رفيق خوري   

روسيا دفعت أميركا عبر حرب أوكرانيا إلى التركيز على اللعبة معها، لكن واشنطن تستعد لمواجهة اللعبة الكبرى مع الصين. فما تشكله موسكو للولايات المتحدة، كما يرى ريتشارد هاس، هو “مشكلة خطرة على المدى القريب”. وما تشكله الصين هو “تحديات أكثر خطورة على المدى المتوسط والمدى البعيد”.

وليس من السهل على إدارة الرئيس جو بايدن ترتيب الأوراق في اللعبتين. لا في دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى الزاوية ضمن عزلة أميركية وأوروبية ويابانية، عبر العقوبات والاكتفاء بتقديم الأسلحة إلى كييف. ولا في التوازن بين “التنافس والتعاون والخصومة” في العلاقات مع الصين، بحسب وثيقة الأمن القومي.

ولا أحد يصدق حديث أميركا عن تفادي “حرب باردة جديدة” مع الصين، ولا التزام وزير الخارجية الصيني وانغ بي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة “التخلي عن الهيمنة وعما تسمى الحرب الباردة الجديدة”. فالحرب الباردة واقعة بالفعل، ومرشحة لأن تتحول حرباً حارة بسبب مشكلة تايوان، حيث تلوح بكين باستعادتها بالقوة ويتعهد الرئيس بايدن الدفاع عنها في موقف متبدل بعد عقود من التزام أميركا سياسة “صين واحدة” جرى الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس نيكسون التاريخية إلى الصين ومحادثاته مع الزعيم ماوتسي تونغ.

وليس في واشنطن، بالطبع، رأي واحد في إدارة العلاقات مع الصين. جيسيكا تشن وبس أستاذة دراسات الصين وآسيا – باسيفيك في جامعة كورنيل ترى في مقال نشرته “فورين أفيرز” تحت عنوان “الفخ الصيني” أن “معاكسة جهود الصين في العالم من دون تقدير لما تريده الحكومات المحلية والمجتمعات هي فخ، وأنه في السعي إلى إخراج الصين، إلا أن أميركا قد تدمر القوة وتعمي الرؤية التي يجب أن تكون أساس استمرارية القيادة الأميركية”.

والخبير الاستراتيجي إليوت كوهين يقول إن الحرب في أوكرانيا أربكت “العمل باستراتيجية أميركية عظمى أساسها العداء للصين”، مع أن “روسيا تريد كسر النظام العالمي والصين تعمل في إطاره”.

هل تبقى الصين إلى جانب بوتين مع تصعيده في حرب أوكرانيا؟

أما البروفيسور جون ميرشيمر، فإنه يقول إن أميركا التي مارست “الانخراط” مع الصين خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أخطأت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في استمرار “الانخراط” مع الصين بدلاً من “الاحتواء” و”إبطاء الصعود”.

لكن الصين أصبحت قوة عظمى برية وبحرية وجوية واقتصادية وتكنولوجية قادرة على تحدي أميركا والتفوق عليها حتى في المشاريع الاقتصادية بالخارج عبر مشروع “الحزام والطريق”. وما تراهن عليه أميركا هو الجغرافيا. لماذا؟ لأن الجغرافيا تحمي أميركا المحوطة بالمحيطات من كل الجهات، وتقلق الصين. كيف؟ إذا أرادت الصين توسيع عمقها الاستراتيجي، بحسب هال براندس وجون لويس غاديس، فإنها تثير عداء جيرانها، وهذا ما يساعد أميركا التي تريد منع الصين من السيطرة على أوراسيا.

والمفارقة أن حرب أوكرانيا تخدم الصين التي لم تدعم الهجوم الروسي بشكل فعلي، ولا تزال تدعو إلى تسوية وترفض تغيير حدود الدول بالقوة، لأنها ترفض تغيير حدودها بقوة أميركا التي تحمي تايوان. فما يحدث هو ازدياد حاجة بوتين إلى الاعتماد على الصين.

و”الشراكة الاستراتيجية” بينهما مرشحة لأن تصبح شراكة غير متكافئة بين شريك كبير هو الصين وآخر صغير هو روسيا. وهذا يفتح أبواب أوراسيا أمام الصين بمقدار ما يزيد من مخاطر التحديات أمام أميركا. والصين، كما يقول روان زو تغزي الباحث في مركز أبحاث تابع لوزارة الخارجية الصينية، واثقة من أن “الغرب سيستسلم أمامها”.

والسؤال الحائر هو، حرب أم لا حرب؟ جواب بأن شو تونغ هو “عالم ثنائي القطبية بين أميركا والصين لن يكون عالماً على حافة الحرب”. والرهان هو على التداخل الاقتصادي الكبير بين القوتين، لكن الرهان على دروس التاريخ يقود أحياناً إلى الخسارة.

* المصدر :الاندبندنت

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع