ما هي دوافع السيسي “الحقيقية” لبناء عاصمة جديدة؟
السياسية:
نشر موقع “فوكس” الأميركي تقريرا تحت عنوان “السبب الحقيقي خلف نقل العاصمة المصرية”، حول المدينة الجديدة التي تبنى على بعد 45 كيلومترا من القاهرة، والتي ستصبح عاصمة الدولة، وفق ما أعلنت السلطات عام 2015.
وعلى عكس “الأعذار” التي تقدمها الحكومة، اعتبر التقرير أن العاصمة الجديدة لن تقدم حلا لمشكلة الكثافة السكانية التي تعاني منها القاهرة.
وعاد التقرير إلى تاريخ الأزمة السكانية في مصر، التي بدأت بعد استقلال البلاد عن بريطانيا، عندما بدأ ملايين الأشخاص ينزحون نحو القاهرة بحثا عن فرص أفضل وتحسين مستوى حياتهم. لكن المدينة التي توسعت بشكل عشوائي طيلة قرون، لم تكن مهيأة لاستيعاب النازحين.
وقد بدأت المساحات الزراعية حول القاهرة تشهد تزايدا عمرانيا بشكل “غير قانوني”، لاستقبال الوافدين الجدد، وتأمن لهم إمكانية السكن بأسعار مقبولة وعلى مقربة من المنشآت الأساسية للعاصمة.
وأشار مؤرخ معماري محمد الشاهد إلى أن هذا التوسع هو “نتيجة النظام الاقتصادي الذي عزل القسم الأكبر من السكان”.
ولم تتمكن الأنظمة المتعاقبة على تقديم حلول مجدية لمشكلة الاكتظاظ السكاني، كبناء مساكن بأسعار مقبولة، أو الاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة لاستيعاب الأعداد المتزايدة حول القاهرة، التي استمرت في الازدياد حتى انقلبت إلى أزمة سكانية.
ويسكن حوالي 60% من سكان القاهرة في هذه الضواحي “غير القانونية” والمهملة، معظمهم من الفقراء، التي يطلق عليها مصطلح “العشوائيات” من قبل النظام، وذلك لتسهيل تدميرها.
ويرى التقرير أن سردية النظام المصري تعتبر أن الأزمة السكانية في القاهرة سببها هذه الضواحي التي بنيت من دون تراخيص. في هذ الإطار، يوضح محمد الشاهد أن سردية النظام تمثل إشكالية حقيقية، إذ ترمي المسؤولية على السكان، علما أنها ناتجة عن سوء تنظيم وتخطيط من الدولة.
ووفقا للتقرير، قرر نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي استثمار مليارات الدولارات لبناء عاصمة جديدة، عوض الاستثمار في مشاريع سكنية بأسعار مقبولة للطبقات الشعبية.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها بناء مدينة جديدة في مصر. فقد كان جمال عبد الناصر أول من أطلق مشروع كهذا في خمسينات القرن الماضي، وكان من المقرر له أن يُصبح العاصمة الجديدة أيضا. إلا أن مدينة ناصر لم تتضمن مساكن متاحة للطبقات الشعبية.
مع وصول أنور السادات إلى الحكم، عدل عن فكرة نقل العاصمة. لكنه بدأ منذ العام 1976 ببناء ثماني مدن جديدة في الصحراء حول القاهرة، وفي كل مرة كان النظام يعلن أن الهدف من هذه المشاريع هو تخفيف الزحمة السكانية. وعلى غرار التجربة الأولى، كانت أسعار معظم الشقق السكنية فيها مرتفعة جدا، وغياب شبه تام للمواصلات العامة التي تربطها بالعاصمة.
واحدة من هذه المدن لا تضم سوى 8% من قدرتها الاستيعابية، فيما لم تتخط أي واحدة منها الـ50%.
وعلى هذا النحو، صُممت مدينة السيسي الجديدة لتضم مساحات سكنية، لكن معظمها سيكون للطبقات الميسورة والغنية.
إذا، ما هو الهدف الفعلي لدى السيسي خلف هذا المشروع المُكلف؟
للإجابة على هذا السؤال، عاد التقرير إلى عام 2011، حين اندلعت انتفاضة كبيرة في القاهرة ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكان ميدان التحرير منطلقا لها. فهذه الساحة اتُخذت مركزا للمظاهرات منذ بدايات القرن العشرين، نظرا لقربها من المؤسسات الرسمية، من بينها البرلمان.
واستمرت المظاهرات طيلة 18 يوما، وتجمع في شوارع القاهرة ملايين المتظاهرين. وفي 11 شباط – فبراير 2011، سار المتظاهرون نحو القصر الرئاسي، الذي يبعد 10 كيلومترات عن ميدان التحرير، وأجبروا مبارك على التنحي.
ويرى التقرير أن المتظاهرين تمكنوا، بفضل سيطرتهم على ميدان التحرير وشوارع القاهرة الداخلية، من شل الحكومة وفرض مطالبهم.
هذه الأحداث علقت جيدا بذهن السيسي، الذي كان قائدا للجيش عام 2013 حين استولى على السلطة. وقد أطلق ذلك الوقت باتخاذ سلسلة من الإجراءات لتعزيز حكمه ومنع أي ثورة من الإطاحة.
فإضافة إلى اعتقال المعارضين وقمع الأصوات المناهضة وإغلاق الصحف، بدأ السيسي بإدخال تعديلات على ملامح القاهرة لعرقلة تنظيم المظاهرات داخلها. فقد بنى 40 جسرا إضافيا، لتسهيل وصول قوات الأمن إلى مركز العاصمة. وقام بتجديد ميدان التحرير، وإضافة نُصب ضخمة وزيادة أعداد الشرطة حولها.
وها هو اليوم ينتقل إلى المرحلة الأخيرة: فبعد 7 سنوات فقط على إعلان بناء عاصمة جديدة، بدء مسؤولون حكوميون بالانتقال إلى مكاتبهم المخصصة هناك. وحين يكتمل التشييد، سينتقل جميع المسؤولون السياسيون في مصر، ومعهم السيسي ليتمركزوا في العاصمة الجديدة على بعد حوالي 45 كيلومترا عن القاهرة، والتي ستتضمن تحصينات أمنية مشددة.
ويرجح التقرير أن المسافة البعيدة عن الحشود في القاهرة، إضافة إلى الإجراءات الأمنية، ستحميان نظام السيسي في حال اندلاع انتفاضة جديدة.
* المصدر : موقع مونت كارلو
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع