أحمد يحيى الديلمي

 

 

من لدية المام ولو بسيط بخلفيات الصراع في ما يسمى بمنطقة الشرق الاوسط من السهل علية معرفة الخطط  وحلقات التآمر الغربية على العرب والمسلمين من زمن مبكر على وجه الخصوص القضية الفلسطينية .

منذ اطلاق ما سُمي “بوعد بلفور” الذي قدم لليهود فلسطين لقمة صايغة واعتبرها وطنا لهم والمنطقة تمر بإرهاصات و تأمرات وصراعات وحروب مريبة أججها ذلك الإعلان المشئوم الذي سمي باتفاقية “ساكس بيكو” فلقد عمقت فكرة احتلال الدول العربية واستعمارها بشكل مباشر ، ووضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني استنادا إلى وثيقة التقسيم التعاهدية بين بريطانيا وفرنسا ، وبالتالي توفرت كل الظروف لترجمة الوعد البريطاني المسمى “بلفور” عمليا على أرض الواقع وبداية تهجير الشعب الفلسطيني كي يتم زرع دولة الكيان الصهيوني ولكي نعرف الابعاد والدالات لابد ان نستحضر الدور التأمري العربي والاسلامي الذي أسهم في بلورة الفكرة والعمل على إضعاف القرار العربي والنزعة القومية خاصة في فترة الانبعاث التي اسهمت في إذكاء النضال والتحرر من براثن الاستعمار ، وهذا ما جعل أطراف عربية تساعد دولة الكيان الصهيوني بالتحكم في مفردات القرار العربي والاسلامي بدعم ومساندة دول الغرب وفي المقدمة بريطانيا وأمريكا مما مكن الصهاينة من إرسال القذائف الشيطانية الى الكيان العربي والاسلامي وأعطت اهتمام خاص لحياه الناس الروحية والعاطفية والأعراف والتقاليد المتوارثة بهدف اضعاف الروابط الوطنية والإمعان في تفتيت العرب والمسلمين جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتوجيه السهام الى كل ما يتصل بمشاعر الانتماء للأمة الواحدة أو ثوابت العقيدة بحيث اتبعوا في هذا الجانب أساليب ملتوية عمقت الانقسامات وأذكت الصراعات على أساس ديني ومناطقي ومذهبي من خلال تشجيع ظهور الفكر السلفي الجهادي بماهو عليه من غلو وتطرف وتشدد نتيجة اعتناق الفكر الوهابي الذي يدعي التمسك بالأصول والتفرد بامتلاك الحقيقة دوناً عن المذاهب الأخرى ، هذه المعطيات تدلنا على الدور الماكر الذي لعبه نظام آل سعود في مساعدة الصهاينة على إنشاء دولتهم في فلسطين السليبة ، هذا الدور الخطير تركز في الجانبين السياسي والديني كما يلي :-

 

أولاً : الجانب السياسي :-

كانت مبادرة عبدالعزيز آل سعود للاعتراف بحق اليهود التاريخي لفلسطين أولى خطوات التخاذل والهزيمة حيث أعلنها بصراحة قائلا( أوافق على اعطاء ارض فلسطين لليهود المساكين ) في ضوء هذه القاعدة المشؤمة توالت حلقات التآمر على الامة والعقيدة وأن بشكل خفي ظل النظام السعودي يخلص في ترجمة التعاليم الامريكية والبريطانية ، وزاد هذا الدور حدة بعد تعاظم الثروة من عائدات النفظ فلقد عمل النظام السعودي على خلخلة الواقع وتزييف وعي الناس لإقناعهم بان تحرير فلسطين شأن داخلي يهم اصحاب الأرض وحدهم ومهدت لما يسمي برحله السلام وفق مبادرة الامير عبدالله ولي العهد السعودي آنذاك التي استطاعت السعودية بأموالها وقوة نفوذها أن تحولها إلى مبادرة عربية بعد أن اقرتها قمة بيروت عام 2002م ، أي أن الطرف السعودي والخليجي وصل الى غاياته ممثلة في الامساك بزمام القرار في الجامعة العربية وتفريغ هذا الكيان القومي من مضامينه الأساسية ممثلة في لم صف الأمة والمساعدة على تحريرها من كل غاصب محتل في أي أرض عربية ، وبالفعل تمادى هذا النظام بتوجيه ودعم وإسناد امريكا في التآمر على الأمة حيث مثل جسراً لضرب الدول العربية الممانعة كما يلي :

  • غزو العراق .
  • استهداف مقاومة لبنان والتشكيك في انتمائها للامة .
  • التآمر على سوريا ومحاولة إسقاط النظام فيه للنيل من اخر قلعة للمقاومة .
  • تحويل الجامعة العربية الى مجرد وسيط لشرعنه ضرب الدول العربية وفي المقدمة ليبيا .
  • شن العدوان الهمجي السافر على اليمن .
  • أخيراً وهو الأهم الاستجابة للرغبات الامريكية والصهيونية بحرف بوصلة الصراع العربي مع العدو الصهيوني وإحلال إيران الاسلامية كبديل بهدف التمهيد لترجمة برامج التطبيع مع دولة الكيان الصهيونية وتدجين الشارع العربي ليسلم بان إيران اكثر خطورة من إسرائيل وهكذا تم اختزال الامة في محورين هما (الاعتدال – والمقاومة).

استنادا الى ما أسلفت ندرك ان النظام السعودي وظف الثروة في خلخلة الصف العربي واضعاف قيم الانتماء للامة ، أي أنه فتح المناخ امام امريكا لإيجاد بديل عن الشرق الاوسط الجديد الذي فشل بفعل بسالة وبطولة المقاومة اللبنانية فجاء الإعلان الجديد باسم صفقة القرن كما ورد على لسان الرئيس الامريكي الحالي “ترامب” والهدف بالطبع تصفية القضية الفلسطينية وتشجيع الدول العربية للاعتراف بدولة الكيان الصهيوني كخيار وحيد وأمثل لتحقيق السلام المزعوم .

هذا الافق الانتهازي التأمري لاشك أنه أسهم كثيراً في ترجمة الخطط والاستراتجيات المعدة سلفا من قبل امريكا بمشورة المؤسسات الصهيونية الضاغطة والذي يسعى إلى إعادة تقسيم الامة بما يتناسب مع التموضعات التي تسعى اليها دول الغرب وهو امر مخيف تؤكد المؤشرات أنه سيطال كل الدول العربية وفي المقدمة النظام السعودي .

 

ثانياً : الجانب الديني :

لتتضح الصورة أكثر لابد أن نقدم لمحة عن الفكر الوهابي الذي ورد في أبرز  أدبياته ( ثم أن هذا الدين الذي من الله به على أهل نجد بعد أن تفشى فيهم الجهل والظلال وتفشت فيهم البدع ) .

هذا الخطاب استدعى تغييراً جذرياً في منهج العقيدة وهنا اختلفت توجهات محمد بن عبد الوهاب اختلافاً كلياً فعمد إلى تكفير الشيعة وإباحة دمائهم وعلى نفس الشاكلة جاء عبدالعزيز بن سعود وبدى أكثر خطورة لأنه ترجم وجهة النظر البريطانية ، فأفتى بعدم جواز قتال الجنود البريطانيين المحتلين وأحل قتال العثمانيين بدعوى الشرك واستخدم تهمة الردة التي وظفها بن عبد الوهاب لإباحة دماء المسلمين والإمعان في تدمير جيوش الدول الإسلامية ونفس الفتوى وظفها بن سعود بن سعود فلقد أباح قتال المسلمين بتهمة الردة وحرم قتال اليهود كونهم أهل كتاب ويمكن التصالح معهم ، وقد أعتبر الأتباع هذه التوجيهات قواعد ملزمة استناداً إلى مبدأ السمع والطاعة لولي الأمر وإن كان مغرقاً في الظلال والفجور .

وفي الجانب الفقهي المتصل بتعاليم الدين أعطت الوهابية قداسة مفرطة للتعاليم الفرعية المؤيدة بنصوص ظنية واعتبارها إيديولوجية للتفسيق والتكفير والارتداد عن الدين وصولاً إلى إهدار دماء الآخرين المخالفين وإباحة أعراضهم وأموالهم وفي المقدمة المسلمين استناداً إلى ما ثبت عن محمد بن عبدالوهاب قوله ( لقد تفشى الشرك في عامة المسلمين وخاصتهم وأصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم لإعادة المسلمين إلى الصواب ) زاد هذا التوجه حدة بعد إنطلاق حركة الإخوان المسلمين في مصر وحملت نفس معاني الغلو والتطرف والتشدد ، خاصة في المرحلة الثانية التي تزعمها سيد قطب الذي قال ( لقد عاد المسلمين إلى جاهلية أعظم من الجاهلية الأولى وأصبح الجهاد في العواصم العربية أولوية مقدمة على تحرير فلسطين) .

المقولات السابقة وغيرها أرست دعائم ثقافة غريبة على الدين مهدت لتناسل جماعات الإرهاب والتطرف التي تدخلت في كل صغيرة وكبيرة تخص حياة الناس بدعوى أنهم وكلاء الله في الأرض معنيين بتطبيق الأحكام ومن خالف أو أنتقد أو رفض الانقياد لنفس التوجهات يتهم بالزندقة والردة والكفر والإلحاد ويقام عليه الحد ، لأن الجماعات أدعت أنها تصحح مسار العقيدة وتنزه الفكر من البدع والظلالات .

في ضوء ما تقدم يتضح الدور المشبوه للسعودية وحركة الإخوان المسلمين في قيام الحركات الإسلامية ومدها بالمناهج والمال حتى توغلت الثقافة الإجرامية وما ترتب عليها من قتل وسحل ونهب باسم الإسلام ، مما جعل الآخرين بالذات أمريكا وبريطانيا والمؤسسات الصهيونية يوظفون طيش هذه الجماعات للنيل من الإسلام بالتقليل من شأن مضامينه السامية واستهدافه من داخله ، لذلك لم تتردد أجهزة المخابرات في هذه الدول عن دعم هذه الجماعات والسماح لها بالتمدد بهدف توظيفها لتحقيق المآرب المبيتة  وترجمة الخطط الخبيثة المعدة للمنطقة ببعدها الاستراتيجي وآفاقها التوسعية والتآمرية ، بحيث تحولت الجماعات التي تحمل أسم الإسلام وتقدم على أبشع الجرائم تحت رايته إلى مخلب قط سعى إلى :

  • قمع حركات وأحزاب التحرر الوطني وإضعاف دورها في الواقع .
  • تقويض الأنظمة التي ترفض الخنوع والانقياد لمرامي الأعداء المسماه بدول الممانعة .
  • تأجيج الصراعات المذهبية وإثارة الفتن على أساس مناطقي .
  • تقديم صورة بشعة عن الإسلام بداءً بأعمال تنظيم القاعدة وانتهاء بجرائم التوحش الداعشي وكل أفكار الغلو والتطرف التي عمقت الاختلالات البنيوية في منهج العقيدة بابتداع نصوص خالفت إجماع الأمة وما توافقت عليه المذاهب الإسلامية مثل التكفير بالشبهة والقتل بالظن ، وهناك تفاصيل سقيمة أخلت بمجريات الواقع وسلبت الإرادة لأن الآخر أحسن الاستفادة من حالات الإحباط ، وهذه قمة المهزلة وبالتالي يمكن لأي متابع فطن أن يُدرك أوجه الشبه الكبير بين ما يجري اليوم من حروب ونزاعات في المنطقة العربية وما يرافقها من الاضطهاد الديني والتناحر المذهبي ، وبين الإرهاصات وحالات المخاض التي سبقت اتفاقية “ساكس بيكو” وتحديد مناطق النفوذ .

من ثم تسقط كل المبررات والذرائع التي مهدت لتدخل الدول الكبرى والسماح لأحدث طائراتها العسكرية بانتهاك الأجواء وتعدي سيادة الدول المستقلة بكل سهولة وطمأنينة تامة تحت راية ومباركة الأمم المتحدة المسئولة عن تنظيم العلاقة وحماية سيادة واستقلال كل دولة عضو فيها، كما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا .

كل الشواهد والمؤشرات تؤكد دون  أدنى مجال للشك أن الهدف إعادة تقسيم المنطقة جغرافياً وفق الخطط والبرامج المعدة سلفاً لتحقيق غايتين :

1-    ضمان أمن دولة الكيان الصهيوني وفرض وجودها في المنطقة كأمر واقع لا مناص من التسليم به .

2-    تحديد تموضعات الدول الكبرى وضمان مصالحها .

أليست نفس المشاهد التي سبقت الاتفاقية المشئومة تتكرر معززة بحركة الواقع السلبية لدى الطرف المستهدف ؟!

أعتقد أن الإجابة ستكون ” نعم ” مع فارق جوهري يؤكد أن حركة التكالب الدولي في المرحلة الراهنة اتبعت أسلوب انتهازي خطير يمكنها من ترجمة المؤامرة الخبيثة عن بُعد بأموال  وسواعد عربية .

فإذا كانت الدول في الماضي قد أجبرت العرب والمسلمين على الخضوع والاستسلام بقوة الحديد والنار ومن خلال جحافل الجيوش التي جلبتها إلى المنطقة وخاضت معارك حقيقية مع السكان وجهاً لوجه ، فإن الخطط اليوم تنفذ عن بُعد ومن العرب والمسلمين أنفسهم .

مما تقدم يتضح أن أمريكا مهما خططت ومهما وضعت من برامج فإنها في النهاية ستصل إلى الغياب المحتوم ، وهذا هو حال كل حضارة ظهرت ثم سادت ثم بادت ، وبالتالي فإن أمريكا التي قامت على انقاض المجد الأوروبي قد تنتهي على أيدي الحلف الصيني الروسي أو التركي الإيراني ، وكلها أحلاف تمهد لأن تسود وإن كانت المؤشرات تدل على قرب  ظهور الغول الصيني فهو الذي سيظهر بشكل كبير ويبدل خارطة المنطقة ، ليس الشرق الأوسط فقط بل العالم ومن ثم ينتهي كل هذا الضجيج الأمريكي وتتحول أمريكا إلى وصيف للغول الجديد ، كما هو حال بريطانيا الآن رأس الحربة في أوروبا .

المهم أن هذه إرادة الله ، كل حضارة وإن طال زمنها مآلها النهاية والزوال ، وهذه القاعدة يجب أن يتجرعها الجميع وفي المقدمة أمريكا وقبلهم آل سعود بإرادة الله سبحانه وتعالى .