هل تورط الجيش الروسي في حرب استنزاف؟
السياسية: إنجي مجدي *
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي التعبئة الجزئية لجنود احتياط الجيش الروسي، واسترسل في خطاب عام بالحديث عن تهديدات الغرب الذي يريد “تدمير” بلاده، متعهداً بالقول “سنستخدم بالتأكيد كل الوسائل المتاحة لنا لحماية روسيا وشعبنا”، وأمر بزيادة التمويل لتعزيز إنتاج البلاد من الأسلحة، فيما أنه وفقاً لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، فإن مرسوم بوتين في شأن التعبئة الجزئية سيشهد استدعاء 300 ألف فرد إضافي للخدمة بالحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا.
القرار الذي يأتي في أعقاب خسائر للجيش الروسي أمام قوات الدفاع الأوكرانية التي استطاعت استرداد نحو 2000 ميل مربع في منطقة خاركيف، في وقت سابق من الشهر الحالي، فسره بعضهم باعتباره تصعيداً خطراً للحرب في أوكرانيا، حتى إن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي قال إن بوتين “يريد إغراق أوكرانيا بالدماء”. وأشار آخرون إلى أن سيد الكرملين يسعى إلى التعامل الجدي مع احتمال خسارته الحرب التي دخلها بخطى واثقة من ضعف غريمه، بينما وصف الغرب خطوة بوتين بأنها “مؤشر يأس وضعف”.
وأمام واقع الخسائر المتواصلة للروس على الأرض، ينبغي طرح السؤال عما إذا كانت موسكو وقعت في شرك حرب تستنزف قواتها العسكرية ومواردها الواقعة تحت العقوبات، بالنظر إلى الدعم الغربي الواسع لأوكرانيا بالعتاد والتدريب، وهو ما كان له تأثيره البالغ في الأسابيع الأخيرة الماضية؟
استنزاف القوات الروسية
يعتقد محللون عسكريون في الغرب أن روسيا تعاني نقصاً خطيراً في عدد القوات داخل أرض المعركة في أوكرانيا بسبب الخسائر الثقيلة، بينما القوميون الروس يدعون منذ أشهر للتعبئة لبث روح جديدة في ما وصفوه بأنه “حملة متعثرة”، بحسب وكالة “رويترز”. ويقول ماكس بريغمان، مدير برنامج أوروبا لدى مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، إن المكاسب الأوكرانية الأخيرة حولت مسار الحرب ووضعت روسيا في موقف عسكري محفوف بالمخاطر بشكل لا يصدق.
لم تفقد روسيا أراضي كبيرة فحسب، بل إن قدرتها على التماسك بدت هشة بشكل غير متوقع، حتى إن موسكو يجب أن تخشى من تكرار هجوم خاركيف في أماكن أخرى، بحسب قول بريغمان. ويضيف أن مكاسب أوكرانيا على الأرض تعني أنها تستطيع تدريجاً استنزاف القوات الروسية وخطوط الإمداد من خلال ضربات دقيقة بعيدة المدى من المدفعية الغربية، وقد تتمكن أوكرانيا في ما بعد من الاستفادة من الثغرات الموجودة في الخطوط الروسية الضعيفة والضرب من خلالها.
وتشير التقديرات، بحسب المركز الأميركي، إلى أن روسيا فقدت ما بين 70 إلى 80 ألف قتيل وجريح، وهو ما يعادل نصف إجمالي قوة الهجوم الأصلية. ويضيف أن أوكرانيا تتمتع الآن بميزة القوى البشرية وميزة متزايدة في المعدات بسبب الإمدادات من الغرب، لذا فإن روسيا الآن بحاجة ماسة إلى الجنود ومزيد من العتاد. ويقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) أن روسيا لديها نحو مليوني جندي احتياطي، يتألفون من أشخاص أدوا الخدمة العسكرية الإلزامية.
معركة طويلة الأمد
ويقول مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، مركز أبحاث في نيويورك، إن بوتين يهدف من قراره بالتعبئة الجزئية لإعادة تشكيل الصراع لصالح روسيا بعد الانتكاسات التي عاناها جيشه أخيراً. ويوضح أن التعبئة الجزئية تهدف إلى تعويض الخسائر في الصفوف، كما أنها مؤشر على أن روسيا تخطط لخوض معركة طويلة الأمد، فيما من المرجح أن يستغرق الأمر أسابيع لإعادة تدريب جنود الاحتياط وتنظيمهم في وحدات للانتشار على طول جبهة ألف كيلو متر في أوكرانيا.
في حين يتفق المراقبون على أن الصراع في أوكرانيا تحول لحرب استنزاف تعرض فيها الجانبان لخسائر هائلة، حيث تعاني روسيا ضغوطاً متزايدة وترزح أوكرانيا تحت اقتصاد منهار، لكن لا يزال لدى كل جانب احتياطيات كبيرة للاستفادة منها. ويقول توماس غراهام، زميل مجلس العلاقات الخارجية وأستاذ الدراسات الأورو آسيوية لدى جامعة ييل الأميركية، إنه في حين قد لا يكون الصراع وجودياً بالنسبة إلى روسيا، لكنه بالتأكيد هكذا لبوتين وحاشيته. ويواصل الكرملين الإصرار على أن الأهداف التي حددها في البداية، وهي نزع السلاح و”القضاء على النازية” في أوكرانيا، ستتحقق بينما أخطر مقاومة يواجهها بوتين تأتي من القوى المتشددة التي تدعو إلى مزيد من العمل العدواني.
أسوأ السيناريوهات
السؤال لا يتعلق بموقف الجيش الروسي فحسب، لكن ما هو أكثر قلقاً وترقباً حول العالم هو التفكر في أسوأ السيناريوهات التي يمكن لبوتين قبولها من عدمه، ورد فعله. ويرى مراقبون غربيون أن موسكو تواجه الآن خياراً صعباً، فإما مواجهة هزيمة مذلة في أوكرانيا أو التصعيد بالتعبئة الجماعية، وربما اللجوء لأسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك لا تزال هناك مساحة للمناورة من أجل خيارات أخرى.
في هذا الصدد يقول مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إن الكرملين يأمل في أن تؤدي قعقعة السيوف النووية إلى ردع الغرب عن توفير أسلحة أكثر تطوراً بأعداد متزايدة للأوكرانيين، كما سيثير شبح الرد النووي إذا ضغطت أوكرانيا عسكرياً في القريب العاجل على المناطق التي يتم ضمها حديثاً التي ينظر لها الكرملين باعتبارها أراضي روسية، إذ تسمح العقيدة النووية الروسية باستخدام مثل هذه الأسلحة في حال تعرضها لهجوم نووي أو تقليدي.
بدأت روسيا الجمعة الماضي، تنظيم استفتاء يهدف لضم أربع مناطق تحتلها في أوكرانيا، لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، ما يزيد المخاوف إزاء الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر. وبدمج المناطق الأربع، يمكن لموسكو تصوير الهجمات الرامية لاستعادتها على أنها هجمات على أراضيها، مما يثير قلق كييف وداعميها الغربيين. وكانت السلطات التي عينتها موسكو تبحث تنظيم الاستفتاء في المناطق الأربع منذ أشهر، لكن الانتصارات التي حققتها أوكرانيا أخيراً دفعت المسؤولين إلى الإسراع في تحديد موعد لها.
ويرى بيرغمان إلى أنه في حين فشل بوتين في تحقيق هدفه الأولي المتمثل في إطاحة الديمقراطية في أوكرانيا، لكنه لطالما كان لديه خيار بديل مقبول، ألا وهو السيطرة الكاملة على منطقة دونباس والاحتفاظ بالسيطرة على جزء كبير من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها منذ الهجوم. فبعد كل شيء، كان الغرض المعلن من “العملية العسكرية الخاصة”، كما أعلن بوتين في 21 فبراير (شباط) الماضي، هو ببساطة الدفاع عن استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، فالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الأوكرانية من شأنه أن يضمن نزاعاً دائماً مع أوكرانيا، بالتالي يمنح روسيا نفوذاً وحق النقض (الفيتو) على مستقبل أوكرانيا. وفي حين تقترب أوكرانيا من الغرب، لكنها لا تستطيع أبداً الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو بينما لا تزال في حال حرب نشطة أو مجمدة مع روسيا، وفي الوقت نفسه لن تكون أوكرانيا قادرة سياسياً على الإقرار بمثل هذه الخسارة الكبيرة للأرض من أجل الانضمام إلى الغرب، بالتالي فإن الصراع المجمد يمنح روسيا الوقت لإعادة بناء قواتها ثم اختيار وقت آخر لتصحيح الوضع.
* المصدر : اندبندنت عربية
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع