اليمن: الهدنة انتهت والعودة للحرب قوية
السفير محمد محمد السادة*
حسمت صنعاء موقفها الواضح من تمديد الهدنة التي لم يتبقى على انتهائها سوى ساعات معدودة، وبدأت عملية العد التنازلي لاستئناف المعركة العسكرية ضد تحالف العدوان على اليمن تنفيذاً لتحذيراتها بأنها لن تقبل بتمديد الهدنة وستضطر للتصعيد العسكري إذا لم يتم البدء الفوري بتنفيذ بنود توسيع الهدنة وفي مقدمتها صرف رواتب موظفي الدولة، وهو تحذير يعكس أعلى مستويات الجهوزية العسكرية والقتالية لصنعاء، ويضع قيادة تحالف العدوان على محك الجدية ونواياه في السلام الحقيقي، فيما أثبتت قيادة صنعاء خلال لقائها الأخير بالمبعوث الأممي هانز غراندبرغ جدية تحذيراتها لكل من يُشكك ويختبر صبرها، فسياسة التمييع للهدنة من خلال الحفاظ على الوضع الحالي الذي يتسم بحالة اللاحرب واللاسلم ترفضه صنعاء ،وتُصر على تصويب مسار الهدنة.
ليست دعوة للحرب، ولكن على صنعاء توظيف المعطيات المحلية والإقليمية والدولية كفرصة سانحة ومواتية قد لا تتكرر لتصويب مسار الهدنة والدفع بقيادة دول العدوان نحو إنهاء العدوان والحصار، والدخول في مفاوضات تُفضي إلى تسوية وسلام عادل ومشرف لكل أطرافه وللمنطقة.
يحاول البعض اختزال الهدنة في طرف واحد هو اليمن دون بقية الدول المشاركة في العدوان والحصار و تتواجد قواتها على الأراضي والمياه الإقليمية اليمنية، فصنعاء هي الطرف الرئيسي الذي يُمثل اليمن في الهدنة، و تُمثل الرياض وأبوظبي الطرف الإقليمي للهدنة، فيما تُمثل واشنطن ولندن الطرف الدولي، لذا فالهدنة بما تحمله من معطيات ومصالح هي هُدنة يمنية-إقليمية-دولية، وقد نجحت صنعاء من خلال القوة بمختلف أبعادها في رفع وتيرة الحراك السياسي والدبلوماسي الذي يشهده الملف اليمني، كما وجهت رسائل عسكرية وسياسية غير مسبوقة تستوجب التقاطها، وانتقال قيادة تحالف العدوان لاسيما السعودية والإمارات بالهدنة من مجرد تكتيك إلى مدخل حقيقي لسلام يُفضي لإنهاء عدوانها وحصارها على اليمن كضرورة قصوى ومصلحة وطنية سعودية-إماراتية على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي.
لذا فالهدنة ليست مصلحة يمنية فحسب، بل هي وبنفس القدر مصلحة سعودية – إماراتية – أمريكية، وتتضمن تلك المصلحة شقين رئيسيين، الشق الأول وقف إطلاق النار ويُمثل مصلحة وأولوية قصوى في هذه المرحلة لدول تحالف العدوان، أما الشق الثاني فهو تقديم الهدنة معالجات وحلول فورية للمعاناة الإنسانية التي يرزح تحت وطئتها الشعب اليمني العزيز نتيجة العدوان والحصار منذ قرابة ثمان سنوات، ويُمثل هذا الشق مصلحة وأولوية قصوى لدى صنعاء، لكن الملاحظ هو مساعي تحالف العدوان لاختزال الهدنة في عملية وقف إطلاق النار كحاجة مُلحة ومصلحة وطنية لدوله دون اعتبار للملف الإنساني، وتتضح هذه المساعي من خلال أسلوب تحرك فضفاض يتخلله نقاش بيزنطي للمبعوث الأممي إلى اليمن الذي يُسخر جهوده من أجل تمديد اتفاق وقف إطلاق النار لأطول فترة ممكنة، مع اتفاق على إطار عام للقضايا الإنسانية دون اعتبار لعامل الوقت الذي يُفاقم المعاناة الإنسانية في اليمن ويقتضي ضرورة بدء المعالجات الإنسانية المُلحة، مع تحسين مزايا الهدنة وفق جدول زمني، فعلى سبيل المثال تتضح عملية التنصل والمراوغة المكشوفة من خلال محاولة تصوير المبعوث الأممي لقضية صرف الرواتب بالعملية الشائكة وأنها تحتاج مزيد من الوقت والنقاش والإعداد، فيما حقيقة الأمر أبسط مما يتم تصويره، فبند الرواتب والأجور لموظفي الدولة في المحافظات الشمالية والجنوبية هو مبلغ 1.5 مليار دولار تقريباً وفق ميزانية الدولة للعام 2014، ما نسبته 30% من متوسط الإيرادات السنوية لليمن من النفط والغاز وهو مبلغ 5 مليار دولار يتم نهبه من قبل تحالف العدوان وأدواته المحلية، وهو ما لن تسمح صنعاء باستمراره حال انهيار الهدنة، حيث تأخذ الشركات النفطية الأجنبية تحذيرات صنعاء لها باستهداف عمليات الإنتاج على محمل الجد ومن المتوقع أن توقف العمل.
صنعاء تُرسل أقوى رسائل الحرب والسلام
مثلت الهدنة فرصة لصنعاء لتوجيه أقوى الرسائل العسكرية والسياسية لقيادة تحالف العدوان والمجتمع الدولي، فعلى المستوى السياسي والدبلوماسي جددت صنعاء مد يد السلام عبر عدد من الرسائل التي تتضمن الدعوة لإنهاء العدوان والحصار، واستعداد صنعاء للتعاون من أجل طي هذا المرحلة من خلال معالجة أثارها.
عسكرياً تم استكمال عملية دمج قوات اللجان الشعبية في الجيش، كما شهدت مختلف المناطق العسكرية التابعة لصنعاء عروض عسكرية كبيرة تضمنت تخرج الألاف من مختلف الوحدات القتالية والأمنية، ويأتي في مقدمة هذه العروض العرض العسكري الأضخم في تاريخ اليمن الذي شهدته صنعاء بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 21 سبتمبر، أكدت من خلاله صنعاء أعلى مستويات الجهوزية العسكرية لجحافل جيشها الجرار، وما يمتلكه من سلاح نوعي قادر على نقل المعركة مع دول العدوان إلى مرحلة متقدمة من الردع، مع تغيير قواعد الاشتباك.
ما أظهرته صنعاء من قدرات عسكرية يبعث على القلق لدى دول تحالف العدوان التي أصبحت قواعدها ومصالحها الحيوية على امتداد المنطقة براً وبحراً أهدافاً عسكرية لقوات صنعاء التي كشفت عن منظومات صاروخية جديدة لاسيما البحرية منها كصواريخ “روبيج” الروسية، وصواريخ محيط والبحر الأحمر المحلية الصنع وغيرها، كما أعلنت صنعاء قدرة قواتها على ضرب أي نقطة على امتداد البحر الأحمر وهي رسائل رفض للتواجد العسكري الأجنبي في البحر الأحمر، وحق صنعاء المشروع في تأمين مضيق باب المندب ضد أعمال القرصنة البحرية التي تقودها واشنطن و تهدد أمن الملاحة البحرية في المنطقة.
ختاماً، رغم وجود إجماع دولي على توسيع بنود الهدنة لتشمل صرف رواتب موظفي الدولة، وزيادة عدد الرحلات والوجهات الجوية عبر مطار صنعاء الدولي، ورفع القيود المفروضة على سفن الوقود، وفتح الطرقات وغيرها، إلا أنه من الواضح أن الأطراف المعنية لم تتوصل حتى الآن إلى اتفاق نهائي حول تفاصيل وآليات وضمانات تنفيذ بنود التوسعة، لاسيما موضوع صرف الرواتب، وبذلك تواجه الهدنة ثلاثة مسارات الأول يتجاوب مع كل دعوات التمديد المحلية والدولية وذلك في إطار اتفاق جاد وواضح للتنفيذ الفوري لبنود التوسعة دون تلكؤ أو تسويف مع تقديم ضمانات دولية، فيما يقود عدم التجاوب مع مطالب صنعاء المشروعة إلى المسار الثاني وهو انهيار والعودة إلى العمليات العسكرية التي قد يكون من الصعب قبول صنعاء بإيقافها، بل وسيكون لها تداعيات أكبر على المستويين الإقليمي والدولي، أما المسار الثالث فقد يكون رسالة عاد بها المبعوث الأممي خلال زيارته الأخير إلى صنعاء، حيث قد يتم القبول بتمديد إضافي قصير للهدنة إذا حصلت صنعاء على تعهدات بإبرام اتفاق سريع وضمانات دولية حقيقية بالالتزام بسرعة تنفيذ بنود التوسعة للهدنة وفي مقدمتها بدء عملية صرف الرواتب بانتظام.
يبدو أن صنعاء التي كسبت المعركة عسكرياً تتجه نحو كسب صراع الإرادات السياسية من خلال فرض إرادتها في تحويل الهدنة إلى مدخل حقيقي لإنهاء العدوان والحصار وإحلال السلام في اليمن والمنطقة، أو إنهائها للهدنة والانتقال إلى ترجمة مصطلح “القوة تصنع السلام” الذي أطلقه رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط من خلال تصعيد عمليات نقل المعركة العسكرية صوب العمقين السعودي والإمارات، مع استهداف التواجد والمصالح الحيوية لدول العدوان في البحر الأحمر بما فيها التواجد غير المشروع للقوات الأمريكية وكيان العدو الإسرائيلي.
* المصدر: رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع