لماذا تهديد بوتين النووي جدي وما هي ردود فعل الغرب المحتملة
السياسية: علي شرف الدين *
لم يكن العالم يوماً أقرب إلى حرب نووية مما هو عليه في وقتنا الحالي بسبب حرب بوتين على أوكرانيا. منذ بداية الغزو سمعنا أكثر من مرة الرئيس الروسي يهدد باللجوء إلى كآفة الوسائل المتاحة لديه للدفاع عن أرض الوطن والمواطنين الروس. هل علينا أن نصدق تهديدات بوتين؟ وما الذي يعنيه الدفاع عن أرض روسيا ومواطنيها فيما حدودها في تبدل مستمر مع الاستفتاءات الشكلية المتنقلة في الأراضي الأوكرانية المحتلة.
هل الضربة النووية محتمة؟
باستثناء فوز روسيا بالحرب عسكرياً ونهاية أوكرانيا المستقلة، وهو أمر يبدو لي بعيد المنال اليوم، لا يوجد سيناريو لا يمكن أن يغضب بوتين ويضعه في مأزق. ومما ندركه عن الرئيس الروسي أن وقوعه تحت الضغط يمكن أن يدفعه للجوء إلى أقصى الخيارات المتاحة لديه. وهنا يفيدنا أن نراجع ما حدث منذ بداية العام.
ما كان لا يمكن تصوره قبل 24 فبراير (شباط) أصبح معقولاً وواقعاً بعده. بالحقيقة يمكن اعتبار حدث إعلان الحرب بمثابة الصدمة التي فتحت أعين الكثيرين. صحيح أن الاستخبارات الغربية واكبت التحركات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، وحذرت مراراً وتكراراً من أن الكرملين يحضر للغزو، لكن باستثناء القلة فقد اعتبرتها الغالبية مناورات يقوم بها بوتين لبث الذعر والحصول على “الضمانات الأمنية” التي ما انفك يطالب بها.
إعلان الحرب بحد ذاته كان أمراً صادماً، ولكن الأكثر إثارة للصدمة كانت التبريرات التي سردها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهي إن دلت على شيء فهو على دور العامل النفسي/العاطفي عند الرئيس في صنع قراراته. الحزن على انهيار الاتحاد السوفياتي، الأسى على اندثار الإمبراطورية الروسية، الرسالة الروحية العظيمة التي تحملها روسيا بقيادة كنيستها الأرثوذكسية، اللغة الروسية التي تتعرض للاضطهاد، المعاناة التي كابدها الشعب الروسي في الحروب العالمية، القيم والأخلاق الفريدة التي تحتضنها البيئة الروسية المضادة للقيم الغربية، وأخير وليس آخراً صف من الأعداء الذين يحومون حول روسيا للاقتناص من قوتها ومواردها وعظمتها.
هذا التصور معطوفاً على قراءته التاريخية والتي تعالج تاريخ روسيا من منظور شوفيني وقومي روحاني، هي التي تحرك سردية بوتين اليومية والقرارات المصيرية التي يتخذها. وعليه، سنقع في خطأ فادحٍ إذا اعتقدنا كما قبل إعلان الحرب وقبل إعلان التعبئة العامة بأنه من غير المعقول أن يتخذ قراراً آخر يؤدي للمزيد من التدمير لبلاده وللعالم.
سلسلة قرارات “الرجل الواحد” هذه التي راقبناها توحي بأن قرار استخدام أسلحة الدمار الشامل هو التصعيد المنطقي لها.
الضربة الروسية والرد الغربي
توقع تقرير نشر في “ذي أتلانتيك” السيناريوهات التالية لكيفية استخدام روسيا للسلاح النووي: أولاً، تفجير نووي فوق البحر الأسود، لا يتسبب في وقوع إصابات ولكنه يظهر تصميماً على تجاوز النفسي للاستخدام النووي. ثانياً، استهداف القيادة الأوكرانية، في محاولة لقتل الرئيس فولوديمير زيلينسكي ومستشاريه في مخابئهم تحت الأرض. ثالثاً، هجوم نووي على هدف عسكري أوكراني، ربما قاعدة جوية أو مستودع إمداد، لا يقصد به إيذاء المدنيين. رابعاً، تدمير مدينة أوكرانية، مما تسبب في وقوع إصابات جماعية في صفوف المدنيين وخلق الرعب للتعجيل باستسلام سريع – وهي نفس الأهداف التي حفزت الهجمات النووية على هيروشيما وناغازاكي.
وفي هذا الصدد، يعتقد سكوت ساغان، المدير المشارك لمركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد، أن تفجير سلاح نووي من دون ضرر فوق البحر الأسود، لن يخدم أي غرض يذكر. وتوقع أن يأتي استخدام روسيا للسلاح النووي إذا خسرت معارك كبرى في دونباس، أو إذا أوشكت أوكرانيا على تحقيق نصر كبير، عندها يأمر بوتين باستخدام سلاح نووي للحصول على استسلام أو وقف إطلاق النار. رداً على ذلك، وبناءً على مقدار الضرر الناجم عن الانفجار النووي، يدعو ساغان إلى شن هجمات أميركية بالسلاح التقليدي على القوات الروسية في أوكرانيا، أو السفن الروسية في البحر الأسود، أو حتى أهداف عسكرية داخل روسيا، مثل القاعدة التي انطلقت منها الضربة النووية.
من جهته، يعتبر صمويل نان، السياسي الأميركي المتخصص في شؤون الدفاع، وأحد مؤسسي “مبادرة التهديد النووي”، أن الرد النووي الأميركي يجب أن يكون الملاذ الأخير في حال استخدمت روسيا السلاح النووي في أوكرانيا. على سبيل المثال، إذا ضربت روسيا أوكرانيا بصاروخ كروز نووي أُطلق من سفينة، فإنه يدعو إلى إغراق تلك السفينة على الفور. يجب أن يحدد عدد الضحايا الأوكرانيين حجم الرد الأميركي، وأي تصعيد يجب أن يتم بالأسلحة التقليدية فقط. قد يتم غرق الأسطول الروسي في البحر الأسود رداً على ذلك، ويمكن فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، حتى لو كان ذلك يعني تدمير الوحدات المضادة للطائرات على الأراضي الروسية.
لكن ويليام بيري، وزير الدفاع الأميركي السابق، لا يتوقع رد فعل قوي من الولايات المتحدة في حال استخدمت روسيا سلاحاً نووياً تكتيكياً على هدف عسكري من دون الكثير من التداعيات الإشعاعية، ومن دون وقوع إصابات في صفوف المدنيين. ولفت بيري “تمتلك روسيا أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى في العالم. فخرها الوطني مرتبط بقوة بأسلحتها النووية. يحتفل أعلام البروباغندا فيها باحتمال استخدام الأسلحة النووية – ضد أوكرانيا، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو – على أساس يومي تقريباً، في محاولة لتطبيع استخدامها”.
ويشير “منذ بداية الحرب قام الجيش الروسي بتدمير المدن الأوكرانية وقتل مواطنيها. وعلى هذه الخلفية، قد لا يبدو استخدام سلاح نووي منخفض القوة ضد هدف عسكري بحت أمراً مثيراً للجدل”.
لا شك أن الفشل الروسي الميداني أو على الأقل غياب الانتصارات الواضحة يوحي بضعف القوات التقليدية الروسية، ويدفعها أكثر للاعتماد على الأسلحة غير التقليدية ومنها النووية. وفي غياب سيناريو واضح لما يمكن أن يشكل انتصاراً عند فلاديمير بوتين وبوجود تصميم وإرادة صلبتين لدى القيادة والشعب الأوكراني في الاستمرار حتى تحرير الأراضي الأوكرانية (على الأقل بالحدود التي سيطرت عليها قبل 24 فبراير). فإن دخول أسلحة الدمار الشامل إلى ساحة المعركة، لا يبدو مستبعداً أبداً.
* المصدر : موقع اندبندنت عربية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع