجد ان الحفاظ على كبرياءه أهم من طاعته لله وهذا الأمر نسف كل عباداته السابقة خلال آلاف السنوات والتي رفعته ليسقط بعدها فيصبح مذموما ملعونا ليخسر بعد ذلك كل شيء ، فخسر مكانته عند الله وخسر أعماله السابقة وخسر رحمة الله ليخسر الدنيا والآخرة.

 استخدم أبليس في توصيف منزلته العظيمة وفي وصف افضليته على آدم (التي صنعها هو لنفسه وفقا لمقاييسه وليست لمقاييس الله) المظهر الخارجي ليظهر حقيقته الاستعلائية والغرور والتي أصطنعها من العجب فقال (انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) مستخدما الضمير (انا) مرجعا لنفسه الفضل الذي يظن انه فيه ، ولم يستخدم افضلية العبادة لله والتي كان سيظهر زور العبادة او كانت ستلزمه بالسجود كون السجود هو عبوديه لله عوضا عن انه لا مجال للمقارنة بين مخلوق من آلاف السنين ومخلوق مازال غير مكلف  ، وايضا قال (لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) فقد تلكم بلغة الكبر والغرور (لم أكن لأسجد) لذا حل عليه غضب الله وسخطه بعد ان افتضحت حقيقته (ليس لله فهو يعلم كل شيء) من منطلق سنته (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) ولكن لابليس

 

نفسه وللجن وللملائكة وايضا دروس للخلق من بعده وهم (بني آدم) ليعرف الجميع عن حقيقة واضحة وبينه لماذا سخط الله عليه ولعنه وطرده من تلك المنزلة ،ومن هذه الامور نتعلم الدروس التالية :-

1- .الكبر والغرور والاستعلاء تهلك صاحبها في الدنيا وفي الاخرة مهما مد له الله في العمر والحياة.

2- يجب ان نسعى جاهدين وبأستمرار على قلع أي بذرة قد تظهر لنا في نفوسنا في هذا جانب الغرور والأستعلاء .

3- يجب ان نخضع نفوسنا ويوميا الى ممارسات التواضع سواء في واقع تعاملنا مع من حولنا او في تعاملنا مع الله جل وعلا بأن ننكسر دائما بين يديه

4- ان ننظر إلى الأمور التي نحن مرتبطين بها ارتباطا قويا من متاع الحياة او من صفات النفوس (فهذا يعشق الجاه مثلا وهذا يعشق الاموال وهذا يعشق الظهور وهذا يعشق الشهوات المختلفة ووو) ونؤدبها ونجعلها غير متعلقة بها تعلق البقاء لأن هذه الامور هي من سيختبرنا الله بها في تتمييزه لخبث انفسنا من إيمانها وصدقها من كذبها .

5- أن نوطن انفسنا للخضوع والاستسلام الكلي والمطلق لله تعالى وفقا لما يريده في القران فنخضع لكل اوامره ونواهيه التي تصادفنا في مسيرتنا الحياتية جملة وتفصيلا وأن نبتعد عن الأنتقائية في عبادتنا لله فالله يلعن من ينتقي حسب مزاجيته فهو يريد أن نعبده من حيث يريد هو وليس من حيث نريد نحن !

6- عدم الركون الى اعمالك (بكثرتها وكميتها) انها ستشفع لك عند الله فيما اذا خالفت أمر من اوامره الاخرى فها هو أبليس لم تنفعه عباده آلاف السنين وايضا نبي الله يونس بمكانته لم تشفع له بل عوقب بالرمي للبحر وابتلاع الحوت الا ان الرجوع والتسبيح لله من أنجاه.

7- شيطان يعني صفة وليس اسم جنس معين كما هو حال الملائكة والجان والإنس التي تعني اسماء لمخلوق ، فالشيطان يوصف بها كل مخلوق يعصي الله ويتسم بالغرور والتكبر والأستعلاء ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) فأحذر ان تكون شيطانا.

8- اذا لم تروض نفسيتك باستمرار للخضوع لله والتواضع لعبيده فإن الشياطين ستجرك للاستكبار والأستعلاء حتى تصل الى تلك المرحلة التي لا رجوع بعدها

9- لا تضع لنفسك اهدافا شخصية نفسية او مادية في طريق عبادتك لله لأن هذه الاهداف سيوصلك الله اليها وعندما تصل يعرضك للاختبار وعندها ستسقط بسهوله كون اساس عبادتك لله لم يكن قويم ووثيق بل هش بهشاشة اهدافك الذاتية وابليس اكبر امثله ذلك وهناك مثال اخر ذكره الله في سورة التوبة (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ، ألم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله علام الغيوب).

10- تدريب وتهذيب النفس بأستمرار على النظر للامور التي تحدث او للاشخاص الذين نصادفهم بنظرات قرانية مرتبطة بحكمة الله في خلقه او تهيئة مثل هذه الاحداث وماذا يريد الله منهم في مثل هذه الأوضاع ومع هؤلاء الأشخاص وليس بمنظور الانعكاس الذي سيحصل عليه الفرد من هذا او قد يفقده مما يجعل ردود فعله وتصرفاته المصاحبة تعكس اهدافه الشخصية وليس عبوديته لله.

وهناك من الدروس كثيرة وكثيرة يمكن لنا ان نستخرجها بالتدبر المستمر للقران ولآياته وعين على الحدث كما علمنا بذلك الشهيد القائد حسين الحوثي سلام الله عليه من حرر عقولنا ووجهها توجيها سليما وحقيقيا .

سنتكلم ان شاء الله في مقال قادم عن الدروس والعبر في تهديدات الشيطان إبليس بني آدم بأنه سيضلهم