ازدواجية المعايير السياسية الأخلاقية هي أساس فِكر الدولة الرأسمالية الغربية الاستعمارية
أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور*
تابعت باهتمام بالغ وعبر معظم الوسائل الإعلامية الألمانية والأوربية بشكلٍ عام النتائج السلبية من زيارة المستشار/ أولاف شولتز مستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية، أي رئيس وزرائها، إلى عددٍ من دول مجلس التعاون العربي الخليجي وفي مقدمتها المملكة السعودية.
جاءت مبررات الزيارة الرفيعة لأهم مسؤول قيادي في ألمانيا الاتحادية نتاج الحاجة الملحة إلى التعويض العاجل للطاقة من غاز ونفط التي خسرته ألمانيا بشكلٍ خاص والاتحاد الأوروبي بشكلٍ عام نتاج موقفهم الجماعي المعادي لروسيا الاتحادية بسبب الأزمة العسكرية والأمنية الأوكرانية.
الدول الغربية الرأسمالية الاستعمارية تستخدم كل الوسائل العسكرية، والأمنية، والسياسية، والثقافية والإعلامية الدعائية لمجابهة الخصم أيٍ كان، لديهم أسلوب ديماغوجي احترافي لتزييف الوقائع لإيقاع الخصم في الهفوات لكي يجهزوا عليها وبالتالي الانقضاض عليه بهدف هزيمته، مستخدمين الادوات المعروفة والغير معروفة لتدمير الخصم المعادي لهم، هذا هو التكتيك الاستراتيجي المتبع من قِبل الغرب الرأسمالي مُنذ أن تبلورت فكرة نشوء الدولة الاستعمارية الاحتلالية لمعظم دول العالم.
لنأخذ على سبيل المثال؛ فإن الدول الغربية تُركز على رفع يافطة حقوق الإنسان عالياً مع مصاحبة لعويل وضجيج إعلامي مدوِ، والمتابع العادي يتماهى كثيرا مع تلك الأطروحات والشعارات البراقة، متناسين كم هي الجرائم المرتكبة في حق الشعوب والأجناس الإنسانية بدءً من غرب الكرة الأرضية حينما اباد الأوربيون أهل وسكان أمريكا الأصليين وأسموها هم بـ”إبادة الهنود الحمر” مروراً بالقارة الإفريقية وآسيا وحتى شرق الكرة الأرضية، وجريمة الولايات المتحدة الأمريكية في اليابان وكوريا وفيتنام وغيرها، لازالت ذاكرة الشعوب على مستوى العالم حيّه وتذكره بألمٍ بالغ مصحوبة بالغبن التاريخي للضحية، كل ذلك اعتبروه أمراً طبيعي الحدوث من اجل أن تتحضر وتتطور الشعوب في العالم اجمع.
لقد تم التركيز على أن فشل زيارة المستشار/ أولاف شولتز بسبب أن الدول الأوروبية ومنها ألمانيا قد ادانت وبأشد المواقف والعبارات قتل الإعلامي السعودي الشهير/ جمال خاشقجي رحمة الله عليه، من قِبل السلطات العُليا في دولة المملكة السعودية وفي قنصليتها في إسطنبول في تركيا، نعم هي جريمة كبرى ارتكبت من قِبل الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة السعودية، ويُعرف في وسائل الإعلام الغربية بـ [MBS]، نعم هي جريمة مكتملة الأركان، والتاريخ البشري لن ينساها، والذاكرة الحية للإنسانية أيضاً لن تنساها ولن تغفر للمجرمين.
لكن السؤال الأهم في هذا السياق، ألم يعرف الإعلام الغربي والرأي العام والمفكرين وجهابذة السياسة والثقافة بأن الأمير محمد بن سلمان قد شنّ حرباً عدوانياً ضروساً ومكتمل الأركان على اليمن، وقد بلغت طلعات الطيران الحربي ولمدة سبعة سنوات ونيف أزيد من (300,000) ثلاثمائة ألف غارة جوية، وسقط جراء ذلك القصف من الشهداء اليمنيين ما يزيد على (100,000) مائة ألف مواطن، ويتضاعف عدد الضحايا من الجرحى، مع تدمير وحشي بربري للبنية التحتية للشعب اليمني.
وللتذكير هُنا، لهؤلاء الناشطين والسياسيين والإعلاميين والمثقفين في الغرب الرأسمالي ببعض جرائم السعودية والامارات وبقية حِلف العُدوان الخليجي الإعْرَابيْ على اليمن على النحو الآتي:
مذبحة سوق المواشي في محافظة لحج.
مذبحة عرس سنبان في محافظة ذمار.
مذبحة سوق مستباء في محافظة حجه.
مذبحة سجن الحديدة في محافظة الحديدة.
مذبحة مسجد الحبايب في مدينة الوهط محافظة لحج.
مذبحة سكن العمال في تعز محافظة تعز.
مذبحة الصالة الكبرى في عزاء آل الرويشان في صنعاء.
مذبحة الجنود في نقطة العلم في مدخل مدينة عدن.
مذبحة أطفال ضحيان في محافظة صعده.
مذبحة سجن احتياطي عام في محافظة صعده.
أليست هذه المذابح والتي يتجاوز في بعضها عدد الضحايا المئات من الشهداء والجرحى، ولازلت موثّقة في الأرشيف الإعلامي للقنوات التلفزيونية والإذاعية وشبكة التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية الالكترونية التي تعج بها دوائر الاستخبارات الغربية عموماً، وحتى مراكز البحث لدى الأحزاب والجامعات والمعاهد، هل سمعنا يوماً إدانة من أوروبا؟!!، كلها لجرائم آل سعود وجرائم أشقائنا من دول مجلس التعاون الخليجي ضدّ شعبنا اليمني العظيم؟.
لا لم نسمع بأية ادانات رسمية، ولم نقرأ سوى انتقادات خجولة من الجانب الرسمي، والهدف منها ما هو إلاّ لِـذرْ الرماد في العيون، إلى جانب تخدير جزء من شعوبها لتقول لهم بأن حكوماتهم قد اسقطت الواجب في انتقاد العدوان فحسب، والغريب حينما تقابل الدبلوماسيون الأوروبيون هُنا في صنعاء لا يحدثونك عن العدوان الخارجي، بل أن ما يحدث في اليمن ولمدة سبع سنوات ما هو إلاّ صراعاً داخلياً ينشب بين الفرقاء اليمانيون في الداخل فحسب.
ولهذا واستنادا على معطيات حقائق التاريخ فإن القانون العام والكتابة المنهجية وحتى الأكاديمية منها، تعود في جذرها الفكري والأخلاقي إلى ثقافتهم الاستعمارية الاحتلالية الاستغلالية وتستند عليها:
أولاً: تنقل وسائل الإعلام العربية والأجنبية الخبر اليومي تقريباً لقتل افراد وجماعات من الشعب الفلسطيني على يد جنود الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي في جميع مدن واحياء فلسطين، ومع ذلك يجد هذا الكيان العنصري الصهيوني دعم ومساندة الدول الغربية وفي مقدمتها حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، أليس هذا نفاقاً سافراً في التعامل.
ثانياً: ترديد يومي في وسائل إعلامهم لأكذوبة حقوق الإنسان مع أنهم يفرضون حصاراً ظالماً على شعوب كوبا الاشتراكية، وكوريا الديمقراطية، والشعب الإيراني وقبلها شعب جنوب اليمن، واستمر ذلك الحصار لأكثر من ستة عقود.
ثالثاً: دعمت الدول الغربية النظم الأكثر عنصرية في العالم، فبالأمس دعمت نظام جنوب إفريقيا وروديسيا، واليوم “الكيان الصهيوني”، وبالتالي نفاقهم فاق كل الحدود في الصورة الذهنية للمواطن في العالم أجمع.
رابعاً: العداء السافر للثقافة الأوراسية وتجلت تلك الممارسة العدائية في حصار ومحاربة الاقتصاد والثقافة والتاريخ الروسي، وأظهروا ذلك العداء في زمن الحرب الباردة ومع الازمة الأوكرانية الحالية.
خامساً: ظلت الجرائم العنصرية واحتقار الجنس البشري الإفريقي الأسود والسامي (عرب ويهود) في المجتمعات الغربية من بريطانيا صاحبة الحمل الأثقل في العنصرية الإنسانية مروراً بفرنسا المثقلة هي أيضاً بأعمالها العنصرية المشينة في حق الشعوب الإفريقية والأسيوية وبقية الدول الأوروبية العنصرية وليس انتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية بجرائمها البشعة في عالمنا العربي وآسيا وأمريكا اللاتينية، وجرائم النازية والفاشية والعسكرتارية وتوارثها العنصري جيلاً بعد جيل لا يوحي بأنهم قد خجلوا وتبرأوا من تاريخهم الأسود المشين ضدّ الإنسانية.
سادساً: يمارس الإعلام الغربي سياسة غسل ادمغة الرأي الشعبي العام لدى شعوبها وشعوب العالم أجمع لتشويه قادة ورموز شعوب العالم النامي المتحرر حديثاً من ربقة وهيمنة السياسات الاستعمارية الأوروبية الاحتلالية القذرة، ويعمل على
تشويه صورة الرموز الوطنية لحركات التحرر الوطني في كلٍ من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، أمثال القادة والزعماء وابرزهم جمال عبدالناصر، فيدل كاسترو، هوتشي منه، أحمد سوكارنو، معمر القذافي، هواري بومدين، باتريس لممبا، حافظ الأسد، وأرنستو تشي جيفارا ومنجستو هيلا مريام، قحطان محمد الشعبي، وجورج حبش، الحاج قاسم سليماني، الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية بفلسطين، وحسن نصرالله سيد المقاومة اللبنانية، وقائد الثورة اليمنية التصحيحية الحبيب/ عبدالملك بن بدر الدين الحوثي.
سابعاً: لعبت منظومة حِلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وصولاً لمنظمات الأمم المتحدة دوراً مباشراً في ترسيخ وتثبيت أركان الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية للنموذج الغربي للدولة الرأسمالية الاستعمارية وبالذات بعد الحرب العالمية الثانية، ودارت في فلك وحول تلك المنظومة السياسية العديد من الدول في العالم بسبب هيمنة القوة وجبروتها، كقوة احادية القطبية تفرض هيمنتها على ظلم العالم اجمع، وربما حان اليوم بسبب استيقاظ الدب الروسي والتنين الصيني والمشروع المقاوم للمشاريع الصهيونية في منطقتنا لعمل التوازن المنطقي في السياسة العالمية بدءً من عقدنا الحالي، لكنه لازال الطريق وعر وشاق ويحتاج لجهد مضاعف لمناهضة السياسة العنصرية للغرب والمهيمن عليه من قبل الكارتيلات العالمية والأولجارشيا العالمية والشركات العابرة للقارات، من يدري ماذا سيحدث يوم غد؟.
الخلاصة: إن الأساس الفكري والسياسي والقانوني للدولة الغربية الاستعمارية المركزية قائمٌ على نهب خيرات الشعوب في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، وتدمير ثقافتها وهويتها ودياناتها، وسيستمر ذلك النظام الغربي وفياً لتقاليده الاستعمارية، إلى حين أن يبرز نظام عالمي جديد متوازن يحفظ للشعوب والأقليات حرياتها وحقوقها الأصلية.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
* المصدر: رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع