محاولة يائسة أخرى من الغرب لتحديد سقف لسعر النفط الروسي
معظم العقوبات كان شكلياً أو أن ما روجت له وسائل الإعلام أكبر بكثير من حقيقته
السياسية: أنس بن فيصل الحجي*
فشلت السياسيات الغربية في مجابهة آثار العقوبات على روسيا بسبب الهجوم على أوكرانيا ما عدا اثنتين، وكلاهما جاءتا من الدولة العميقة في الولايات المتحدة في ظل حكومة الرئيس بايدن.
الأولى السحب من المخزون النفطي الاستراتيجي بكميات ضخمة لم تحصل من قبل، والثانية إمداد أوروبا بالغاز بكميات كبيرة، بغض النظر عن الكلفة ومعاناة الأميركيين لمنعها من الخضوع لبوتين.
فشلت العقوبات لأنها لم تستطع إجبار بوتين على مغادرة أوكرانيا، وسبب الفشل هو أن جزءا كبيراً من العقوبات لم يكن إلا “ضحكاً على اللحى” من جهة، ولأن روسيا أعادت توجيه صادرات النفط والغاز إلى دول أخرى من جهة ثانية، وهنا لا بد من التذكير أن العقوبات موجعة للطرفين، ولكن وجود آثار سلبية لا يعني أنها حققت أهدافها.
معظم العقوبات كان شكلياً أو أن ما روجت له وسائل الإعلام أكبر بكثير من حقيقته والأمثلة كثيرة، فبعد بداية الغزو أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنه سيعاقب روسيا من طريق وقف واردات النفط الخام الروسي، وكندا لا تستورد النفط الخام الروسي.
وأعلن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون أن بريطانيا ستوقف واردات النفط الروسي ولكن في نهاية العام، وأعلن الرئيس بايدن رسمياً أنه تم طرد البنوك الروسية من نظام “سويفت”، وتبين أنه تم طرد بنوك روسية محلية بينما لم تتأثر البنوك الكبيرة.
وأعلنت شركة “شل” أنها لن تشتري النفط الروسي، ولكن قراءة متأنية للبيان الصحافي على موقع الشركة يبين أن المقصود هو الشراء في الأسواق الفورية وليس العقود، وأعلنت شركات نفط وخدمات نفطية انسحابها من روسيا ليتبين في ما بعد أن انسحابها يعني عدم القيام باستثمارات جديدة، وأوقفت شركتا “فيزا” و”ماستركارد” عملياتهما في روسيا، ليتبين في ما بعد أن أي بطاقات مسحوبة على بنوك روسية لا تعمل خارج روسيا، ولكن لا مشكلة في استخدامها داخل روسيا إطلاقاً.
وأقر الاتحاد الأوروبي قانوناً يمنع الشركات الأوروبية من دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي كما طلب بوتين، إلا أن الجميع يعرف أن هناك لعبة يمارسها الجميع كل يوم، الشركات الأوروبية تدفع ثمن الغاز لبنك شركة “غازبروم” المستثنى من العقوبات باليورو أو الدولار بحسب العقد المبرم مع الشركة ويتوافق مع متطلبات الاتحاد الأوروبي عدم الدفع بالروبل، إلا أن بنك “غازبروم” يرفض إعطاء إيصال بتسلم الدفعة لأنها يجب أن تتم بالروبل لتستوفي المطلب الروسي، فيقوم البنك بتحويل الدولار واليورو إلى روبل ثم يضعها في حساب كل شركة لدى البنك بالروبل، وهي حسابات فتحتها الحكومة الروسية للشركات الغربية من دون موافقة الشركات، ثم يتم تحويل المبالغ بالروبل من حساب الشركات إلى حساب شركة “غازبروم”، وعندها تحصل الشركات الأوروبية على إيصالات بتسلم المبالغ.
قرار دول “مجموعة السبع” بوضع سقف سعري للنفط الروسي، وطريقة تطبيقه لن تحيد عن تاريخ العقوبات مجرد لعبة جديدة، بخاصة أن أوروبا وإدارة بايدن لا تريدان أن تحصرا بوتين في الزاوية حتى لا يقوم بقطع إمدادات الغاز والنفط عن القارة العجوز.
إدارة بايدن تحديداً تريد أن تظهر بعض الإنجازات قبل الانتخابات التي لم يبق عليها إلا شهرين من الآن، لذلك ضغطت على دول مجموعة السبع للاجتماع وإقرار فكرة تحديد سقف لسعر النفط الروسي،
وفي ما يلي أهم الملاحظات على قرار وزارء مالية “مجموعة السبع” المتعلق بوضع سقف على أسعار النفط الروسي:
1- يطالب القرار كل السفن الحاملة للنفط الروسي بتوفير إثباتات عن منشأ النفط والسعر الذي تم فيه الشراء، وهذا يتطلب جيشاً من المراقبين والمحاسبين، كما يتطلب بناء كيان قانوني لمحاسبة المخالفين، وعلى الرغم من ذلك فإنه لن يمنع تزوير شهادة المنشأ والسعر الذي دفع.
2- إذا كان القرار مجدياً وفعالاً فلماذا تم استثناء اليابان والشركات اليابانية المستثمرة في حقل “سخالين2″؟
3- إذا كان القرار مجدياً وفعالاً فلماذا طالب الوزراء دول “أوبك” بزيادة الإنتاج؟
4- تحصل الهند والصين ودول أخرى على خفض كبير يتجاوز الـ 30 في المئة، فما فائدة تحديد سقف للسعر، بخاصة إذا كان في نطاق الأسعار نفسها التي يباع فيها النفط الروسي حالياً؟
5- احتمال أن ترفع شركات التأمين الأوروبية رسوم التأمين عالياً، ومن ثم فإن الكلفة سترتفع على كل الحالات وسينخفض الفرق بين سعر النفط العالمي وكلف استيراد النفط الروسي، وبعبارة أخرى فكلام الوزراء بأن السقف السعري سيخفض أسعار النفط والتضخم غير صحيح.
6- نظراً لشح نسبي في الإمدادات فإن مشتري النفط الروسي سيشترونه بالسعر بحسب السقف المحدد، ثم يبيعونه بالسعر العالمي، ومن ثم فإنه لن يخفض أسعار النفط كما يدعي البيان الوزاري.
7- كيف يمكن للمشترين دفع ثمن النفط للروس قانونياً في ظل العقوبات الأوروبية؟ وماذا سيحصل لو طالب بوتين المشترين بالدفع بالروبل؟
وخلاصة القول تتمثل في الإجابة عن السؤال التالي، لماذا تريد هذه الدول السبع تطبيق سقف سعري على واردات النفط الروسي؟
إذا كان السبب هو عدم قدرتهم على تحجيم صادرات روسيا النفطية ويرغبون في خفض إيرادات الحكومة الروسية، فإن عدم قدرتهم على تحجيم الصادرات يعني بالضرورة عدم قدرتهم على تطبيق سقف سعري لها، وإذا كان السبب رغبتهم في الاستمرار بالحصول على النفط الروسي فإن هذا يفضح ازدواجية الغرب وتعارض سياساتهم من جهة أخرى، وإذا كانوا يريدون استمرار الواردات من روسيا فإن أية تصرفات تزعج روسيا تعني أنه بإمكان روسيا وقف صادرات النفط لهذه الدول، وهذا يتنافى مع الهدف الأصلي للاجتماع والقرار، ولهذا فإن قرار تحديد سقف لسعر النفط الروسي ما هو إلا محاولة يائسة من الغرب.
* المصدر : موقع اندبندنت عربية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع