السياسية- متابعات:
زكريا حمودان

 

ما تزال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في بداياتها، ونتائجها مستمرة ومتواصلة، ومن يعتقد أن العالم سيستقر فجأة فهو مخطئ، ذلك أن الأزمة عالمية وارتداداتها ليست بالبسيطة.

لا شك بأن توافقًا عالميًا حصل حول صادرات الحبوب التي تُعتبر روسيا طرفًا رئيسيا معنيًا بها، كما تأتي أوكرانيا من الدول المهمة في صادرات الحبوب ولها تأثير في السوق العالمية. وعملت العديد من الدول في اطار المصلحة الجيوسياسية إلى عدم المساس بهذه السلع تجنبًا لإعطاء روسيا أي دعم أو تعاطف أو تمكينها من التأثير في سياسات الدول المستوردة، وهنا نذكر أهم هذه الدول وهي: مصر، اندونيسيا، تركيا، الجزائر، بنغلادش، البرازيل، الفلبين، اليابا، المكسيك، الاتحاد الاوروبي، دول شرق المتوسط..

في حال نفّذت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة لهذه الصادرات، فإنها ستتأثر بهجمة عالمية كبيرة، وبالتالي فإنها تتجه نحو منحى آخر هي وحلفاؤها من الدول الغربية بهدف استفزاز روسيا والسعي لخروجها من مبادرة الممر الانساني الذي أقيم لتصدير الحبوب.

 

كيف ضربت أوكرانيا الممر الانساني؟

بحسب المعلومات المتداولة، فإنه فجر السبت ٢٩/١٠/٢٠٢٢ شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومًا جويًا وبحريًا واسعًا على أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول مستخدمة طائرات من دون طيار متطورة حصلت عليها من الدعم العسكري الغربي. الهجوم الأوكراني استهدف بشكل مباشر سفنًا حربية روسية منتشرة لحماية السفن التي تمر ضمن اطار مبادرة تصدير الحبوب، وتحديدًا حيث تمر السفن الاوكرانية التي تقوم بتصدير المنتجات الزراعية الاوكرانية.

استنادًا الى حطام الطائرة المسيّرة التي تم اسقاطها، ثبت بالدليل أن الطائرات من دون طيار تم اطلاقها من الساحل بالقرب من اوديسا بحيث تحركت ضمن المنطقة الأمنية الخاصة بممر الحبوب ثم انحرفت باتجاه شبه جزيرة القرم الروسية، بحيث تشير الاحداثيات الى أن أوكرانيا أو إحدى حليفاتها من الدول الغربية استخدمت السفن المخصصة لنقل الحبوب بهدف اطلاق المسيّرات منها.

وتشير المعطيات الى أن تعاونًا أميركيًا بريطانيًا فاعلًا جدًا قائم في هذه العملية، بحيث إن طائرة الاستطلاع الاستراتيجية الأمريكية من دون طيار RQ-4В Global Hawk شوهدت في المجال الجوي للبحر الأسود قبالة ساحل القرم يوم السبت.

 

تقرير الأمم المتحدة يشيد بالممر الانساني لصادرات الحبوب

بحسب تقرير الأمم المتحدة فإنَّ 390 سفينة تمكنت من استخدام الممر الإنساني على البحر الأسود، وأخذت حوالي 8.9 مليون طن من المواد الغذائية من موانئ أوديسا ويوجني وتشرنومورسك.

لكن المفارقة اليوم أنَّ الدول الغربية وتحديدًا دول الاتحاد الاوروبي تجد أن مصلحتها الرئيسية تقتضي مقايضة أوكرانيا على ملف الحبوب، بحيث تعطيها السلاح مقابل أخذ صادراتها من الحبوب حارمة دولًا محتاجة كالصومال ومصر واثيوبيا واليمن وفلسطين ولبنان وغيرها من الدول التي تعتمد على صادرات الحبوب، وذلك لان توقف اتفاقية الحبوب سيجعل الصادرات الروسية عرضة للقصف من جهة، والصادرات الاوكرانية تتجه نحو اوروبا، فبالتالي تُحرم الدول المستوردة من جهة وتتعرض للفقر، فيما تستأثر الدول الاوروبية بالصادرات الاوكرانية.

 

حاجة غربية لتشويه صورة روسيا

في اطار محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لعمليات الضغط بهدف اظهار روسيا وكأنها عدو للبشرية، ازدادت العقوبات على الصادرات الروسية مما فاقم الأزمة الغذائية العالمية، حتى وصل الأمر إلى وضع قيود على الهبات التي قد تقدمها روسيا لبعض الدول الصديقة.

اليوم عادت روسيا إلى اتفاقية ممر الحبوب لأنها تعتبر أن العالم المحتاج لصادرات الحبوب الروسية في الشرق الاوسط وافريقيا، بالاضافة الى الدول التي حُرمت الحبوب الأوكرانية، جميعهم يحتاجون إلى تقديم المصلحة الانسانية على المصلحة الذاتية، الأمر الذي قد يخفف من وطأة أزمة الغذاء العالمية التي يبدو أنَّ العالم مقبلٌ عليها عاجلًا أم آجلًا.

  • المصدر: موقع العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع