حليم خاتون*

 

“احترنا يا قرعة، من وين بدنا نبوسك”…

“تقدم” هو حزب جديد في لبنان…

هو يختلف عن الحزب التقدمي، لكن في الظاهر…

في الجوهر والمضمون، هما وجهان لعملة واحدة…

حزب “تقدم”، هو نتاج سحب “أشرف الناس” من الشوارع والساحات وتركها لمن يرتع فيها..

هكذا سمح انسحاب الناس من الساحات بناء على طلب حزب الله أن الحمير سادت بعدما غابت الأسود…

بعد هفوة تسمية الحصار الأميركي للبنان بالاسم في مقابلة سابقة، وبعد الحماسة الزائدة للخط ٢٩، المرفوض أميركيا…

ها هي لوري هايتايان تلمع أكثر، وتغطي على عبقرية مارك ضو…

صدقوا أو لا تصدقوا،

“مُسيٌرات وتهديدات حزب الله هي السبب أن الإسرائيليين انتبهوا لخطة ليبيد وهوكشتاين الجهنمية في التنازل للبنان، وهذا ما عقّد المسألة…!!!”

“كاد هوكشتاين يعطي لبنان ما يريد لولا “عبثية” حزب الله التي نبهت “اليمين” الإسرائيلي، فتعطلت الصفقة…!!!”

هذا ما قالته “الست” لوري بعدما حكّت رأسها قليلا قبل الوصول إلى هذا الاستنتاج العظيم…

“ابنك يا ثريا حمار، هو ذكي، بس حمار”…

في الوقت نفسه، تنتقد السيدة هاياتيان صمت حزب الله عن تنازل ميشال عون عن الخط ٢٩…

كيف “ركب” هذا التحليل العبقري، هو سر لا يتقنه إلا نواب الصدفة في القانون الانتخابي العظيم…

مارك ضو يريد اقتحام الأحزاب والأديان عبر نشر الثقافة والمنطق العلمي في الطوائف…

كلام حق، يراد به باطل…

كيف لفاقد الشيء أن يعطيه، هي فعلاً أحجية لا حل لها…

“نواب التغيير”، قمة التعتير…

أصلاً… “نواب الصدفة” يجب أن يشكروا حزب الله وميشال عون ونبيه بري على قانون الانتخاب المركب من الشيء وضده في آن معاً…

حزب الله وحركة أمل اللذان يرفضان الاستنسابية والاعتباطية في القضاء، استطاعا النجاح في تطوير قانون هجين للانتخاب عبر لصق قطع جزئية من كل قوانين العالم ببعضها بعد إضافة بهارات من النكهة اللبنانية، حتى خرج قانون العصر اللبناني الحديث مجرد ترقيعات متلاصقة…

قانون يسمح لمرشح أن ينجح ببضعة اصوات في منطقة ما ومن طائفة ما، بينما يخسر مرشح آخر، في منطقة أخرى، من طائفة أخرى رغم حصوله على آلاف الاصوات…

تحيا الاستنسابية والاعتباطية في الانتخاب!!!

حزب الله لا يحتاج إلى نقد في الأيام القليلة المقبلة…

“اللي فيه، بكفيه”…

نحن فعلاً على شفير حرب تحرير مقدسة رغم أنها محدودة في هدف التحرير بعد تخلي السلطة الحاكمة في لبنان عن حقوق لبنان في الخط ٢٩…

وكما قال الأستاذ فراس الشوفي، نحن اهل هذه الأرض، لا نعترف بأية خطوط وضعها سايكس وبيكو في ليلة مظلمة على هذا الشرق…

حزب الله يعلن التعبئة العامة تحسباً…

هذا ليس سرا…

لقد دعا الحزب فعلا مقاتليه إلى عدم الوفاء بزيارة الأربعين التقليدية إلى كربلاء…

هل يلعبها حزب الله صح، أم هي لعبة پوكر مع الكيان…؟

أهم ما قاله زياد نخالة للسيد نصرالله عما حصل في غزة مؤخراً، إن الصهاينة لا مجال أمامهم إلا الحرب…

كلما حُشروا في زاوية، تزداد شراستهم…

ما فعلوه في غزة، قد يفعلونه في لبنان…

بينما ينام اللبنانيون على حرير استحالة لجوء إسرائيل لتوجية الضربة الأولى خوفا من الدمار الذي سوف يلحق بها، يدل تاريخ هذا الكيان أن هؤلاء يعرفون جيدا أن أية هزيمة عسكرية تلحق بهم سوف تكون الهزيمة الأولى والأخيرة، لذلك قد يفاجأ حزب الله بأن إسرائيل تفعل في لبنان ما فعلته في غزة وما فعلته مع عبد الناصر سنة ٦٧…

ببساطة لا عمق استراتيجي لهذا الكيان حتى لو جاء إلى نجدته كل قطيع التطبيع أو حتى حلف الأطلسي وعملاء الداخل والخارج…،

عندما يكون ظهر هذا العدو إلى الحائط، هو سوف يقاتل بوحشية ويمارس كل همجية القتل الموجودة في عقيدته الصهيونية المشربة من كأس الغرب الإمبريالي…

وحشية رأيناها في ناكازاكي وهيروشيما وفيتنام والكونغو وغيرها…

لذلك، ولأنه مهما كان حجم خسائر الحرب، فإن حجم خسائر الهزيمة أكثر، سوف يقاتل هذا الكيان بشراسة وجنون ووحشية…

صحيح أن القبول بالخط ٢٣+، هو هزيمة معنوية فقط للكيان…

لكن هذا سوف يكون انسحابا من بحر عربي مرة أخرى دون شروط استسلام عربي إلى حد ما…

شيء لا يشبه نصر سنة ٢٠٠٠ في لبنان، لكنه يشبه الانسحاب من غزة مع إخماد الانتفاضة الفلسطينية بفضل أوسلو…

أنه أكثر من حرب تشرين ٧٣ التحريكية، لكنه بالتأكيد أقل من حرب حزب الله التحريرية التي خاضها هذا الحزب خلال أربعين عام من الجهاد والنضال المتواصل على اكثر من جبهة، ومع عدو واحد متعدد الوجوه…

رغم أن تكتيك حزب الله يهدف السير خطوة واحدة فقط إلى الأمام، مع النأي بالنفس عن الاعتراف بحدود مع كيان غاصب؛ إلا أن هذه الخطوة هي فعلا إلى الأمام الأمام…

هي خطوة جبارة وليست مجرد مهرجان زجل أو عزف موسيقي شاذ مما قام به حزب “تقدم” ونواب التعتير في التغيير الذين يشبهون كثيرا بؤس ديما صادق العقلي، لكن مع وجود في برلمان لا يقل خنوعا وتفاهة عنهم…

نواب صدفة لا يستندون إلى شارع شعبي عريض، لكنه شارع موجود في لبنان حيث الخيانة وجهة نظر…

شارع ليس قليلا على الإطلاق؛ له حتى مرشحون لرئاسة جمهورية الموز اللبنانية…

مرة أخرى وليس أخيرة، الحرب واقعة لا محالة إذا تشبث أهل الحق بحقوقهم…

قد تكون الآن، بسبب الترسيم الصعب على البلع عند الصهاينة، والاكثر صعوبة على القبول عند الأميركي الذي يعرف أنه يخسر الأرض امام المقاومة مرة أخرى إذا نجح حزب الله وفشل الحصار المضروب على شعب لبنان…

هل يخاف العدو، ومن ورائه الغرب الإمبريالي من فتح جبهة في لبنان بسبب انشغالهم في أوكرانيا وفي بحر الصين…؟

هم موجودون بشكل مباشر في كل الجبهات؛ في الشام، في العراق، في الخليج… بدأوا بإرسال الجنود والجيوش إلى إلى اليمن…

من يفعل كل هذا ينوي توجيه الضربة الأولى عله ينجح في لبنان كما نجح مؤخرا في غزة…

من يفعل كل هذا مصمم على الحرب لأنه يرى أنها الشيء الوحيد الذي يحفظ له الهيمنة على هذا العالم…

في المقابل، لا تزال الجبهات في الطرف المواجه مفككة…

روسيا دخلت الحرب المباشرة مكرهة؛ الصين محتارة بين هدم هذا النظام العالمي وبين مواصلة الصعود فيه رغم العلم اليقين أن الأميركي لم يعد يستطيع السماح بغض النظر عن خروج المارد الصيني من السبات رغم تحذير نابليون من هذا المارد قبل أكثر من قرن ونصف…

بلدان العالم الثالث مفككة من الخارج ومن الداخل، وما حصل في غزة جعل شعار وحدة الساحات، مجرد شعار لم يتحقق؛

لكن، ومرة أخرى، ظهر الإمبريالية إلى الحائط؛ كذلك ظهر الكيان المصطنع…

الأول بدأ يفقد السيطرة في كل مكان وما حدث ويحدث في أوكرانيا يجعله يعتقد أن الصين سوف تكون حالة مشابهة…

مع إيران، هو لا يزال يرجو الوصول إلى دق اسفين بين هذه القوة الصاعدة وبين حلفائها الطبيعيين…

إسرائيل كذلك، بعد سقوط حلم إسرائيل النووية الكبرى، تحولت ترسانتها إلى تهديد لها مع ما يحدث في زاباروجيا في أوكرانيا…

الترسانة النووية في الكيان صار سيفاً ذا حدين…

الكل يتمنى تحقيق أمنياته دون حرب…

لكن كيف السبيل الى هذا والأمنيات متناقضة إلى حد الاستحالة؟

لم يعد القطيع يجري دون هدى أمام بضعة وحوش مهاجمة…

بات بعض القطيع يتلفت إلى الخلف، يستدير ويهاجم الوحوش هو أيضاً…

إنها نهاية النظام العالمي القديم…

إنه مخاض عالم جديد لم تتحدد بعد خيوط التكوين فيه…

من يحارب اليوم يكون سيدا في هذا العالم الجديد…

أما العبيد فلهم الآخرة بعد أن يديروا خدهم الآخر للصفع مرة أخرى…

في آخر تصاريح المسؤولين الألمان والفرنسيين، يقول الرئيس الفرنسي إن عهد الرخاء في فرنسا قد انتهى…

الضربة أتت من حرب الأميركيين على روسيا في أوكرانيا…

قد لا يكون هناك ضربة قاضية لأن وجود البشرية على المحك…

لكن التحرر من العبودية صار ممكناً إذا ما رُفعت قبضة الحرية في وجه العالم المنتهية صلاحيته…

 

* المصدر :موقع إضاءات الإخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع