رشاد أبو شاور*

رفع الفلسطيني خليل عواودة شعار “النصر أو الموت”. ردَّده بحزم على الرغم من وهن جسده، وهو في أُولى لحظات الحريّة، مرحّباً بحرية انتزعها بلحمه، ودمه، وصحة جسده، عبر 50 كيلوغراماً قدَّمها من بدنه، بحيث لم يبقَ منه سوى 36 كيلوغراماً. وكان جاهزاً لمواصلة معركة الحرية حتى النصر.

جدّه، وهو جدّه الثوري، الشيخ عز الدين القسّام، في أحراج يعبد، رفع شعاراً قاد به رجاله: “هذا جهاد نصر أو استشهاد. موتوا شهداء”. ومات بعض رجاله، وكُتبت لهم الشهادة. ومَن بقوا واصلوا. وفجّروا الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939). وحتى يومنا، فإن رياح ثورة القسّام الكبرى، ثورة فلسطين الكبرى، تتأجّج نيرانها، وتتواصل، لأنها ثقافة متوارثة يعتنقها الأبناء والأحفاد عن الأجداد.. وهكذا حتى النصر.

وفي سبيل النصر المُشرّف يهون الموت، وفلسطين ولّادة، وفلسطين لا ينضب شلّال عطائها. انظروا إلى دروسها كيف تتجلّى أمام العالم. نعم، أمام العالم، على الرغم من إغلاق عيون الكاميرات عن بطولاتها، بدءاً بفلسطين، مروراً بكل بلاد العرب، من المحيط حتى الخليج، انتقالاً إلى الجهات الأربع للدنيا، وصولاً إلى كل الأمم، على الرّغم من لؤم أعداء الشعوب، وفي مقدمتهم أعداء عرب فلسطين.

هناك قاصرون عن وعي للدور والتاريخ والثقافة لشعب فلسطين وقضيتها، وهم الذين أقنعوا أنفسهم بقبول حصّة من فلسطين. وهؤلاء الجهلة – وهذا أقل ما نصفهم به – أشاعوا “ثقافة” قبول أيّ حصة من فلسطين، وبرضا العدو الصهيوني ومن يرعاه، ومن يواليه من عرب النفط والغاز والتخاذل؛ وهو الأمر المحفور في وعي عرب فلسطين وكل عرب الأمة الأحرار. وكثيرون منهم دفعوا أعمارهم على ثرى فلسطين، فصار لهم نصيب في وعي فلسطين، وأرض فلسطين، وعروبة فلسطين، وحريّة فلسطين.

خليل عواودة، كما رأيناه عبر شاشات الفضائيات، ولاسيما الميادين: جلد على عظم، حرفياً. وما أذهلنا، وأقصد كل الأحرار الصادقي الانتماء، أنه، ببقايا عظم يبرز من تحت الجلد، يقول خطاب الوعي والانتماء، فلا يدّعي، ويقول ما يضيف إلى الخطاب الثوري الوطني القومي التقدمي العربي الإنساني الفلسطيني.

قبل أيام كانت فضائية الميادين تذيع مقاطع مع القائد الأممي تشي غيفارا، وكان يردّد: “الحريّة أو  الموت”. وكان خليل عواودة يردّد خطاباً عربياً فلسطينياً ثورياً: “الحريّة أو الموت”. يعني أنه كان يؤكد أنه جاهز لمواصلة المعركة حتى الموت. فالوطن أولاً. والوطن يكون كاملاً، وليس قطعة يمكن أن يتفضّل بها عدو يحتلّه على عرب فلسطين. والوطن هو قلب الوطن العربي الكبير، واسمه فلسطين، وهو لا يعود بالتفاوض، ولا بالوساطات، ولا بالتماس الشفقة من الأعداء والتابعين لهم. ألا تكفينا كارثة “أوسلو”؟!

شعبنا، في مسيرته الثورية الممتدّة بكل ما فيها من مآسٍ، ونكبات، وخيانات، وعمليات خداع، من المعيب أن تنطلي على “القيادات”، خَبِرَ الأصدقاء و… الأعداء، وبات حتى أطفاله يميزون العدو من الصديق. وانظروا إلى صلابة أطفاله وعنادهم. وبعد ذلك أتتساءلون عن سّر روح المقاومة في صدورهم، وعن سّر وعيهم المتوارث؟

الفلسطينيون، صغاراً وكباراً، يتوارثون هذه الروح، وهذا الوعي، وهذه العزيمة، من بيئتهم الفلسطينية، ومن ثقافتهم الشعبية، ومن حكايات من سبقوهم، وممن يعيشون بينهم، في أُسرهم، في مدارسهم، ومن يرون كيف يقتحم الأعداء بيوتهم، ومن يفرضون عليهم هدم بيوتهم بأنفسهم، أو يُدفّعونهم تكاليف هدم بيوتهم!

خليل عواودة.. من أين له هذه الصلابة؟!

من شعبه الفلسطيني، وهو يعرف دوره وواجبه: أن يضيف إلى تراث الصلابة، والمقاومة، والعناد. وهو قاوم بجسده بيقين مُفاده أن هذا الجسد فانٍ، لكنّ فلسطين لا تفنى، وكرامة شعب فلسطين لا تفنى، وأن الشعوب لا تعيش بلا كرامة، ولا تأخذ دورها بالتفاوض والبكاء ومدّ اليد استجداءً، لكنْ بتسديد القبضات إلى وجوه الأعداء الغزاة لتحطيم صلفها.

خليل عواودة بطل من أبطال فلسطين الأرض، الوطن، والشعب؛ فلسطين قلب الوطن العربي؛ فلسطين التي لن تكفّ عن إنجاب الأبطال والبطلات، والأشبال الشجعان والطفلات الجسورات. هل أذكّركم بأسماء العشرات، والمئات، والألوف؟

البطولة الفلسطينية ليست نادرة، ولن تكون.

أخانا خليل: هنيئاً لك بالحريّة.

هنيئا لزوجتك، لأمك، لأسرتك، لطفلتيك، لشعبك الفلسطيني، لأحرار أمتك بك.

العالم يعرف من أنت يا أخانا خليل: إنك الفلسطيني. وإنك، في سباق التتابع البطولي المذهل، أضفت رقماً قياسياً إلى أرقام شعبك البطولية. وإنك قهرت عدونا؛ عدو فلسطين؛ عدو عروبة فلسطين وإنسانية فلسطين. وإنك تُساهم في ثقافة فلسطين، وتهزم المطبّعين الساقطين الأنذال.

نعم، يا بطل: فلسطين أو الموت.

روائي فلسطيني

المصدر: موقع الميادين

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع