ماذا يعني انتخاب أول زعيم يساري كولومبي للقضية الفلسطينية؟
السياسية:
تشهد قارة أمريكا اللاتينية تغييرات جذرية في مشاهدها السياسية، مع التحول نحو اليسار بشكل لافت، وآخرها كولومبيا، التي انتخبت أول زعيم يساري في تاريخها، فما علاقة تلك التحولات بفلسطين تحديداً؟
بشكل عام تُعتبر أمريكا اللاتينية موطناً لأكبر الجاليات العربية، ويبلغ تعداد الجالية الفلسطينية فيها نحو 700.000 شخص، يعيش منهم نحو 100.000 في السلفادور تحديداً. ووطئ العرب أرض أمريكا اللاتينية لأول مرة أواخر القرن الـ19، عندما بدأت الإمبراطورية العثمانية تشهد نزوحاً جماعياً ضخماً لسكانها.
ومع اختيار العديد من البلدان في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية التجديد السياسي، فتح الباب على مصراعيه لموجة من الحكومات اليسارية في هندوراس وتشيلي والمكسيك وبيرو وبوليفيا والأرجنتين، ومؤخراً لحقت كولومبيا أيضاً بركب التغيير السياسي.
التحول الكبير في كولومبيا
وفي ظل هذه التغييرات السياسية الكبرى، المدفوعة بعوامل أغلبها داخلي بطبيعة الحال، تشهد بلدان القارة الأمريكية تحولات في موقفها من القضية الفلسطينية، فكيف كان موقف كولومبيا من الصراع في فلسطين؟ وهل حدثت تحولات كبرى بذلك الموقف.
موقع Middle East Eye البريطاني تناول إجابة تلك التساؤلات في تقرير عنوانه “ما الذي يعنيه انتخاب أول قائد يساري في كولومبيا لفلسطين؟”، فعندما أدى غوستافو بيترو، المقاتل السابق في حرب العصابات، اليمين بصفته أول زعيم يساري في كولومبيا، كان ذلك حدثاً تاريخياً بالنسبة لبلد شهد حرباً أهلية استمرت عقوداً ولم تنته رسمياً إلا في عام 2016.
وأدار بيترو حملة ترشح طموحة مبنية على وعود بإحداث تغييرات هيكلية واسعة النطاق، وإجراء إصلاحات سياسية، ومعالجة عدم المساواة وقضايا العدالة الاجتماعية في البلاد.
وعلى مستوى السياسة الخارجية يعتبر الرئيس الكولومبي الجديد مؤيداً قوياً للقضية الفلسطينية، رغم أنَّ هذا لا يشكل جزءاً كبيراً من جدول أعماله الرئاسي.
لكن قبل توليه منصبه، في أغسطس/آب الماضي، أدلى بيترو بعدد من التصريحات العلنية دفاعاً عن فلسطين ومحنة شعبها، التي وصفها ذات مرة بأنها “كفاح شعب من أجل الحرية والاستقلال”.
وفي مايو/أيار 2018، ندّد بيترو بالهجمات التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على سكان غزة خلال مسيرة العودة الكبرى، وغرّد عبر حسابه على تويتر: “أرفع صوتي ضد قتل الفلسطينيين، لا يجب ذبح الناس، يجب احترامهم ثقافتهم، وحقهم في الوجود تحت سماء الكوكب”.
قال المستشار السياسي في البعثة الدبلوماسية الفلسطينية لدى كولومبيا ألكسندر مونتيرو، لموقع Middle East Eye: “إنه شخص قريب جداً من القضية الفلسطينية”. وأضاف: “إنه رئيس دولة صديقة، لكن بعد ذلك يمكن أن يكون شخصاً متشابهاً في التفكير، يمكننا الوثوق به والسعي لحمل الرسالة الفلسطينية عند الضرورة”.
المؤلف والمحلل الكولومبي، فيكتور دي كورييا لوغو، الذي يركز عمله على الشرق الأوسط، يعتقد أنَّ انتخاب بيترو رئيساً لكولومبيا قد يمثل تحولاً في النهج والعلاقة الكولومبية مع فلسطين؛ بالنظر إلى أنَّ الحكومات السابقة كانت تربطها علاقات وثيقة بكيان إسرائيل.
ماذا يعني انتخابه للقضية الفلسطينية؟
دي كورييا لوغو، قال لموقع Middle East Eye: “فوز بيترو يفترض مسبقاً إمكانية تحسين العلاقة مع السلطة الفلسطينية. مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الحكومات السابقة كانت موالية تحديداً لكيان إسرائيل”.
وأضاف دي كورييا لوغو: “فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، من المتوقع أن ينطوي وصول المزيد من الشخصيات الديمقراطية إلى وزارة الخارجية على مزيد من الاعتراف والحوار مع ممثلي السلطة الفلسطينية في كولومبيا”.
وبالنسبة للفلسطينيين في الشتات في كولومبيا- الذين يتراوح عددهم بين 100 و120 ألف شخص- يعتبر انتخاب بيترو تغييراً مرحباً به، ومع ذلك يُقابل بالتحفظ والتوقعات الحذرة.
رغم التصويت لصالح الرئيس الجديد، فقد قلّل جورج سيمان، الكولومبي من أصل فلسطيني من أهمية وجود بيترو لفلسطين. وقال لموقع Middle East Eye: “هذا لا يعني شيئاً حقاً”.
وأخبر موقع Middle East Eye: “حكومة بيترو، على الرغم من اعتبارها إلى حد ما مناهضة للإمبريالية أو معادية للاستعمار، ففي الواقع لم تتخذ حتى مواقف فاترة نسبياً [تجاه فلسطين]. وبمجرد توليها السلطة كانت خيبة أمل مطلقة وعدم اتساق من الحكومة، وأنا متأكد أنَّ بيترو نفسه يدرك هذا”.
بغض النظر عن شكوك سيمان، يأمل مونتيرو أن تكون إدارة بيترو قادرة على “البحث عن السلام واحترام القانون الدولي”. يقول مونتيرو: “يمكننا المضي قدماً وتحسين علاقاتنا الدبلوماسية دون أي خوف. وعلى العكس من ذلك فإنها ستنقل رسالة عظيمة للسلام واحترام القانون الدولي”.
هل ستتأثر العلاقات مع الكيان الإسرائيلي؟
كما انتقد الرئيس الجديد كيان إسرائيل علناً قبل توليه منصبه. في عام 2019، قارن بيترو تصرفات الدولة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بمعاملة النازيين لليهود.
وغرّد قائلاً: “دولة العدو الإسرائيلي هي شيء والدين اليهودي شيء آخر، كما أنَّ الدولة الكولومبية شيء والدين الكاثوليكي شيء آخر. الخلط بين الدولة والدين هو سمة من سمات عقلية قديمة. كيان إسرائيل تمارس سياسات تمييزية ضد الفلسطينيين مثلما فعل النازيون ضد اليهود”.
ومع ذلك، فإنَّ دعم بيترو العلني لفلسطين- وكذلك تعليقاته حول الكيان الصهيوني – لم يضع الكثير من الضغط على علاقات بوغوتا الدافئة مع تل أبيب.
إذ بعد ترشيحه الرئاسي الناجح، هنأت وزارة الخارجية الصهيونية بيترو، وغردت: “نهنئ شعب كولومبيا والرئيس المنتخب غوستافو بيترو على انتخابات ديمقراطية ناجحة، ونتطلع إلى مزيد من تعزيز العلاقات بين كيان إسرائيل وكولومبيا وبين شعبينا”.
وانعكس هذا الود بين حكومة بيترو الجديدة والكيان الإسرائيلي في وقت مبكر من ولاية الحكومة الجديدة. ففي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، التقى رئيس مجلس الشيوخ الكولومبي، روي باريراس، بالسفير الصهيوني لدى كولومبيا لمناقشة “أجندة التعاون الثنائي”.
أثار الاجتماع حفيظة بعض أعضاء الجالية الفلسطينية في كولومبيا، الذين شعروا بأنهم يتعرضون للتهميش من حكومة بيترو. وقال سيمان للموقع البريطاني: “[قضيتنا] ليست أولوية”.
وقال دي كورييا لوجو “لذلك، لا أعتقد أنَّ هناك حساسية كافية لما تعنيه القضية الفلسطينية، وهناك تعامل براغماتي إلى حد ما مع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي”.
إنَّ القرب بين كولومبيا والكيان الإسرائيلي ليس بأي حال من الأحوال تطوراً جديداً؛ فقد أقام سلف بيترو، اليميني إيفان دوكي، علاقةً وثيقة مع تل أبيب خلال فترة ولايته.
يبقى أن نرى بالضبط كيف ستتطور علاقة بيترو مع كيان إسرائيل خلال فترة رئاسته. يتوقع سيمان حدوث تحول طفيف في نبرة الخطابات على عكس صداقة دوكي الحميمة، لكن لا شيء من شأنه تغيير العلاقات جذرياً.
وقال “دبلوماسياً ستكون هناك تهدئة طفيفة في أفضل الأحوال؛ لأنَّ الشخصيات الدبلوماسية في كولومبيا تحدثت لصالح فلسطين وواقعها في الماضي. ومع ذلك على مدى السنوات الأربع المقبلة، سوف تستمر الصهيونية”.
لكن بغض النظر عن القرب الأولي لإدارة بيترو من كيان إسرائيل، لا يزال سيمان يأمل في أن يعمل الرئيس الجديد على الدفاع عن قضيتهم أثناء وجوده في منصبه.
وقال سيمان: “أطلب منه أن يستمر في اعتبار القضية الأكثر عدلاً في عصرنا، القضية الفلسطينية، قضيته الخاصة. وأطلب الاتساق بين ذلك وموقفه تجاه الشعب الفلسطيني دولياً ومحلياً”.
المصدر : موقع Middle East Eye البريطاني ـ ترجمة :عريي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع