السياسية- متابعات:

لا أتجنى ولا أبالغ إن قلت إن ثورة 21 سبتمبر 2014 هي الثورة الوحيدة في تاريخ اليمن التي لم يكن لقوى أجنبية أي تدخلات فيها ولا مصالح ولا أطماع فيها، الثورة التي فاجأت الجميع وتسارعت أحداثها حتى انصدم الثوار أنفسهم بهذه التأييدات الإلهية التي جعلت جعلته يوما مشهودا من أيام الله.

فثورة 26 سبتمبر و11 فبراير كان هناك فيهن تدخلات خارجية ولم تكن ثورات شعبية خالصة فمعروف تدخلات المملكة العربية السعودية في 26 سبتمبر وتدخلات مصر بقيادة عبدالناصر، فمن لا يزال يصدق أن الجيش المصري أتى ليساعد اليمنيين في ثورتهم فعليه أن يراجع معلوماته ويراجع التاريخ ويتأكد أنه لا يوجد مساعدة لوجه الله وتضحية بألاف من الجنود المصريين من أجل سواد عيون اليمنيين ، فهذه الروايات التي تبرر سبب دخول المصريين الى اليمن هي مبررات تستخف بعقول من لا يزالوا يصدقوها, ثورة لم تحظ بتأييد شعبي خالص مثلما حصل في 21 سبتمبر والدليل أن هناك حربا استمرت من قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى عام 1970 وهي حرب بين ما أسموه بالجمهوريين والملكيين شاركت فيها طائرات أجنبية كانت تقتل المواطنين اليمنيين الذين كانت تسميهم ملكيين , ولست هنا بصدد تعريف القارئ بتاريخ حقيقي لا مجال لإنكاره ولكني وضعت هذه الحقيقة لأصل أن ثورة 21 سبتمبر ثورة شعبية خالصة لم تتدخل فيها قوى خارجية مثل ثورة 11 فبراير 2011 أيضا والتي انتهت بما يسمى المبادرة الخليجية التي هي في الحقيقية مبادرة “صهيوأمريكية” لتبقي أمريكا على عملائها ومصالحها وتضمن كامل سيطرتها على المنابع النفطية والغازية والأماكن الحيوية.

هذا من ناحية الاستقلالية , ومن ناحية الإنجازات فلو قارنا منجزات ثورة 26 سبتمبر التي مضى عليها ستون عاما مع منجزات ثورة 21 سبتمبر التي أغلقت عامها الثامن لوجدنا اختلافا كثيرا يستطيع حتى الصغير أن يميزه , فبناء جيش قوي يحمي الشعب ومنجزات الثورة والذي ظلوا يتغنون به خمسون عاما ، وجدنا ولمسنا أن هذا المنجز صفر وذلك عند قيام العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 فلم نجد جيشا يدافع عن حمى هذا الوطن ولم نجد ولا طائرة واحدة نرد بها على عدوانهم فأين ذهب هذا المنجز؟ وأي الثورات هي التي بنت الجيش رغم اختلاف الظروف التي عاشتها الثورتين ، فمنذ قيام ثورة 21 سبتمبر لم يشهد اليمن استقرارا بل عدوانا غاشما وتحالفا ظالما من عدة دول إقليمية خافت من الثورة وعرفت أن اليمن فعلا عرف طريق الحرية والاستقلال.

عرض العيد الثامن لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر كان عرضا تاريخيا لم تشهد مثله اليمن حتى في أوج استقرارها، عرض بأسلحة متطورة وبصناعات يمنية خالصة لم تشهدها الثورات السابقة أبدا ، فلم يكن مسموح لليمني حتى أن يطمح بأن يصنع رغم أن العقول اليمنية متميزة ولديها القدرة على الإبداع والتصنيع العسكري ولكنها كانت تقمع وتمنع حتى من الزراعة فكيف لأعداء الثورة والوطن أن يسمحوا لهم بإنشاء حتى كلية للتصنيع العسكري ؟ لا أتجنى على ثورة 26 سبتمبر عندما أتحدث عن واقع لا ينكره أحد وعايشته أجيال.

ثورة منعت التصنيع العسكري بل ودمرت الصواريخ اليمنية التي كان يتم شراؤها بأموال الشعب , ثورة عقدت الاتفاقيات مع البنوك الدولية بمنع زراعة القمح لمئات السنين القادمة ونحن أرض البلدة الطيبة اليمن السعيد ! لم نكن نملك من الثورة ونتذكر سوى التغني باسم الجمهورية والأعياد الوطنية التي لم يعد لنا منها سوى عنوانيها فقط ، وأصبحت جمهوريتنا تحت وصاية الملكية السعودية ونصبت هذه الدولة الجارة نفسها كولي أمر لليمنيين تستعبدهم كما تشاء وتمنع نهضتهم وتقمع كل تحرك يناشد أو يطالب باستعادة اليمن لدورها المسلوب منها منذ اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي وحتى فجر الحادي والعشرين من سبتمبر فجاءت هذه الثورة كضرورة حتمية لا بد منها وذلك لكسر أيدي كل الأيادي الخارجية التي عاثت الفساد في اليمن ، وفي ذاك اليوم سقطت الوصاية وهرب الأمريكيون بكل ذل وأحرقوا كل الوثائق التي كانت في السفارة الأمريكية وفي فندق شيراتون الذي اتخذوه مقرا لإدارة كل العمليات الإرهابية والتفجيرات التي كانت تحدث في صنعاء ، فحيثما وجدت أمريكا وُجد الإرهاب والتفجير والقتل الجماعي.

وكذلك في ذاك اليوم سقط رجال السعودية الذين كانت مهمتهم دعم الفكر التكفيري الإخواني الوهابي ومحاربة أي فكر يربط اليمنيين بأهل البيت عليهم السلام وهو الفكر الزيدي الذي بدأ يضمحل وتنتشر الوهابية في كل محافظات الجمهورية ، فرّ الجنرال العجوز علي محسن الخائن وتهاوت أركان مملكته التي بناها داخل الجمهورية وهرب الجميع أذلاء صاغرين وانتصرت إرادة الثورة التي تحمل قيّم المبادئ والتسامح والشراكة ولم تنتقم من أحد ولم تسحل أحد ، مثلما حصل في ثورة 26 سبتمبر حيث تم قتل مئات من العلماء والخطباء والفقهاء ومعروف جدا كيف تمت تصفيتهم بشكل جماعي دون أي ذنب سوى أنهم كانوا ينتموا لأسر معينة أو كانوا ممن تقلدوا مناصب حكومية في عهد المملكة المتوكلية.

ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر مدت يد السلام والشراكة للجميع وتم توقيع اتفاق السلم والشراكة مع بقية الشركاء للحفاظ على مقدرات الدولة لم يتم السلب والنهب ولا الفوضى التي أرادوها قامت اللجان الثورية بحماية الممتلكات العامة والخاصة , وبدأت الثورة في التحرك وتوقيع اتفاقات دولية مع ايران ومع الصين دون إذن الوصي السعودي ومن خلفه الأمريكي فجن جنونهم وزادوا غيظا وهذا ما جعلهم يوجهون للدنبوع ولبحاح بأن يقدموا استقالتهم ومن ثم التأمر لشن تحالف عدواني غاشم تحت عدة مبررات ساقطة والهدف الحقيقي هو القضاء على هذه الثورة الفتية في أول مراحلها ، فبذلوا ما في جهدهم من طاقات للقتل والتدمير الممنهج وإزهاق الأرواح واستهداف مقدرات وممتلكات الشعب اليمني من الأثار والجسور والأعيان والمباني الحكومية والطرقات والمزارع والأسواق الشعبية وحتى الجبال وكل ما يخطر على بال تم استهدافه حقدا على اليمن وعلى هذه الثورة الشامخة التي تملك قائدا حكيما شجاعا ملهما قضى بفضل الله على كل طموحاتهن بتأييد شعبي كبير فلولا الله ولولا الالتفاف الشعبي حول القائد والثورة لما تمكنت اليوم من الاستمرار في التقدم والبناء رغم كل التحديات ورغم كل ما واجهته من مؤامرات كانت كفيلة بإسقاط أقوى الدول في غضون أسابيع.

لكن اليمن بفضل الله صمد وحشد وواجه وقدم قوافل الشهداء الأطهار في كل الميادين بما فيها دماء رئيسنا الشهيد صالح الصماد فزادت هذا الشعب إرادة وعزيمة وإصرارا على الاستمرار في المضي قدما خلف قائد الثورة وتحقيق المعجزات التي صدمت الأصدقاء قبل الأعداء , وهاهي الثورة ماضية في تحرير كل شبر من أرض اليمن الحبيبة طالما وهي تملك القوة والإمكانية والإرادة والمنهج والقائد والشعب ، فما ظهر في العرض الثامن من أسلحة جوية وبحرية وبرية من صواريخ وطائرات ومدرعات من صناعات يمنية خالصة أوصلت رسائل لدول العدوان مفادها أننا ننشد السلام ومن حقنا بناء دولة ذات سيادة وهذا ما أكده قائد الثورة في إطلالته المتميزة في الذكرى الثامنة للثورة وهو يحذر دول العدوان من الاستمرار في سرقة النفط اليمني ويؤكد بأن استمرارية العدوان على اليمن سيكون له أثر على الدول الإقليمية وهذه رسالة شديدة اللهجة وواضحة وفيها من الثقة بالله والثقة بالشعب وبالجيش اليمني ما يجعل دول العدوان أن تأخذ هذه الرسالة بمحل الجد من رجل صادق القول والفعل وهم يعرفون هذا جيدا.

وبدوره الرئيس مهدي المشاط خرج في خطاب الثورة ليدعو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ودول العدوان بأن يعيدوا بناء الثقة بينهم وبين صنعاء وبأن السلام هو مطلب جماعي وفي مصلحة الجميع ، ويد السلام لا تزال ممدودة للجميع بما يضمن فيه الحفاظ على الندية والاحترام والمصالح المشتركة بين جميع الدول الشقيقة والصديقة , المستقبل الواعد لليمن المظلوم , وكل المؤشرات تقول بأن النصر دائما حليف صاحب الأرض صاحب الحق وجيشنا اليمني العظيم جيش يملك العقيدة والولاء والإيمان المطلق بحق الشعب في تحرير كل أرضه وطرد كل الغزاة وكذلك جيش يعرف معنى التولي لله ولرسوله وللذين أمنوا وهذا ما يجعل المقاتل اليمني أقوى من كل مقاتل لا يملك سلاح الإيمان بالله وهنا يكمن الفرق الكبير بين بناء جيش ظاهره قوي ومدجن بأحدث أنواع الأسلحة وباطنه أوهن من بيت العنكبوت لأن جنوده أذلاء من الداخل متمسكين بالدنيا مثل الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي جميع هذه الجيوش تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ضعفاء من الداخل مهما امتلكوا من أنواع الأسلحة وتبقى العزة لله ولرسوله وللذين امنوا ويبقى المستقبل الواعد لعباد الله المستضعفين الذين جاهدوا في الله حق الجهاد وأمنوا بواجبهم ودورهم في الحياة الدنيا وتشربوا ثقافة القرآن الكريم من جديد ونذروا نفوسهم رخيصة لأجل النهوض بالأمة جمعاء وحملوا على عاتقهم حتى القضايا المركزية لأمتهم وعلى رأسها القدس وتحرير فلسطين ، رغم كل ما تجرعوه من ويلات الظلم والعدوان والحصار الاقتصادي.

فكانت هذه الظروف هي من ولّدت الإرادة والعزيمة والإصرار لإعادة الثقة بالله تعالى والالتفاف حول قائد الثورة لتحقيق المزيد من الانتصارات التاريخية لليمن وللأمة وإعادة الأمة وليس اليمن فقط لمكانتها التي يجب أن تكون بين الأمم .

  • بقلم : الكاتبة اليمنية أمة الملك الخاشب
  • المصدر: قناة العالم
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع