الحرب الباردة: لماذا لم يهوي العالم في براثن حرب عالمية ثالثة؟
بقلم: مارين جانين
ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”
في منتصف القرن العشرين، لم تعد القوى الأوروبية الكبرى قبل الحرب موجودة، حيث بقيت قوتان عظيمتان فقط في العالم:
– الولايات المتحدة الأمريكية
– الإتحاد السوفيتي.
يستعد الإخوة السابقون، الذين تحالفوا لمحاربة ألمانيا النازية وإمبراطورية اليابان، لتمزيق أنفسهم في صراع دون مواجهات مباشرة، لكنه يهدد باندلاع الحرب العالمية الثالثة لما يقرب من نصف قرن.
بعد الحرب العالمية الثانية، انقسمت القارة الأوروبية إلى قسمين، عززت الولايات المتحدة الأمريكية من تحالفها مع الدول الغربية من خلال منحها قروضاً كبيرة من خلال خطة مارشال*1، بينما أنشأ الاتحاد السوفيتي حكومات موالية للسوفييت في الشرق من البلدان المحررة.
وعلى حد تعبير ونستون تشرشل – رئيس وزراء المملكة المتحدة – سقط «الستار الحديدي» – مصطلح يصف الحدود السياسية التي تفصل أوروبا إلى منطقتين جرى العمل به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945 حتى نهاية الحرب الباردة في العام 1991- في القارة العجوز، ويفصل الآن بين الشرق والغرب.
يحلل بيير جروسر، الباحث في تاريخ العلاقات الدولية والأستاذ في “معهد الدراسات السياسية في باريس- Sciences Po Paris ” في العام 1945، لم تكن مشاركة أوروبا خياراها، إنها حقيقة عسكرية.
هناك انهيار للقوى الأوروبية: المزيد من ألمانيا، المزيد من الدول الشرقية… وفي مواجهة هذا الفراغ، يجد الاثنان الكبيران، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، نفسيهما ينظمان خريطة العالم.
في العام 1945، لا يزال هناك ما يشبه التعاون بين القوتين، ولكنه سرعان ما ينهار في مواجهة أدلة التنافس فيما بينهما.
أيديولوجيتان متعارضتان:
يوضح بيير جروسر “على الجانب الأمريكي، فإن معارضة السوفييت هي معارضة جيوستراتيجية وأيديولوجية، حيث يُعتبر الأمريكيون، خاصة مع تجربتهم في الأنظمة الشمولية، عسكريين وتوسعيين بأي حال من الأحوال، لذا، لا ينبغي أن نسمح للأنظمة، وخاصة الاتحاد السوفيتي، بالسيطرة على أوراسيا بأكملها، وفي الوقت نفسه، هناك هذه الأيديولوجية الشيوعية التي يكرهونها، وهذه الكراهية هي جوهر الأيديولوجية الأمريكية، بالنسبة لهم، إنه الأسوأ: الجماعة، الإلحاد “…
على الجانب السوفيتي، تعود بدايات الحرب الباردة بالفعل إلى العام 1917، فمنذ الثورة، كان هناك صراع أيديولوجي بالنسبة لهم واليقين بأن التاريخ يسير في اتجاه انتصار الشيوعية.
سوف تنتصر الشيوعية بشكل طبيعي، ولكن إذا تمكنا من المساعدة من خلال تقويض الإمبراطوريات الاستعمارية للأوروبيين…. هناك إيمان حقيقي بالمستقبل.
دعونا لا ننسى أن الاتحاد السوفياتي كان معزولا إلى حد كبير قبل العام 1939، حيث شهد حربا، حُصد من خلالها أرواح 27 مليون شخص على أراضيه.
وهي لذلك متوترة إزاء ما حققته بفضل مختلف مؤتمراتها ونجاحاتها العسكرية وبمجرد أن يتعدى الغرب على هذه الأراضي الجديدة، يرى الاتحاد السوفيتي تحالفاً من جميع الدول الرأسمالية الإمبريالية ضد الشيوعية.
المواجهة بين القوتين هي في الأساس لعبة مؤثرات، لكنها سوف تصل في القريب إلى المجالات العلمية والصناعية والفضائية والرياضية والعسكرية.
في العام 1949، اختبر الاتحاد السوفيتي القنبلة الذرية لأول مرة، بينما في نفس العام، أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف عسكري بين دول الكتلة الغربية.
الحرب الكورية: محفز للحرب الباردة
في آسيا، في العام 1950، سقط العالم بالفعل في مستنقع الحرب الباردة، ففي أغسطس 1945، في يالطا في شبه جزيرة القرم، تم تقسيم كوريا من قبل الحلفاء إلى منطقتين على جانبي خط العرض 38، إحداهما تحت النفوذ الروسي والأخرى تحت النفوذ الأمريكي.
بعد خمس سنوات، قرر الجيش الكوري الشمالي كسر الوضع الراهن، وفي 25 يونيو 1950، عبرت خط العرض 38 وكانت على أبواب سيول، مما خلق التهديد الموضوعي للحرب العالمية الثالثة.
قدم العدوان الكوري الشمالي والحرب الكورية التي تلت ذلك، الحافز المثالي لتبرير التبني الفعال لعقيدة ترومان، «سياسة الاحتواء» التي أنهت الانعزالية الأمريكية.
حتى بدون استشارة الكونغرس، قرر الرئيس هاري ترومان إرسال قوات إلى كوريا في 26 يونيو.
في اليوم التالي، دعا مجلس الأمن الدول الأعضاء إلى صد العدوان الشيوعي «من أجل ضمان السلام والأمن في المنطقة».
وفي الخريف، صدت قوات الأمم المتحدة الهجوم الكوري الشمالي، حتى أنها استولت على العاصمة بيونغ يانغ.
ثم دخلت الصين الشيوعية المسرح وأجبر 1.7 مليون «متطوع صيني» الكوريين الجنوبيين وقوات الأمم المتحدة على التراجع خلف خط العرض 38 في منتصف أكتوبر 1950 وفي يناير 1951، استعاد الشيوعيون السيطرة على سيول.
في يونيو 1951، استقرت الجبهة في مكان ليس بعيدا عن خط العرض 38، حيث تقع المنطقة المنزوعة السلاح الحالية “DMZ “، حيث يلتقي كلا الجانبين هناك للتفاوض على هدنة.
تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953 بين كوريا الشمالية وقيادة الأمم المتحدة، لكن الحرب الكورية ليست سوى الحلقة الأولى من الحرب الباردة، التي عارضت الكتلتين طوال النصف الثاني من القرن العشرين وقادت العالم عدة مرات إلى حافة الانهيار.
الحروب الآسيوية وحروب عدم الانحياز:
سوف تظهر المعارضة بين الكتلتين عدة مرات بين عامي 1950 و1991، مما يثير في كل حلقة شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة.
بعد كوريا، تدخلت الصين في العام 1954 في الهند الصينية الفرنسية، حيث دعمت الميليشيات الشيوعية المتمردة على النظام الفرنسي، وسرعان ما أجبرت على الانسحاب من مستعمرتها السابقة.
تنقسم فيتنام إلى قسمين على طول خط العرض 17، مع الشيوعيين في الشمال والقوميين في الجنوب، بدعم من الولايات المتحدة: هذه بداية حرب فيتنام.
أدى انتصار الانفصاليين في حروب إنهاء الاستعمار، كما هو الحال في الهند الصينية، إلى ظهور قوة ثالثة.
عقد مؤتمر عدم الانحياز في الفترة من 18 إلى 24 أبريل من العام 1955 في إندونيسيا، وأتاح فرصة لشخصيات مناهضة للاستعمار مثل جمال عبد الناصر، الذي تولى السلطة في مصر في العام 1954، للظهور على المسرح العالمي.
وفي نفس العام، نظم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية قوته العسكرية الخاصة ردا على منظمة حلف شمال الأطلسي، مع حلف وارسو*2.
وفي العام 1956، انضمت فرنسا والمملكة المتحدة إلى إسرائيل لشن هجوم مفاجئ ضد مصر لاستعادة السيطرة على قناة السويس.
عارضت كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هذا الهجوم جنباً إلى جنب، وسرعان ما فرضتا وقف إطلاق النار الذي يمثل نهاية الهيمنة الأوروبية في المنطقة.
ومن جانبه قام الاتحاد السوفيتي بتركيب ترسانة من الصواريخ بعيدة المدى إلى الغرب من أراضيه، متجهة إلى أوروبا، ورداً على ذلك، تضع الولايات المتحدة بدورها صواريخ تستهدف الأراضي السوفيتية.
من الأزمة الكوبية إلى غزو أفغانستان:
في أمريكا اللاتينية، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية كل نفوذها لعدم ترك أي هامش للسوفييت، لكنها فشلت في الإطاحة من الناحية العسكرية بالحكومة الشيوعية الجديدة في كوبا خلال فشل غزو خليج الخنزير*3 في العام 1961.
ثم اقترب الاتحاد السوفيتي من حكومة الرئيس فيدل كاسترو، الذي قبل إرسال الجنود والسفن العسكرية السوفيتية إلى جزيرته، ربما لم يكن العالم قريباً جداً من الحرب العالمية الثالثة.
وافق نيكيتا خروتشوف في النهاية على الانسحاب مقابل وعد الأمريكيين بعدم الإطاحة بالنظام الكوبي وسحب صواريخهم النووية من تركيا.
وعلى الجانب الآسيوي، بينما يتعثر الوضع في فيتنام، تقرر الولايات المتحدة تنظيم الغزو العسكري للبلد، مما تسبب في انسحاب فرنسا من حلف الناتو.
في العام 1975، انتصر الشيوعيون في حرب فيتنام، مما تسبب في انتكاسة شديدة وصدمة وطنية للولايات المتحدة الأمريكية.
ارتد الاتحاد السوفيتي مرة أخرى على هذا الانتصار لإعادة إطلاق سياسة نفوذه في العالم، لاسيما من خلال دعم الميليشيات الشيوعية في القارة الإفريقية التي استولت على السلطة في المستعمرات السابقة.
كما أرسل الكرملين جيشه إلى أفغانستان في العام 1979 لدعم النظام الشيوعي الذي هددته القوات التقليدية في البلد: العديد من الجماعات المسلحة من المجاهدين أو السنة أو الشيعة، بدعم مالي من الأمريكيين.
انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة:
في العام 1977، بدأ الاتحاد السوفيتي في استبدال صواريخه التي تستهدف القارة الأوروبية بمركبات جديدة أكثر كفاءة، مما دفع الولايات المتحدة إلى تركيب صواريخ جديدة في أوروبا.
انتعشت القوتان في سبق التسليح والذي استنفد الاتحاد السوفيتي من الناحية المالية.
في العام 1985، وافق ميخائيل جورباتشوف على الاجتماع مع الرؤساء الأمريكيين لبدء مفاوضات نزع السلاح وسحب الاتحاد السوفيتي قواته من أفغانستان ودعمه المالي للشيوعيين الأفرقة.
وفي العام 1989، تم تدمير جدار برلين وتم توحيد ألمانيا، وبعد عامين، كان العالم مع انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أصبح 15 جمهورية مستقلة ولم تعد الجبهة الشرقية تمثل نهاية الحرب الباردة.
*1: مشروع مارشال هو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 والذي أعلنه بنفسه في 5 يونيو من ذلك العام 1947, في خطاب امام جامعة هارفارد وكانت الهيئة التي أقامتها حكومات غرب أوروبا للإشراف على إنفاق 12.9925 مليار دولار أميركي قد سميت «منظمة التعاون والاقتصادي الاوربي» وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الاوروبية.
*2 غزو خليج الخنازير كانت محاولة فاشلة من جانب القوات التي دربتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من الكوبيين المنفيين لغزو جنوب كوبا وقلب النظام على فيدل كاسترو.
*3 معاهدة وارسو، التي عُرفت رسمياً بمعاهدة الصداقة والتعاون والمعونة المشتركة، وبشكل عام بحلف وارسو، معاهدة أمن مشترك وُقعت في وارسو عاصمة بولندا بين الاتحاد السوفييتي وسبع جمهوريات اشتراكية أخرى من الكتلة الشرقية في مايو من عام 1955 خلال الحرب الباردة.
- صحيفة ” جيو – geo” الفرنسية
- المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع