أسعار الفائدة والدولار يفاقمان مصاعب العالم الاقتصادية
السياسية ـ وكالات:
على امتداد أسبوع كامل ناقشت الجلسات المكثفة للاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن ملفات عدة، بدءاً من التحديات الجيو-سياسية ومروراً بالتضخم والارتفاعات الكبيرة في ارتفاع أسعار الفائدة والديون وآثار قوة الدولار الأميركي على عملات وتجارة العالم وصولاً إلى ملف المناخ.
وأظهرت الجلسات التي شارك فيها وزراء وصناع قرار ومؤسسات مالية كبرى أن المشكلة العالمية اليوم تكمن في “الارتفاع السريع لأسعار الفائدة الأميركية”، فمع تحرك “الفيدرالي” لترويض الأسعار المحلية المرتفعة تسببت قوة الدولار في متاعب لعملات العالم تجاوزت الحدود الأميركية، مما أدى إلى ارتفاع التضخم في أماكن عدة ورفع احتمال تقلب الأسواق وتعمق الفقر والباطلة، وربما نسف الأهداف الإنمائية للألفية.
وربما قدمت العبارة التي رددها محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني عندما قال “ما هو ضروري هو فهم شامل للتداعيات عبر الحدود للسياسة”، اختصاراً كاملاً لما هو حاصل اليوم.
كذلك فإن الهجمة الأميركية وتسييس قرار “أوبك+” الأخير بخفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، ما هو إلا تأكيد على أخطار الزج بالمصالح السياسية عند التحرك لاتخاذ قرار اقتصادي محكوم بالحقائق على أرض الواقع.
ومع استعداد بنك الاحتياط الفيدرالي لتمديد سلسلة زيادات أسعار الفائدة الضخمة لاجتماع آخر بعد أن أظهرت البيانات الجديدة التي نشرت يوم الخميس تسارعاً مثيراً للقلق في التضخم الأساس، ومن ثم يجتمع في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) لزيادة أخرى متوقعة للفائدة، يعتبر الاقتصاديون اليوم أن الزيادة الرابعة على التوالي في معدل الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية من شأنها أن تحول معدل الأموال الفيدرالية إلى نطاق مستهدف جديد من 3.75 في المئة إلى أربعة في المئة وأصبحت نتيجة مفروغاً منها.
ومن المتوقع أيضاً أن يحافظ الاحتياط الفيدرالي على أسعار الفائدة عند مستوى يقيد الاقتصاد بنشاط لفترة أطول مما كان متوقعاً في البداية.
في أحد أعتى الاجتماعات التي عقدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ الأزمة المالية، لخصت وزيرة المالية الإندونيسية ورئيسة مجموعة الـ 20 الاقتصادية سري مولياني إندراواتي الحال المزاجية، وقالت في ملاحظاتها الختامية أمام اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في واشنطن العاصمة إن “الوضع الاقتصادي العالمي أصبح أكثر صعوبة والعالم في وضع خطر”.
وكانت إندراواتي وآخرون مليئين بالحديث عن الخلافات الجيو-سياسية والتداعيات الاقتصادية السلبية من بلد إلى آخر، والآثار الجانبية غير المقصودة المتدفقة من رسالة صندوق النقد الدولي التي مفادها بأنه يجب على البلدان “مواصلة المسار” في مكافحة التضخم من طريق زيادة كلف الاقتراض بسرعة.
وقالت المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إن العالم يشهد انتقالاً من القدرة على التنبؤ، حيث أسعار الفائدة والتضخم منخفضة، إلى عدم الاستقرار.
وأضافت، “الصدمة على الصدمة”، موجهة المشاركين في الجلسات إلى أنه “علينا أن نعمل حقاً على تغيير طريقة تفكيرنا لنكون أكثر احترازية ومستعدين لمزيد من عدم اليقين”، وناشدت البلدان “تحديد المشكلات ومن ثم حشد الإرادة لحلها”.
وتقاسم المشاركون وجهة نظر الصندوق بأن الاقتصاد العالمي كان في وضع صعب وأن الأسوأ لم يأت بعد.
وفي الواقع اعتقد كثيرون أن التوقعات الأخيرة للصندوق في شأن النمو بنسبة 2.7 في المئة العام المقبل التي تم خفضها بشكل كبير عن التقديرات التي تم إجراؤها خلال الربيع، لا تزال متفائلة للغاية.
وكان الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود الذي من المحتمل أن يتضخم بسبب عدم الاستقرار المالي من النوع الذي شهدناه خلال الأسبوع في المملكة المتحدة، وسيظل التضخم مرتفعاً بشكل غير مريح حتى عام 2023 أيضاً، مما يجبر البنوك المركزية على الاستمرار في التشديد.
كبير الاقتصاديين في “بنك سيتي الأميركي” ناثان شيتس قال “نشهد تطورات وتحديات إما جديدة تماماً أو لا تشبه أي شيء كان موجوداً منذ عقود على الأقل”، مضيفاً أن الأمر “يخلق ضغوطاً وصعوبات لصانعي السياسات وهم يبتكرون مناهج ليكونوا قادرين على تحقيق أهدافهم، بما في ذلك التضخم والاستقرار الكلي والمالي”.
من جانبه، حذر رئيس الاقتصاد العالمي في بنك “بي إن بي باريبا” مارسيلو كارفالو من أن إعادة التضخم إلى أهداف البنوك المركزية طويلة الأمد البالغة اثنين في المئة سيستغرق وقتاً، ومن الصعب القيام بذلك.
كما أن الرأي العام السائد في تلك المناقشات هو أن البنوك المركزية، بما في ذلك الاحتياط الفيدرالي، يجب أن تستمر في رفع أسعار الفائدة، ومع ذلك أقر الاقتصاديون بأن إيجاد التوازن الصحيح بين احتواء ضغوط الأسعار وتدمير الطلب أمر محفوف بالصعوبات.
وقالت شيتس إنه يجب على صانعي السياسات المضي قدماً “بكثير من الأمل والقلب لأنك لا تعرف حقاً ما الذي سينجح”.
بريطانيا نحو الانهيار
ويعتقد بعض الاقتصاديين أن الإجراء الذي اتخذه صانعو السياسة حتى الآن كانت له نتائج عكسية، فما علينا سوى النظر إلى الفوضى التي أحدثتها الموازنة المصغرة للحكومة البريطانية الجديدة، والتي أقل ما يقال عنها أنها أدمت الأسواق وأطاحت برأس وزير الخزانة كواسي كوارتنج وأجبرت تراس على التراجع عنها.
ومن المفارقة أن كوارتنج كان حاضراً في اجتماعات المقرضين الدوليين بواشنطن، وكان عليه أن يتلقى صفعات من الانتقادات الحادة من قبل صندوق النقد بالنيابة عن تراس لسياسة خفض الضرائب القائمة على تراكم الديون التي يمكن أن تدخل الحكومة البريطانية في دوامة العجز لعقود طويلة مقبلة.
كوارتنج عاد الخميس في وقت باكر من الاجتماعات لإجراء محادثات طارئة مع رئيسة الوزراء من دون أن يعلم بتخلي تراس عنه.
وكما تقول “فاينانشيال تايمز”، فإن ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة في بريطانيا واقع تم الاستشهاد به عالمياً كدرس حال مثالية لما يمكن أن يحدث إذا لم تكن الحكومات حريصة على تنسيق السياسة المالية والنقدية.
وبينما يتابع العالم التخبط البريطاني على أعلى المستويات، خرجت جورجيفا بمطالبة المملكة المتحدة بإجراء تعديلات سريعة قائلة، “لا تطيلوا الألم”.
وقال مسؤولو الصندوق إن الحكومة كانت تضغط على دواسة الوقود بينما قام بنك إنجلترا بتطبيق المكابح، وبدلاً من ذلك قالوا إن الوزراء كانوا يتجهون إلى اليسار بينما يسحب البنك المركزي عجلة القيادة إلى اليمين، وفي كلتا الصيغتين أشاروا إلى أن السيارة الاقتصادية في المملكة المتحدة كانت تتجه نحو الانهيار.
ومع استعداد الوزراء ورؤساء المؤسسات المالية الكبرى والخبراء للعودة إلى ديارهم بعد الاجتماعات الشخصية الأولى والمطولة منذ بدء جائحة كورونا، يدرك هؤلاء جيداً المهمات الصعبة المقبلة للسياسة المالية والنقدية.