كمال خلف*

الجمهورية الإسلامية الإيرانية “النظام والشعب”، تشكل رافعة فعلية للقضية الفلسطينية، دولة بثقل وحجم وموقع إيران تضع إمكاناتها وموقفها السياسي وخبراتها العسكرية لدعم المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وتعلن عداءها الصريح لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتعمل ليل نهار على تقويض الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة عموما، وبناء دولة مسلمة مرهوبة الجانب إقليميا ودوليا.

تلك المواصفات تجعلها مكسبا استراتيجيا عالي القيمة لأعدل قضية في التاريخ الإنساني المعاصر، ولشعبنا الفلسطيني المظلوم الذي تخلى عنه اخوته واداروا ظهرهم له، وذهبوا لمغتصب ارضه ومقدسات الامة ينشدون عنده علاقات طبيعية وطي حقبة الصراع دون أن يقدم هذا المحتل الغاصب العنصري أي تنازل بل زاد في إجرامه وعدوانه.

التظاهرات التي تشهدها بعض المدن الإيرانية احتجاجا لموت فتاة تم توقيفها قبل أيام، تنظر اليها الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب وآخرون على انها فرصة نادرة لتقويض نظام الجمهورية الإسلامية، ويطلقون الرهانات على اتساعها لتأزيم الوضع الداخلي في البلاد، وارباك النظام السياسي، وفتح باب لتدخل دولي لاحقا.

عموما هذه المراهنة ليست جديدة في زمن إدارة ترامب ورئاسة روحاني شهدت إيران تظاهرات وجرى الرهان عليها، وأطلقت بعض وسائل الاعلام العربية وصف “الربيع الإيراني في تلك الاحداث.” وفي زمن إدارة أوباما وانتخابات 2009 في إيران وفوز “احمدي نجاد” والجدل حوله أيضا كان هناك رهان كبير على قلب نظام الحكم في إيران عبر تفجيره من الداخل، وانشأت الدول الغربية وبعض الدول العربية محطات تلفزة ناطقة بالفارسية للتأثير في مجرى الاحداث وتصعيدها.

كل تلك المراهنات باءت بالفشل. والسبب وفق اعتقدنا ومعرفتنا بالمجتمع والثقافة الاجتماعية والسياسية الإيرانية بحكم اقامتي لبضع سنوات في طهران. السبب هو عدم معرفة إيران بالشكل الصحيح. وحتى بكل اسف نحن العرب الذين تربطنا علاقات تاريخية وثقافية وجوار جغرافي بايران، مازالت تسيطر على نخبنا صورة نمطية عن إيران الدولة والمجتمع، وما بينهما من توازنات وقيم واعراف سياسية وقومية دينية يطول شرحها، ولهذا لم نحسن التعامل مع إيران، لأننا ببساطة لم نفهمها ولم نعرفها بالشكل الصحيح.

وبناء على ما يحدث اليوم في إيران من تظاهرات وما يرافقها من مراهنات وحماسة لدى دوائر القرار الغربية نورد بعض الملاحظات والاستنتاجات وفق وجهة نظرنا ومتابعتنا لما يجري.

ـ أولا: التظاهر في إيران سمة من سمات الشعب وليس حدثا طارئا يهز اركان النظام، ويصدم صناع القرار فيه. الشعب الإيراني شعب حي ولديه حيوية وتفاعل مع كل ما يهم بلاده. وليس مقموعا او خائفا من نظامه السياسي. وقد خرجت تظاهرات عديدة مختلفة الاتساع والشدة في عناوين ومطالب مختلفة خلال السنوات الماضية. أحيانا بسبب رفع سعر الوقود، أو احتجاجا على سياسات الحكومة والتضخم، او اعتراضا على نتائج الانتخابات كما حدث في 2009، وغيرها من المحطات ومن يتابع مناقشات البرلمان الإيراني التي تنقلها وسائل الاعلام المحلية والصحف يدرك مستوى حرية ابداء الرأي وحدة المواقف والاعتراضات والتي تأخذ في بعض الأحيان شكلا حادا وقاسيا تجاه الحكومة والرئيس والسياسات العامة وأداء المؤسسات وحتى السياسية الخارجية. وبالتالي فان التظاهرات في إيران هذه الأيام ليس استفاقة مفاجئة وطارئة لفئة من الشعب تجد نفسها معنية بالتعبير عن غضبها من طريقة تعامل قوى الامن في حادثة موت الفتاة الإيرانية” مهسا اميني”.

ـ ثانيا: ما اوردناه انفا لا يلغي أن ثمة محاولات جبارة من الاستخبارات الامريكية والغربية المسلطة منذ عقود نحو الجمهورية الإسلامية للتأثير في الداخل الإيراني، ودراسة كيفية خلق مشكلات داخلية لإيران تضعف موقفها الخارجي وحتى محاولة قلب النظام بالكامل. وهذا ليس استنتاجا ذاتيا، انما مبني على ما يقوله ويكتبه صناع القرار في الولايات المتحدة والغرب، واعترافهم بالانخراط بشكل صريح بهذه المشاريع وهذه المحاولات، فهم لا يخفون هذه السياسات وحجم الجهود التي يبذلونها لتحقيق هدف زعزعة النظام في إيران من الداخل. وهذا تقليد قديم في السياسات الامريكية في دول عدة وفي حقب تاريخية مختلفة، ولا يقتصر على إيران.

ـ ثالثا: وربطا بالفكرة السابقة، لابد من تسجيل استنتاج مهم بناء على متابعة التظاهرات الان في إيران وما سبقها من محطات للتظاهر وهو أن هذا التأثير والأدوات التي يعمدون عليها سواء أشخاص وجماعات محلية أو وسائل إعلامية وطرق الدعاية مازال محدودا وغير قادر على تحقيق الأهداف. تمكنت إيران بقوة نظامها وتماسكه واعتماده على قاعدة شعبية واسعة من إبطال مفعول هذه المشاريع واخذها للفشل. وهذا ينطبق على التظاهرات الراهنة.

ـ رابعا: هناك حساسية مفرطة لدى الشعب الإيراني من مسألة التدخل الخارجي، وكل تحرك داخلي أيا كان محركه تظهر عليه أعراض الصناعة الخارجية، يسقطه الشعب وينفض عنه. وكظاهرة عامة إذا كان الفرد الإيراني مواليا لنظامه أم معارضا له وشعر بيد أجنبية تدخل إلى بلاده، فانه يلتف حول نظامه ودولته ضد ذاك التدخل، وهذا عامل مهم في إفشال أغلب مشاريع تفجير البلاد من الداخل على مر العقود الماضية.

هذه التظاهرات قد تكون بنظرة عامة ورقة ضغط أمريكية وفق ما تملكه استخباراتها مع شركائها من أدوات محدودة في الداخل، وشكل من أشكال الرد الغربي على عدم انصياع إيران للإدارة الأمريكية والتوقيع على الاتفاق النووي بشروط أمريكية، خاصة ما سبقها من إطلاق شائعات حول صحة المرشد الإيراني” السيد علي خامنئي” وهو ما يثير الشك والريبة في التوقيت. ولكنها بكل تأكيد محاولة فاشلة أخرى، وكرت محترق. وإن غد لناظره قريب.

* المصدر: رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع