السياسية ـ وكالات:

 

 

صرح المستشار الألماني أولاف شولتس في أكثر من مناسبة مؤخرا بأن الغرب يسعى إلى مساعدة أوكرانيا بـ “خطة مارشال للقرن الحادي والعشرين”، فما هي خطة “مارشال” الأصلية؟

يرجع تاريخ خطة “مارشال” الأصلية إلى يوم 5 يونيو 1947، حين ألقى وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال كلمة في جامعة هارفارد، أوجز فيها برنامجا للمساعدة في إعادة بناء أوروبا التي مزقتها الحرب، وسمي هذا البرنامج بخطة “مارشال”.

ويمكن القول إن خطة “مارشال” الخاصة بإعادة بناء أوروبا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية بدمارها الهائل، كانت بمثابة البداية السياسية للحرب الباردة، وذلك لأن أي حرب حتى وإن كانت باردة، يجب أن يتم تغذيتها اقتصاديا، وبالفعل أصبحت “خطة ” مارشال الأداة الاقتصادية التي أطلقت العنان للحرب الباردة.

يشار إلى أن الحرب العالمية الثانية، التي كانت انتهت لتوها على الأرض، تسببت في إلحاق أضرار اقتصادية ومادية وديموغرافية فادحة بجميع البلدان من دون استثناء. وعانت جميعها من أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة. دولة واحدة فقط هي الولايات المتحدة مرت بفترة الحرب العالمية، بسهولة نسبية وأحيانا بحماسة ونشاط وفوائد.

وللدلالة على فداحة الوضع الاقتصادي في أوروبا بعد الحرب، نشير إلى ركود الاقتصاد البريطاني، وانخفاض الإنتاج في ذلك الوقت في بعض الصناعات بنسبة 25-50٪ عن مستويات ما قبل الحرب. وبلغ الدين الخارجي لبريطانيا رقما فلكيا، 25 مليار جنيه استرليني.

أما فرنسا فقد فقدت 60٪ من إنتاجها، في حين فقدت ألمانيا سيادتها تماما وتم تقسيمها إلى مناطق احتلال.

وفقدت إيطاليا 25٪ من إنتاجها. وكانت دول أوروبية أخرى في وضع مماثل، وكانت ألمانيا النازية قد استولت على العديد منها من قبل.

وبالنسبة لأوروبا الشرقية فقد كانت في حالة خراب كامل بعد المعارك المدمرة والعنيفة مع النازيين، والتي خاضها الجيش الأحمر.

الخسائر الديموغرافية كانت الأكثر فظاعة وبلغت ما بين 55-60 مليون قتيل، وما يصل إلى 100 مليون بين جرحى ومشوهين ومتضررين.

فقط في الولايات المتحدة لم يكن الوضع بائسا بمثل هذه الدرجة. نتيجة للحرب، استحوذ الاقتصاد الأمريكي على حوالي 60٪ من الإنتاج الصناعي وأكثر من 30٪ من صادرات دول العالم الرأسمالي، وكذلك ما يقرب من 70٪ من احتياطي الذهب في العالم، وحانت الفرصة بالنسبة للولايات المتحدة لتقرير كيفية ترتيب الوضع اقتصاديا في أوروبا ما بعد الحرب.

حسب الأمريكيون كل شيء بطريقة عسكرية تماما. جورج مارشال، وهو جنرال أمريكي متقاعد عرض عليه الرئيس الأمريكي الجديد هاري ترومان منصب وزير الخارجية في إدارته.

مارشال يمكن تصنيفه على أنه من “الصقر”. وفي ذلك الوقت تنافست مجموعتان سياسيتان في الولايات المتحدة، وفيما كان “الصقور” مع التدخل المستمر في الشؤون العالمية، طالب الانعزاليون الجدد بحصر المجال في العالم الجديد فقط.

ساد التوجه الأولى، على الرغم من أن الأخير كان مدعوما من قبل هنري والاس، نائب رئيس الولايات المتحدة السابق، والذي كان وصف خطة “مارشال” بأنها أداة للحرب الباردة.

عرض مارشال أن تمنح أوروبا مبلغا هائلا في تلك الأوقات يقارب 13 مليار دولار. بهذه الأموال، كان من الممكن عمليا إعادة بناء العديد من البلدان من جديد. من أجل تحديد من يحصل على المبلغ، شكل الأمريكيون لجنة خاصة للمساعدات الاقتصادية، والتي عملت مع حكومات الدول الأوروبية، لتحديد مقدار المساعدات.

وبحسب هذه الخطة، لم يتلق الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية المساعدة، ورفضت فنلندا ذلك بنفسها.

بلغ المبلغ الإجمالي للاعتمادات بموجب خطة مارشال من 4 أبريل 1948 إلى ديسمبر 1951 لأربع سنوات على الشكل التالي: بريطانيا (2.8 مليار)، فرنسا (2.5 مليار)، إيطاليا (1.3 مليار)، ألمانيا الغربية (1.3 مليار)، هولندا (1 مليار). وفي المجمل، شاركت 16 دولة أوروبية في مناقشة الخطة وتلقي المساعدة.

وتماما بحسب قاعدة “الإقراض والتأجير”، التي تنص على الدفع مقابل المساعدات المقدمة إلى الاتحاد السوفياتي خلال سنوات الحرب، جرت إعادة المعدات والأسلحة المقدمة إلى الاتحاد السوفيتي إلى الولايات المتحدة، فلم تكن خطة “مارشال” خطوة لنكران الذات على الإطلاق، فقد أصبحت دول أوروبا سوقا مربحة، ونوعا من المستعمرات الأمريكية.

كانت معظم المساعدات عبارة عن وقود ومنتجات ومعدات زراعية، ما يعني أن عائداتها مرجعها إلى أمريكا، ما وفر قوة دفع قوية لتنمية الاقتصاد الأمريكي.

وكما يقول المثل: الجبن المجاني لا تجده إلا في مصيدة فئران. ولذلك ترتبط السياسة بالاقتصاد بخط مستقيم. وذاك ما حدث حينها، وكان أحد شروط خطة “مارشال”، منع الشيوعيين وقوى اليسار الأخرى من دخول حكومات البلدان المتلقية للمساعدات، وكان ذلك تأثير سياسي مباشر.