بقلم: يفغيني إيفانوف
ترجمة: انيسة معيض، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي” سبأ”

لقد أثر الصراع بين روسيا وأوكرانيا بشكل خطير على أوروبا.

ففي أغسطس 2022، تجاوز معدل التضخم السنوي في الاتحاد الأوروبي 10٪.

واليوم يبحث القادة السياسيون عن حلول لأزمة الطاقة التي تلوح في الأفق.

ومع ذلك, فإن عواقب الأحداث في أوكرانيا تؤثر على أجزاء أخرى من العالم أيضاً وتعتمد الدول الأفريقية بشكل كبير على إمدادات الحبوب الروسية والأوكرانية.

كما ان الأسمدة المعدنية الروسية مهمة للبرازيل والصين والهند ودول أخرى.

تجعل العقوبات الغربية من الصعب تصدير هذه السلع، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمة غذائية في جنوب الكرة الأرضية.

أظهر تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرارين ES-11/1 و ES-11/2 المطالبين بانسحاب القوات الروسية, أن حوالي 25٪ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها موقف يختلف عن موقف “الغرب الجماعي”.

ومن بين الذين امتنعوا عن التصويت دول آسيا وأفريقيا، وبعبارة أخرى، نفس دول جنوب الكرة الأرضية.

لماذا لم تكن دول الجنوب متفقة على موقف “الغرب الجماعي”؟

أولاً، تُعد روسيا مُصدراً رئيسياً لموارد الغذاء والطاقة.

في السابق، كانت أوروبا المستورد الرئيسي للنفط والغاز الروسي.

بعد تشديد ضغوط العقوبات، زادت روسيا من حجم التبادل التجاري مع دول الجنوب العالمي التي تشتري المواد الخام الروسية بسعر مخفض.

على سبيل المثال، تستورد الهند والصين المزيد والمزيد من النفط الروسي, هذا المقدار يدعم صناعاتهم وتبقي على التضخم منخفضاً.

بلدان الجنوب هي اقتصادات نامية، لذا هي بحاجة إلى موارد طاقة ميسورة التكلفة، كما فعلت دول الشمال ذات مرة أثناء التصنيع المكثف.

ثانياً، النظام العالمي متعدد الأقطاب, كما كان خلال الحرب الباردة، أكثر راحة لنخب الجنوب العالمي.

وسعياً وراء النفوذ وكسب الحلفاء، تقدم الدول الرائدة دعمها لدول الجنوب.

هذا يسمح للنخب في دول الجنوب باتباع سياسة خارجية متعددة الاتجاهات والاستفادة من العديد من الرعاة في وقت واحد.

وأيضاً، أصبحت الأنظمة السياسية أقل قابلية للشرطي العالمي، الولايات المتحدة التي تتظاهر بأن لها الحق الحصري في التدخل وفرض عقوبات أحادية الجانب.

هذا هو السبب في أن العديد من الأنظمة الأفريقية تنوع اتصالاتها الخارجية في الوقت الحاضر.

نتيجة لذلك، تتحدى الصين وروسيا وتركيا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في القارة الأفريقية.

يشعر القادة الفرنسيون بالقلق بالفعل بشأن الوجود الروسي في غرب إفريقيا وإفريقيا الاستوائية لأن العاصمة السابقة تواجه تنامي المشاعر المعادية لفرنسا.

وقد حدثت مثل هذه المظاهرات في مالي وتشاد وبوركينا فاسو.

ثالثاً، يتذكر الناس في إفريقيا وآسيا بجلاء السياسة الاستعمارية للإمبراطوريات الأوروبية.

لذلك، فهم ليسوا مستعدين دائماً لإظهار التضامن مع موقف أوروبا.

لم يكن لروسيا مستعمرات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية, وعلى الرغم من أن روسيا القيصرية استعمرت آسيا الوسطى، إلا أن المواقف المناهضة للاستعمار تجاه روسيا وليدة وليست قوية بعد.

بالإضافة إلى ذلك, غالباً ما ترتبط روسيا بالاتحاد السوفيتي في الجنوب العالمي.

وقد قام الاتحاد السوفياتي بمساعدة البلدان الفقيرة والنامية وما زالوا يقدرون ذلك.

من هذا المنظور، يُنظر إلى روسيا على أنها اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية المستعادة.

وليس من قبيل المصادفة أن يوبخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدول الغربية على استعدادها لرفع العقوبات عن روسيا إلا إذا استفادت منها وتجاهل مصالح الدول الفقيرة والنامية.

وفي الوقت نفسه فإن روسيا مستعدة لمساعدتهم مجاناً. 

رابعاً، غالباً ما يُنظر إلى الصراع بين روسيا وأوكرانيا على أنه مواجهة بين روسيا والغرب، أي الولايات المتحدة.

إن المشاعر المعادية لأمريكا قوية في العديد من بلدان الجنوب العالمي.

لقد ذكّر ممثلو روسيا المجتمع الدولي مراراً وتكراراً بالصراعات التي أشعلتها الولايات المتحدة في فيتنام والعراق، وقصف يوغوسلافيا، والعملية العسكرية في أفغانستان التي انتهت بالفشل.

خامساً، على عكس أوروبا، في الجنوب العالمي فإن النزاعات المحلية، للأسف، ليست استثنائية.

ففي السنوات العشر الماضية، اندلعت نزاعات مسلحة كبيرة في بلدان أفريقية مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق وإثيوبيا.

في الشرق الأوسط، يستمر القتال في ليبيا واليمن وسوريا.

ميانمار غير مستقرة في جنوب شرق آسيا، وكشمير في جنوب آسيا.

وبطبيعة الحال، هذا يؤثر على تصور الصراعات الإقليمية.

وبالنسبة لبلدان الجنوب، لا تبدو الأزمة في شمال أوراسيا شيئاً غير مسبوق.

بإيجاز، يمكننا القول أن بلدان الجنوب العالمي تنظر إلى الصراع الروسي الأوكراني بشكل مختلف عن دول شمال الكرة الأرضية.

وهذا يسمح لروسيا بعدم العزلة، ومواصلة تصدير السلع والحفاظ على استقرار الاقتصاد.

    *    المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع