م. زياد أبو الرجا*

للجزائر ميزة تميزها عن اي دولة عربية ، حين تسمع الاذن كلمة الجزائر او يقع النظر عليها في كتاب او على شاشة تلفاز فان العقل المتلقي لا ينشغل بموقع الجزائر الجغرافي ولا بالطبيعة الخلابة ولا بثرواتها، للجزائر مدخل واحد للعقل وصورة ثابتة فيه لا تتغير ولا تتبدل مع الزمن لانها منحوتة في العقل (( الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، بلد الثوار الاحرار، بلد الوفاء للتاريخ العربي – الاسلامي، بلد صقر الصحراء الامير عبد القادر الجزائري، الجزائر الدولة التي موقفها مختصر لا لبس فيه مع فلسطين ظالمة او مظلومة.)).

هذه الميزة تنفرد بها الجزائر ولا يشاركها احد. سواء دولة او كيان او حزب. حتى فيتنام التي قدمت ملايين الشهداء على مذبح حريتها ووحدتها الوطنية نراها اليوم تدور في الفلك الامريكي. اما الجزائر  على الرغم من عشرية الارهاب الدموي الذي رعته وسلطته قوى الامبريالية وادواتها المتخلفة والمتقمصة برداء الدين لم تغير ولم تبدل بل بقيت امينة لدماء الشهداء وتضحيات الشعب وذلك بالحفاظ على الثروة الوطنية من معادن ونفط وغاز .. الخ وفي خدمة التنمية الوطنية. بعد ان تجاوزت الجزائر عشرية الارهاب الدموي الاولى في تسعينيات القرن المنصرم ارادت القوى التي قادت عشرية الدم الثانية ان تسلطها على الجزائر من خلال جنود برنارد ليفي والمستعمر الفرنسي وامريكا، وزجوا بالقوى الارهابية في الجنوب الجزائري والاخوان المسلمين في الشرق الليبي وتونس ومن المغرب التي طبعت حكومة الاخوان المسلمين فيها مع الكيان- والذي ذهب وفد حماس الاخواني ليبارك لهم –

صمدت الجزائر امام كل المغريات والتهديدات خلال العشرية الدموية الثانية التي اجتاحت المنطقة العربية، ونسجت بحكمة وصلابة تحالفاتها الاقليمية والدولية. من الطبيعي ان تكون الجزائر – حكومة وشعبا ومؤسسات مجتمع مدني – حريصة على القضية الفلسطينية. من هنا جاءت المبادرة الجزائرية  تتويجا للمبادئ الراسخة في وجدان وضمير الشعب الجزائري قبل ان تكون سياسة دولته وحكوماته.

ان المبادرة الجزائرية بالدعوة لمؤتمر المصالحة الفلسطينية تنطلق من القراءة الصحيحة للصراع في الاقليم وعلى الاقليم خلال العقدين الاولين من القرن الجديد، حيث افرزت عناوين ومقدمات ونتائج تمثلت في:

اولا :- تحرير الجنوب اللبناني من احتلال الكيان وسقوط دميته العميلة في الجنوب.

ثانيا:- الحاق الهزيمة الساحقة الماحقة بمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي تبنته امريكا والكيان وادواته في المنطقة  وبشرت به وروجت له غنداليزا رايس هذه الهزيمة النكراء التي الحقها حزب الله بالمشروع بدعم مباشر من محرك ودينامو محور المقاومة سورية .

ثالثا:- هزيمة مشروع اسقاط الدولة السورية حيث اراد الاعداء معاقبتها على دعمها للمقاومة وكان الرهان عاليا جدا اسقاطها من قبل اطراف العدوان الثلاثي على سورية المتمثل بحلف الناتو ومخلبه اردوغان وقاعدة المركز الامبريالي في فلسطين ( الكيان) وقوى الارهاب الدولي الممول عالميا وعربيا وراس حربته داعش والقاعدة والاخوان.

سقط الرهان وسقطت المشاريع التي اعدت وجهزت لما بعد السقوط، وصمدت الدولة السورية وبقيت المحرك الرئيسي لمحور المقاومة ومركزه دمشق قصر المهاجرين وجبل قاسيون هذا الجبل الذي يبقى الشاهد على مجد العرب والمسلمين من اليرموك وعين جالوت وحطين .

رابعا:- فشل كل حروب الكيان على غزة قلعة المقاومة الفلسطينية التي اراد الكيان منها ان يقدم نصرا يبيعه لمستوطنيه الذين يعيشون هاجز الرعب من اجتياح حزب الله للجليل. صمدت المقاومة في غزة ودحرت كل محاولات الكيان، وجاءت معركة سيف القدس لتضع النقاط على الحروف(( غزة المقاومة والعزة، ليست عصية على الكيان وحسب وانما تهديد وجودي للكيان برمته)) .

خامسا:- فشل كل المشاريع التي هدفت الى اسقاط حزب الله كقائد وطليعة لمحور قوى المقاومة الشعبية.

سادسا:- خروج اليمن كقوة اقليمية يحسب حسابها في محيطها الاقليمي بعد ان قضت على مشاريع التهميش والتفتيت ويحسب حسابها في اي منازلة مع الكيان.

سابعا:- العملية العسكرية في اوكرانيا الدائرة بين روسيا والناتو ارخت بثقلها على الناتو الذي اصبحت دوله ترزخ تحت  الهزائم وتململ شعوبه وانهيار اقتصاداته واخذت التداعيات تولد ما طرحه لافروف(( الهدف الاستراتيجي للعملية العسكربة هو الاطاحة بنظام القطب الواحد واحلال نظام متعدد القطبية وعادل)). واخذت ملامح هذا النظام تتشكل على ارض الواقع.

ان محصلة الصراع خلال العقدين الماضيين تتلخص بالتالي:- ان الكيان الصهيوني فقد قدرته على التوسع وفشل في المهمة التي كانت مبرر وجوده على ارض فلسطين القائمة على ترحيل السكان الاصليين وتحويل فلسطين الى دولة يهودية ديموغرافيا وعدم قدرة جيش الكيان عن مواجهة قوى المقاومة وجيوش محورها والاهم من ذلك ان الكيان يعيش ازمة الوجود. والاتجاه العام هو حالة الانكسار التي يعيشها، ولا يفيده التطبيع مع بعض الدول العربية ولا النافخون في بوقه ومزاميره من الطابور الخامس وازلام    ال N.G.O.

ان الوضع الراهن يشير بكل وضوح الى انتصار امتنا القادم شريطة ان نحسن قراءته ونتقن التحالفات ونسمو على الاحقاد ونترفع عن العقل الرغبوي.

من هذا المنطلق جاءت الدعوة الجزائرية للفصائل الفلسطينية لعقد لقاء للمصالحة الوطنية. هل تنجح الجزائر في سعيها النبيل؟ لا اريد الاجابة بنعم او لا ، بل ساطرح الاسئلة التالية ، هل الفصائل الفلسطينية ارتقت الى مستوى الصراع والتحدي؟ هل تجسد امال وتطلعات الشعب الفلسطيني بعد مضي قرن من الصراع مع المركز الامبريالي وقاعدته المتقدمة( الكيان) في فلسطين؟ للاجابة على هذه الاسئلة وخاصة الاخير اقول ان وجود اربعة عشر فصيلا فلسطينيا هو انعكاس للوضع الاجتماعي والثقافي للشعب   الفلسطيني لم ينتقل ثقافيا وحضاريا من حالة البداوة التي تسودها الفردية والمزاجية والقانون الفردي والاهواء والرغبوية  والعصبية القبلية او المناطقية. البداوة التي تبيح للفرد ان يتصرف على هواه دون الاخذ بمصالح الاخرين. لم ينتقل الى مجتمع التمدن الذي تحكمه اخلاقيات وقواعد سلوك  وضوابط  وتشريعات وسياسة وقوانين ناظمة تذوب فيه كل ما يتعلق بمجتمع البداوة  ليتحقق فيه مصلحة الفرد بمصلحة الكل .

في الحالة الفلسطينية حيث الاغلبية الساحقة تعود جذورها القريبة الى الجماعات الريفية الاقرب الى البداوة منها الى  مجتمع البداوة منها الى المجتمع المدني وتلك الجماعات البدوية  المتمثلة بالعشائرية المتناحرة حيث المزاجية والفردية والفوضوية والتي زادها الشتات والعيش في المنافي عمقا وتجذرا. كلها عوامل معوقة تراكمت امام الفلسطيني وجعلته عاجزا  عن عبور الجسر (( الممر الاجباري والوحيد)) الى المجتمع المدني والمتمدن الواحد والموحد الذي ينتج قواعد سلوك ومناهج تفكير واساليب عمل لا تمت الى الماضي بصلة ومنسجمة مع متطلبات العصر وادارة الصراع مع العدو.

الى ان نعبر هذا الجسر سنبقى منقسمين ثقافيا وسياسيا وفصائليا. إنني اشفق على الجزائر التي ارادت ان تنتشل الشعب الفلسطيني من الضياع ولم يبق امام الدول المحبة للشعب الغلسطيني الا التعامل مع السلطة الفلسطينية واما البقية الباقية سيعودون لعادتهم القديمة بكيل الاتهامات للاخرين وصب اللعنة على الشياطين.

عندما تابعنا لقاء المصالحة في الجزائر قرأنا لغة الجسد لممثلي الفصائل وخاصة جلسة التوقيع على محضر الاتفاق ودققنا في سيماء وجوههم، لاحظنا دون عناء انهم ارغموا على الذهاب الى الجزائر خجلا من بلد الشهداء ودولتها الراعية. وينطبق عليهم المثل الفلسطيني وهنا اشدد على القاعدة اللغوية (( التشبيه مع الفارق)) يقول المثل الفلسطيني:كلب تجرو بالمرس لا عوا ولا احترس.

الف تحية للجزائر واهل الجزائر

ولا عزاء للشعب الغلسطيني الحائر بين هذه الدوائر الفصائلية الا بنادق غزة والضفة.

* المصدر :موقع إضاءات الإخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع