لماذا تشعر “إسرائيل” بالقلق من العدوان الأخير على غزة
السياسية :
بقلم: الدكتور عدنان أبو عامر
( موقع “ميدل إيست مينتور” البريطانية ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
بعد انتهاء الهجوم العسكري “الإسرائيلي” الأخير على قطاع غزة والذي استمر أقل من ستين ساعة، بدأت الانتقادات الموجهة إلى صناع القرار السياسي والعسكري في الظهور داخل دولة الاحتلال.
كان أهم جانب في هذا الانتقاد أن القصف لن يمنع الطرفين من الانزلاق إلى جولات قتال أخرى، مما يعني أن “الإسرائيليين” سيواجهون صراعا مفتوحا دون أن يتمكنوا من إنهائه بشروطهم الخاصة.
بدأ الهجوم “الإسرائيلي” بمقتل قائد عسكري في حركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي سينظر إليه جيش الاحتلال على أنه إنجاز عملياتي له أهمية كبيرة.
ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة أعمق على الوضع بينما لا يزال وقف إطلاق النار ليلة الأحد ساريا تظهر عددا من الثغرات في السياسة “الإسرائيلية” تجاه غزة.
تظهر أولى هذه الثغرات هشاشة التخطيط العسكري الذي دأبت “إسرائيل” على الترويج له منذ نهاية الحرب السابقة ضد غزة في مايو من العام الماضي.
لقد استند إلى افتراض خاطئ بأنه كلما كانت نوعية الحياة أفضل لسكان قطاع غزة، قل احتمال وقوع مواجهة عسكرية جديدة.
الفجوة الثانية هي الافتراض بأن حماس لن تخوض حربا مع” إسرائيل” خوفا من خسارة أي من أصولها التي تساهم في استقرار حكمها.
الفجوة الثالثة هي علامة الاستفهام حول عدم فاعلية المعادلة الاستراتيجية التي تروج لها “إسرائيل”.
وهناك رغبة “إسرائيلية” أخرى في التعامل مع حماس والجهاد الإسلامي بشكل منفصل، بما يتعارض مع الافتراض الأساسي الذي تقوم عليه سياستها، وهو أن حماس تحكم القطاع، وبالتالي فهي مسؤولة عن كل ما يحدث هناك.
قد يؤدي القتال الذي يركز فقط على الجهاد الإسلامي إلى عودة “إسرائيل” إلى عصر جولات القتال المتقطعة.
تهدف الانتقادات إلى كشف ما يقول “الإسرائيليون” إنه فرق بين تصورات “إسرائيل” حول الهجوم وتصورات حماس.
على الرغم من أنها بدت وكأنها غير متورطة، إلا أن حماس قدمت بالفعل الكثير من الدعم للجهاد الإسلامي في الساعات الأخيرة من الصراع.
ومن هنا جاءت مخاوف “إسرائيل” من أن تكون مفتوحة، مما يسمح لحماس وفصائل المقاومة الأخرى في غزة بإعادة تجميع صفوفها للتعامل مع الهجمات “الإسرائيلية” المستقبلية لأن السياق الأمني قد يدفع “إسرائيل” إلى الاعتقاد بأن سياستها ستضمن هدوءا طويل الأمد في قطاع غزة.
لم يكن سرا أن “إسرائيل” أرادت هجوماً قصير الأمد هذه المرة.
لم تكن مهتمة بعملية واسعة النطاق، على الرغم من الانتشار الهائل للقوات على الأرض.
إن العملية الأطول تعني دفع ثمن بشري واقتصادي وأمني باهظ.
بعد أن بدأ هذا الهجوم، حرص الجيش “الإسرائيلي” على حماية المستوطنات القريبة من الحدود الاسمية مع غزة، حتى لا تمنح جماعات المقاومة انتصارا دعائيا برؤية المستوطنين “الإسرائيليين” يخلون منازلهم.
كما أراد الجيش التأكد من أن الجمهور يتجنب إلحاق الخسائر داخليا من خلال عدم الانضباط، وفقا لردود الحرب السابقة.
عامل آخر اعتبره الجيش والسياسيون هو الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا.
في مايو من العام الماضي، تم إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه “إسرائيل”، وهذا يمكن أن يحدث مرة أخرى.
تزعم تقارير “إسرائيلية” متكررة أن حماس تقيم هيكلية عسكرية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
هناك عامل آخر يتعلق بكيفية رد فعل الفلسطينيين الذين يعيشون في ما يسمى بـ “المدن المختلطة” داخل “إسرائيل”، مثل يافا وحيفا واللد والرملة وعكا، على العدوان “الإسرائيلي” في غزة والضفة الغربية.
خرجوا العام الماضي إلى الشوارع دعما لفصائل المقاومة وضد الاحتلال المستمر والاعتداءات على المسجد الأقصى في القدس المحتلة.
دفع هذا قوة الشرطة “الإسرائيلية” إلى إجراء تحضيرات أمنية مفتوحة خلال عطلة نهاية الأسبوع ضد حدوث مثل هذا الاحتمال مرة أخرى.
كما أدركت “إسرائيل” أنها بحاجة إلى تنظيم حملة سياسية وإعلامية دولية لحشد التأييد لعدوانها على الفلسطينيين، لأن العالم يعلم أنها بدأت الجولة الأخيرة وواجهت مشكلة في محاولة تبريرها.
كانت الحرب الأطول ستجعل هذا الأمر أكثر صعوبة.
لعب السياسيون الغربيون دورهم بالقول إنه من غير المقبول إطلاق الصواريخ من غزة و”إسرائيل” لها الحق في الدفاع عن نفسها، ليس لها مثل هذا الحق كقوة محتلة.
أخيرا، لا يمكننا التغاضي عن حقيقة أن انتخابات عامة تلوح في الأفق في “إسرائيل” وأن رئيس الوزراء المؤقت لابيد يحتاج إلى إثبات أوراق اعتماده الأمنية نظرا لأنه ليس لديه خدمة عسكرية تستحق التحدث عنها.
هو وزملاؤه يأملون في تحقيق مكاسب انتخابية على حساب الدم الفلسطيني.
كان هذا أول هجوم كبير ضد الفلسطينيين تحت قيادة لبيد.
أول مرة منذ ثلاثة عشر عاما اندلعت حرب مع الليكود في المعارضة.
والمرة الأولى التي يتم فيها شن هجوم عسكري على الفلسطينيين في حين أن طرفا عربيا هو جزء من الائتلاف الحكومي في دولة الاحتلال.
عندما اندلعت حرب غزة في مايو 2021، اتهم لبيد وزملاؤه حكومة بنيامين نتنياهو بخوض الحرب لأسباب سياسية حزبية وقدم نتنياهو دعمه لحكومة لبيد الأسبوع الماضي.
عرف “الإسرائيليون” أن لابد أن ينهي الهجوم الأخير في غضون يومين إلى ثلاثة أيام، حتى يخرج بأقل قدر من الخسائر؛ أكياس الجثث ضارة بالعلاقات العامة.
كانوا يعلمون أنه قد يخسر الكثير إذا أصبحت الحرب أكثر تعقيدا.
لذلك، قد يمثل ذلك نهاية مريرة ومبكرة لرئاسته للوزراء التي استمرت حتى الآن خمسة أسابيع فقط.
وافق على وقف إطلاق النار دون أن يعرف بالضبط الآثار الإيجابية أو السلبية للهجوم على فرصه الانتخابية والتي قد تعتمد على مقدار الدم الذي أراق من الفلسطينيين.
لا عجب أن” إسرائيل “معنية.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع