من الولايات المتحدة إلى الصين وأوروبا، تنتهز السعودية اللحظة الدبلوماسية
السياسية:
أصبح الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرزيوييف، أول زعيم من بلده يزور المملكة العربية السعودية منذ 30 عاماً، وهو أحدث متلقي للهجوم الدبلوماسي السعودي الذي شمل الولايات المتحدة وفرنسا والصين وقوى أخرى.
بعد أربع سنوات من مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في إسطنبول، عمل القادة الأجانب على الابتعاد عن أكبر منتج للنفط في العالم.
تستغل المملكة العربية السعودية أزمة الطاقة التي أثارتها حرب أوكرانيا لإعادة تأهيل نفسها وإعادة تموضعها مع شركاء دبلوماسيين.
في يوليو، التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بجعل مضيفه منبوذاً دولياً، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي تقول وكالات المخابرات الأمريكية إنه العقل المدبر المحتمل وراء جريمة القتل.
أظهرت لقطات إعلامية الرجلين وهما يضربان قبضتيهما قبل محادثات واسعة النطاق شملت الطاقة وإيران وفتح الأجواء السعودية أمام الطائرات التجارية الإسرائيلية.
في أغسطس، التقى بن سلمان بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في باريس، بينما يُقال إن من المرجح أن يجعل نظيره الصيني، شي جين بينغ، من الرياض وجهة أول رحلة خارجية له بعد الوباء.
تشمل التحركات الأخرى الأخيرة اجتماعات مع القادة الأتراك والبريطانيين، والتقارب مع خصم طويل الأمد، إيران، وعرض مشترك لكأس العالم لكرة القدم مع مصر.
تعرف المملكة العربية السعودية أنها مطلوبة كأكبر مورد نفط أجنبي لكل من الصين والولايات المتحدة، على الرغم من زيادة الاكتفاء الذاتي من الطاقة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
يتوقع المحللون أن ينخفض إنتاج الخام المحلي الأمريكي في السنوات القليلة المقبلة، بينما تريد بكين إغلاق الإمدادات لتأمين نموها الاقتصادي.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ستة أشهر – والجهود الغربية لمعاقبة روسيا وفطم أوروبا عن الطاقة الروسية – إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات لم نشهدها منذ أكثر من عقد.
يحرص موردو الطاقة في أوبك، بقيادة السعودية، على إبقائهم مرتفعين، مما يؤدي فقط إلى زيادة طفيفة في الإنتاج على الرغم من مناشدات بايدن ويناقشون الآن علانية خفض الإنتاج.
قد لا تظهر حرب أوكرانيا أي علامة على الانتهاء، لكن السعودية تعرف أن نافذة الفرص المتاحة لها ليست بلا حدود.
يشير تحليل أجرته الشركة استشارية “McKinsey” ومتخصصون آخرون إلى أن عدة قرون من ارتفاع الطلب العالمي على النفط قد تصل إلى ذروتها في 3-5 سنوات مقبلة، بسبب الزيادة في السيارات الكهربائية والهجينة.
قد يؤدي ذلك إلى تحويل ميزان القوى إلى منتجي الغاز الطبيعي، وهو أمر حيوي لكل من التدفئة وإنتاج الكهرباء ومنح ميزة لدول مثل روسيا وكندا والسعودية، وهي قطر، التي حاصرها الحلفاء السعوديون والخليجيون جزئياً في عام 2017 بسبب قضايا متعددة، بما في ذلك دعمها للإخوان المسلمين و “الإرهاب” المزعوم.
الفرصة الجيوسياسية
لذلك، لم يكن من الممكن أن تأتي التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين في وقت أفضل بالنسبة للرياض، حيث كانت إدارة بايدن صريحة في تصميمها على منع السعودية من الانجراف بعيداً في مجال نفوذ بكين الاستبدادي.
قبل زيارته في يوليو، تعهد بايدن بـ “إعادة توجيه وليس قطع” العلاقات مع المملكة، التي قال إنها كانت شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة لمدة 80 عاماً.
حتى قبل مقتل خاشقجي وتفكك العلاقات، كانت السعودية تقترب دبلوماسياً واقتصادياً من بكين.
ويشمل ذلك “شراكة استراتيجية” لعام 2016 مرتبطة بـ “تعاون طاقة مستقر وطويل الأجل”، وزيادة التجارة بقيمة 65.2 مليار دولار في عام 2020، مقارنة بأقل من 20 مليار دولار مع الولايات المتحدة في نفس العام.
تبيع كل من الصين والولايات المتحدة أسلحة للسعودية، لكن هناك تقارير تفيد بأن بكين تساعد الرياض أيضاً في بناء صواريخها الباليستية إلى جانب صفقات أسلحة أخرى.
الدول الأوروبية أيضاً في عجلة من أمرها لكسب العلاقات مع السعودية، قام رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، بزيارة رفيعة المستوى للسعودية في مارس، بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي يُنظر إليه على أنه عرض عارٍ نسبياً لإمدادات الطاقة من كل من الرياض ودول الخليج المجاورة.
وتأتي زيارة بن سلمان إلى فرنسا بعد عدة سنوات من الجهود التي بذلها كلا البلدين لتحسين العلاقات.
في الوقت الذي يتودد فيه الغرب للرياض، يبدو أن السعودية تبذل جهداً لتقوية علاقاتها الإقليمية.
شهد يونيو زيارة بن سلمان لتركيا للمرة الأولى منذ مقتل خاشقجي ومصافحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكأن الأخير لم يتهم علانية “أعلى مستويات الحكومة السعودية” بالقتل.
بناء الجسور وتطلع الأعداء
كما هو الحال مع زيارة الزعيم الأوزبكي، ميرزيوييف، فإن التقارب في العلاقات التركية السعودية يغذيه الحاجة المتبادلة للأصدقاء، جزئياً من خلال تغيير الدوافع السياسية المحلية في كلا البلدين.
تركيا تكافح التضخم الذي تجاوز 80 %، قبل انتخابات العام المقبل.
وفي أوزبكستان، أعقب الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس إسلام كريموف في عام 1991 إلى السعودية تدهوراً دراماتيكياً للعلاقات بعد أن قام الزعيم الأوزبكي بقمع المذهب الوهابي المحافظ للإسلام السني، مما أدى إلى تفاقم التوترات بشكل كبير.
ونقلت وسائل الإعلام الأوزبكية عن مسؤولين هناك قولهم إن المملكة العربية السعودية قد تغيرت أيضاً، مما لفت الانتباه بشكل خاص إلى السماح للمرأة بالحصول على رخص القيادة.
العلاقات السعودية مع إيران أكثر تعقيداً، قطعت الرياض العلاقات مع طهران في عام 2016 بعد أن اقتحمت حشد غاضب السفارة السعودية وأضرمت فيها النار في أعقاب إعدام رجل دين شيعي في المملكة العربية السعودية، مع تفاقم الحرب المستمرة منذ فترة طويلة في اليمن، حيث تقاتل القوات السعودية والإماراتية مع إيران مقاتلي الحوثي المتحالفين.
تدهورت العلاقات أكثر في عام 2019، مع ضربات طائرات بدون طيار للحوثيين وضربات صاروخية على أهداف في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لكنها تحسنت منذ ذلك الحين، حيث عززت الكويت وأبو ظبي التجارة والروابط في السنوات الأخيرة، وأعادت الإمارات سفيرها إلى طهران هذا الشهر.
ودفع ذلك الحكومة السعودية إلى اتخاذ خطوات مماثلة وإن كانت أبطأ، على الرغم من استمرار انعدام الثقة.
ولا تزال العلاقات مع قطر متوترة بالمثل، على الرغم من انتهاء الحصار الجزئي العام الماضي.
تأمل إدارة بايدن في أن يؤدي تواصلها الدبلوماسي إلى تقليل التوترات الإقليمية، بما في ذلك إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران.
كما أنفقت الولايات المتحدة أيضاً رأس مال دبلوماسياً كبيراً على بناء العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، بدءاً من البحرين والإمارات وانفتاح الأجواء السعودية على إسرائيل التي يُنظر إليها على أنها خطوة أخرى.
إلى أي مدى ستتخلى السعودية عن هذا الأمر حقاً يظل سؤالاً مفتوحاً – على الرغم من أنه يبدو أن هناك القليل من الشك في أن طهران لا تزال أكثر قلقاً من إسرائيل.
إذا كان التاريخ الحديث هو أي قاضٍ، فإن المملكة العربية السعودية الحديثة ترغب في الحفاظ على الحرية لإيذاء أعدائها بقدر ما ترغب في أصدقاء جدد
بقلم: بيتر ابس
30 أغسطس 2022 (صحيفة ” ميدل ايست مينتور- “Middle East Monitor البريطانية – ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع