مشكلة الديمقراطية القديمة وجاذبية السلطوية الجديدة
السياسية: رفيق خوري *
العالم الذي شهد صعود الموجة الديمقراطية يشهد حالياً صعود الموجة السلطوية. الموجة الأولى كبرت في العقد الأخير من القرن الـ20 بعد نهاية الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة.
وهي كانت سياسة معلنة للإدارات الأميركية تحت عنوان الحرص على نشر الديمقراطية، لكن السياسة العملية ارتبطت بالمصالح وصراع الجبارين في الحرب الباردة، بحيث دعمت واشنطن أي نظام عسكري أو سلطوي يخدم مصالحها في الصراع. والموجة الثانية توسعت في العقد الثاني من القرن الـ21.
ولم تكن “قمة الديمقراطيات” التي نظمها الرئيس الأميركي جو بايدن، أكثر من محاولة لتنشيط الديمقراطية في مواجهة السلطوية.
فالمشكلة في قلب الديمقراطية، وهي تحتاج إلى وقفة مع الذات للمعالجة، ولا تختفي بالتركيز على المعركة مع السلطوية. فلا الديمقراطية التمثيلية عبر الأحزاب والانتخابات باتت كافية لإقناع الناخبين الساخطين بتحمل العجز الرسمي عن معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ولا غياب الحرية في الصين صار يقلل من جاذبية النموذج الصيني في التنمية الاقتصادية ومواجهة جائحة مثل كورونا، ذلك أن هجوم المتطرفين على الكونغرس الأميركي المسمى “قلعة الديمقراطية”، لم يكن سوى انعكاس لمرض في النظام الديمقراطي. مرض خطر يبدأ بالتفاوت الواسع جداً في الدخل بين 10 في المائة على القمة يحصلون على 60 في المئة من الدخل، و90 في المئة يحصلون على 40 في المائة فقط، ولا ينتهي بما يقترب من انعدام التأثير الشعبي على إدارة السياسة العامة.
و”عقب أخيل الديمقراطية” في رأي فرنسيس فوكوياما، هو “حرب الهويات الثقافية والمطالبة بالاعتراف بخصوصية المجموعات التي تشعر أنها مهمشة من جانب النخبة”، وليست “علامة النهاية للهيمنة الأميركية على أفغانستان، بل الاستقطاب السياسي في الداخل”.
والأخطر أن “الاستقطاب الداخلي أحدث تأثيراً سلبياً على أهم سلاح أميركي جذاب للعالم”، هو “القوة الناعمة”، بحسب تعبير البروفيسور جوزف ناي.
وفي القابل، فإن وسائل السلطوية تغيرت. وما يروج له السلطويون هو القدرة على معالجة المشكلات بسرعة من دون التأخير البيروقراطي والتعطيل في البرلمانات.
ففي كتاب جديد تحت عنوان “تلفيق الديكتاتوريين… الوجه المتغير للطغيان في القرن الـ21″، يقول المؤلفان سيرغي غورييف ودانيال تريزمان، إن الموديل الجديد للسلطوية يختلف عن الموديل القديم. موديل “ستالين وماو وهتلر وسواهم بني على الإكراه والخوف والغولاغ والتصفية”.
وموديل السلطويين اليوم مبني على”إكراه مخفوض”، كما في “المجر وروسيا وتركيا وفنزويلا”.
فالهدف واحد لدى الديكتاتوريين، “الهيمنة على المجتمع”، لكن الأسلوب مختلف، “الشعبوية بدلاً من التخويف، وممارسة قوة الدولة لإضعاف أو إسكات المعارضين مع استخدام الخطاب الديمقراطي”.
ومن الصعب، بحسب المؤلفين، محاربة الديكتاتوريين الجدد لأنهم يعملون في إطار “الدستور والأنظمة البرلمانية”، غير أن هؤلاء “قابلون للعطب” عبر ضغوط المجتمع المدني والأزمات الاقتصادية والاجتماعية”.
وليس ذلك سهلاً. فهتلر تمكن من أخذ شعبه إلى حرب مدمرة لبلاده وأوروبا. ولم يسقط إلا بدخول قوات الحلفاء إلى برلين. والإمبراطور الياباني فعل الشيء نفسه حتى جاء الجنرال ماكارثر إلى اليابان بعد هزيمتها، وطلب منه توقيع صك الاستسلام.
وبوتين يرسل 65 في المائة من الجيش الروسي لشن حرب على أوكرانيا.
ولا شيء يوحي بأن أكثرية الشعب الروسي توقفت عن دعمه، على الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة بين ضباطه وجنوده والدمار الهائل في أوكرانيا.
فلا سقوط للسلطوية إلا بالقوة. ولا علاج لضعف الديمقراطية سوى مزيد من الديمقراطية.
فالسلطوية لا تعترف بالأخطاء ولا تصحح المسار إلا تحت ضغط السقوط. والديمقراطية تصحح مسارها بنفسها. أليس ما انتهى إليه “الربيع العربي” ضد السلطويات هو إما سلطويات أقوى وإما الفوضى؟ ألم يكن تشرشل على حق حين قال، “إن الديمقراطية هي أقل الأنظمة سوءاً؟”.
* المصدر : موقع اندبندنت عربية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع