ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة  العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

 

رد بوتين في إشارة إلى «تصريحات أدلى بها بعض الممثلين رفيعي المستوى لدول الناتو الرئيسية, بشأن إمكانية ومقبولية استخدام أسلحة الدمار الشامل – الأسلحة النووية – ضد روسيا»:
أود أن أشير لأولئك الذين يدلون بهذه التصريحات عن روسيا ألا يغفلوا الذكر عن أن بلدنا لديها أيضاً أنواعاً مختلفة من الأسلحة، بعضها أكثر حداثة من تلك الموجودة في دول الناتو.

إذا كان هناك تهديد لسلامة أراضي بلادنا, والدفاع عن روسيا وشعبنا، فسوف نستخدم بالتأكيد جميع أنظمة الأسلحة التي نمتلكها “إنها ليست خدعة” والإشارة إلى «جميع منظومات الأسلحة التي لدينا» لا لبس فيها، بوتين يلوح بخطر الحرب النووية.

قال بوتين في خطابه: “هدف الغرب هو إضعاف بلدنا وتقسيمه وتدميره في النهاية، إنهم يقولون الآن علانية إنهم تمكنوا في العام 1991 من تقسيم الاتحاد السوفيتي وهذا هو الوقت المناسب الآن لفعل الشيء نفسه مع روسيا”.

ويقولون إنه يجب تقسيمها إلى العديد من المناطق التي سوف تكون في شجار مميت ضد بعضها البعض”.

وقال إن الناتو «حوّل الشعب الأوكراني إلى علف للمدافع ودفعهم بهم إلى حرب مع روسيا, كما أن الجيش الأوكراني «تم تدريبه على معايير الناتو وأعطي أوامر من مستشارين غربيين»، مضيفاً أن «قواتنا المسلحة اليوم» تقاتل ضد «الآلة العسكرية الجماعية الغربية بأكملها».

وصف الرئيس بوتين لأهداف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الناتو صحيح بشكل عام، حيث تم تحويل الجيش الأوكراني إلى شركة فرعية مملوكة بالكامل لحلف الناتو، إذ تقوم الولايات المتحدة بتدريبه وتوجيهه وتسليحه بشكلٍ مباشرة, والهدف من ذلك زعزعة استقرار روسيا وتفكيكها.

ربما كان بوتين رد على مقال صحيفة نيويورك تايمز حول «النقاش» داخل المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية حول مسألة تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى يمكن أن تضرب داخل الأراضي الروسية، أما بالنسبة لهدف «إضعاف بلادنا وتقسيمها وتدميرها في نهاية المطاف»، فقد اعترف القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا، بن هودجز، الأسبوع الماضي عندما قال «يمكننا أن نرى بداية انهيار الاتحاد الروسي».

يأتي بيانه في أعقاب الكارثة العسكرية الروسية في شمال أوكرانيا، والتي استرجعت خلالها القوات الأوكرانية عشرات الكيلومترات من الأراضي في غضون أيام قليلة.

في أعقاب كارثة خاركييف، كتب موقع “الويب الاشتراكي العالمي- WSWS”:

“هذا لا يمنع الكرملين من استخلاص استنتاج من هذه الكارثة العسكرية أنه سوف يكون من الضروري إجراء تصعيد عسكري هائل، والذي يمكن أن يؤدي فقط إلى تصعيد الناتو”.

ومن المفارقات أن جهود الكرملين اليائسة لإيجاد ترتيب مع الإمبريالية لا تستبعد سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى حرب نووية حرارية.

هذا ما يحدث، رداً على تحذير بوتين من أن الصراع الحالي يشكل خطر اندلاع حرباً نووية، رد بايدن بعد ساعات قليلة من خطاب بوتين بصب الزيت إلى النار.

وفي حديثه في الأمم المتحدة، قال بايدن إن حرب الأرض العظمى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية كانت «حرباً فردية»، حيث أشار إلى أن مخاوف بوتين خيالية، «بوتين يدعي أنه اضطر إلى التصرف لأن روسيا تعرضت للتهديد»، لكن لم يهدد أحد روسيا ولم يسعى أحد سوى روسيا إلى الصراع”.

من الواضح أن بايدن لا يصدق هذه التصريحات التي تتناقض مع تصريحات لا حصر لها لمسؤولين مدنيين وعسكريين أمريكيين.

في خطابه، جمع الرئيس بايدن بين عرض كاذب لأصول الحرب والنفاق الوقح الذي يعد سمة دائمة للإمبريالية الأمريكية.

كما ندد بروسيا «لانتهاكها بلا خجل المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة وأهمها الحظر الواضح على استيلاء الدول على أراضي جيرانها عن طريق استخدام القوة».

كان الرئيس بايدن سوف يجعل العالم ينسى أن الولايات المتحدة الأمريكية انتهكت بشكل متكرر وصارخ ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر استخدام الحرب لتحقيق أهداف سياسية.

والأكثر فظاعة من بين العديد من الأمثلة هو غزو العراق في العام 2003، والذي قال الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي عنان، إنه «لا يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة» و «غير قانوني».

لكن هذه ليست سوى واحدة من العديد من الدول التي دمرها الجيش الأمريكي، بما في ذلك يوغوسلافيا وأفغانستان وليبيا وسوريا، والتي يجب أن تضاف إليها الحروب التي تدعمها الولايات المتحدة, حيث عملت على تقديم الدعم الكامل للمملكة العربية السعودية في حربها ضد اليمن، وإسرائيل ضد فلسطين.

أثناء استخدام الأخلاق المنافقة لإخفاء حقيقة أنه في مواجهة بيان صريح بأن أزمة دولية كبرى أدت إلى حرب نووية، لم يكن لدى بايدن أي اقتراح على الإطلاق لتجنب هذه الكارثة.

في ذروة الحرب الباردة التي شهدتها ستينيات القرن الماضي، قال الرئيس الأمريكي جون كينيدي: “دعونا لا نتفاوض أبداً بدافع الخوف، ولكن دعونا لا نخاف أبدا من التفاوض”.

عندما اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية، بذل كل من كينيدي ورئيس الوزراء السوفيتي نيكيتا خروتشوف جهوداً متضافرة للابتعاد عن الهاوية وتجنب الحرب النووية بصعوبة.

ومن ناحية أخرى، وفي مواجهة ما يشكل بلا شك تهديدا صريحا وواضح لاستخدام الأسلحة النووية أكثر من أي وقت مضى خلال الحرب الباردة، ترفض الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها رفضا تاما أي نتيجة للحرب بخلاف تحقيق الأهداف العسكرية لأوكرانيا, لا يمكن تفسير ذلك إلا بالأزمة واليأس اللذين تواجههما الطبقة الحاكمة.

يسلط الرئيس بوتين، بصفته ممثل الطبقة الحاكمة الروسية، الضوء على السياسات غير المتكافئة من الناحية التاريخية للقومية الروسية.

ففي مواجهة العواقب الوخيمة لتفكك الاتحاد السوفيتي، مع الاستمرار في الوهم بأن روسيا سوف يتم الترحيب بها في «مجتمع الأمم»، تواجه الأوليغارشية الروسية الآن حقيقة الإمبريالية.

القوى الإمبريالية، بطريقتها الخاصة، ليست أقل يأساً، حيث أن الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة والقوى الأوروبية تجلس على برميل من البارود الاجتماعي، وتهيمن على الطبقة العاملة التي يتراجع مستوى معيشتها منذ عقود والتي أصبحت اليوم غير راضية بشكل متزايد عن النظام الرأسمالي الذي يعد بالاستغلال والبؤس فقط.

البيت الأبيض ودول حلف شمال الأطلسي، يشعران برائحة الدم في الماء بعد الكارثة العسكرية الروسية،و يتصرفان بشكل متزايد بدون قيود ويخاطران بشكل كبير.

تم التعبير عن لهجة وسائل الإعلام المنتصرة من قبل صحيفة ” ذي إيكونوميست – The “Economist، التي أعلنت أنه يمكن ضمان «النصر» في أوكرانيا إذا قدمت الولايات المتحدة المزيد من الأسلحة لاوكرانيا، مثل صاروخ ” أتاكمس-  “ATACMS  طويل المدى.

إما أنهم مقتنعون بأن تهديد الحرب النووية وهمي أو أنهم ليسوا قلقين بشكل مفرط بشأن احتمال اندلاع حرب نووية حرارية.

وبعد أن وصلت إلى حافة الهاوية، كان رد الطبقة الحاكمة الأمريكية: «إلى الأمام إلى النصر!»

يختلط يأس الإمبرياليين بالعمى، لدرجة أنه من المستحيل تحديد أين ينتهي أحدهما وأين يبدأ الآخر.

فمن ناحية، يزعمون أن الرئيس بوتين «وحش» الرجل المجنون يمكن أن يستخدم أسلحة الدمار الشامل في غمضة عين.

ومن ناحية أخرى، يرفضون خطر اندلاع حرب نووية، تلخص في رد رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، الذي قال إن «خطاب بوتين بشأن الأسلحة النووية لا يقلقنا».

حتى لو تم تجنب الأسوأ ولم يتدهور الوضع إلى أن يصل إلى حرب نووية، فإن دوامة التصعيد تهدد بقتل مئات الآلاف من البشر، والانغماس في مستنقع الفقر وتشريد الملايين من السكان، بما في ذلك عمال أوكرانيا.

لهذا, تعتبر القوى الإمبريالية قابلة للاستبدال بشكل كامل في صراعها مع روسيا.

لم يكلف أحد في وسائل الإعلام نفسه عناء توجيه سؤال للرئيس بايدن عن عدد الأرواح التي يرغب في التضحية بها سعياً وراء الضرورات الجيوستراتيجية للإمبريالية الأمريكية.

ومع ذلك، فإن الإجابة واضحة في استجابة الطبقة الحاكمة لجائحة الفيروس التاجي والتي اعتبرت فيها وفاة أكثر من مليون شخص تكلفة مقبولة لضمان عدم حدوث اضطراب في العمليات المربحة للشركات الأمريكية.

السبيل الوحيد للخروج من دوامة التصعيد الكارثي, هو التدخل في الأزمة, حيث توجد قوة اجتماعية قوية قادرة على معارضة الحرب الإمبريالية: الطبقة العاملة الدولية.

ويصاحب الحرب هجوم واسع النطاق على مستوى معيشة العمال في جميع أنحاء العالم، والأجور الحقيقية آخذة في الانخفاض.

أدت الأزمة الناجمة عن انهيار مستوى المعيشة إلى طفرة عالمية في الصراع الطبقي، والتي تجلت بقوة في حركة عمال السكك الحديدية في الولايات المتحدة الامريكية، وكذلك من خلال اندلاع الإضرابات في جميع أنحاء القارة الأوروبية وأمريكا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

يجب على الطبقة العاملة أن ترفض كل من عدائية القوى الإمبريالية والرد الرجعي لنظام بوتين والأوليغارشية الروسية.

في النضال، يجب على العمال في جميع أنحاء العالم المطالبة بإنهاء الحرب,  بالنسبة لسياسة الحرب العالمية للطبقة الحاكمة، يجب على العمال معارضة استراتيجية الحرب الطبقية والنضال من أجل التحول الاشتراكي للمجتمع.

  • موقع “الويب الاشتراكي العالمي- wsws” النسخة الفرنسية
  • المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع