هجوم ” إسرائيل” على غزة امتداد لحربها الدموية على جنين
السياسية :
بقلم: ابراهيم فريحات وريما ابو رمضان
(موقع: “Middle East Eye “ميدل ايست آي، لندن-ترجمة: انيسة معيض، الادارة العامة للترجمة والتحرير الاجنبي” سبأ”)
بدلا من غزو واسع النطاق لمخيم جنين للاجئين، يبدو أن إسرائيل قررت مهاجمة غزة، حيث تحتفظ فصائل المقاومة الفلسطينية بوجود أقوى بكثير
لم تبدأ الحرب الإسرائيلية على حركات المقاومة الفلسطينية – بما في ذلك الجهاد الإسلامي في غزة – قبل أيام قليلة وهي مستمرة منذ شهور في جنين.
قال لي صاحب مقهى محلي قبل ثلاثة أسابيع خلال زيارتي لمدينة جنين شمال الضفة الغربية: “لدينا حرب في جنين”.
وعندما طلبت المزيد من التوضيح قال: “إسرائيل تشن حرب قصف واغتيالات في المدينة، الشعب يقاوم والسلطة الفلسطينية جالسة وتراقب”.
من المعروف الآن أن جنين تقع بشكل أساسي خارج السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية، في حين يبدو أن إسرائيل قد حولت استراتيجيتها من العمليات العسكرية واسعة النطاق إلى عمليات قتل تستهدف النشطاء السياسيين، ان حديث صاحب المقهى جعلني أفكر: لماذا جنين؟
من جنين الى غزة:
في الأسبوع الماضي، اعتقلت إسرائيل بسام السعدي القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في مداهمة أسفرت عن مقتل شاب فلسطيني.
علاوة على ذلك، أسفرت غارة إسرائيلية في جنين في أبريل الماضي عن مقتل فلسطيني وإصابة 13 آخرين.
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، اثر عملية أخرى قتل فتى فلسطينياً وأصيب ثلاثة آخرين.
وفي 11 مايو، قُتلت صحفية الجزيرة شيرين أبو عقله أثناء تغطيتها لأحداث المخيم، مما أثار إدانة عالمية.
لكن الهجمات لم تتوقف عند هذا الحد: ففي يونيو، داهمت حوالي 30 مركبة عسكرية إسرائيلية جنين وحاصر الجنود سيارة في شرق المدينة وفتحوا النار على الرجال الأربعة بداخلها، حيث قتل ثلاثة واصيب الرابع بجروح خطيرة.
أثار الهجوم مخاوف من حدوث غزو إسرائيلي واسع النطاق لمخيم جنين للاجئين، حيث تنشط الأجنحة المسلحة لحركة الجهاد الإسلامي وفتح.
ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل قررت بدلاً من ذلك مهاجمة غزة حيث تحتفظ حركة الجهاد الإسلامي بوجود أقوى بكثير.
يتعرض الشباب في جنين لضغوط مستمرة ويصارعون مصاعب الحياة اليومية تحت الاحتلال.
تؤدي العمليات العسكرية الإسرائيلية في المدينة الى تقويض السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية ومصداقيتها في أعين شعبها، حيث تفشل القيادة الفلسطينية في حماية المواطنين المستضعفين.
وبدلاً من الرد الرسمي، ينفذ الفلسطينيون من جنين بشكل فردي هجمات ضد الإسرائيليين.
فوضى في الشوارع
تأمل إسرائيل من خلال اعتداءاتها على جنين تحقيق هدفين: حرمان السلطة الفلسطينية من أي ادعاء للسيطرة على الأمن في المنطقة وتشجيع الجهات الأخرى – مثل العشائر – على التصعيد وملء الفراغ الأمني.
على سبيل المثال، في الخليل، تلعب القبائل دوراً رئيسياً في الحفاظ على الأمن وحل النزاعات.
وعلى عكس السلطة الفلسطينية، توفر القبائل الأمن والاستقرار لأفرادها دون المطالبة بالحقوق الوطنية والسياسية.
هذا مثالي لإسرائيل وتأمل أن يتم إنشاء شيء مماثل في جنين.
تريد إسرائيل إبعاد القيادة الفلسطينية إلى إدارة مدنية تتبع أوامر إسرائيل ولا تملك سلطة للمطالبة بحقوق وطنية أو سياسية.
من ناحية أخرى، تراقب السلطة الفلسطينية بهدوء الوضع في جنين بهدف إظهار إسرائيل كيف يمكن أن تبدو المدينة – وربما أجزاء أخرى من الأراضي المحتلة – في غياب الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
تأمل السلطة الفلسطينية أن تفشل إسرائيل في جنين، بحيث تصبح سيطرتها الأمنية أكثر إلحاحاً.
لقد بنت السلطة مصداقيتها مع الولايات المتحدة على أساس كونها الطرف الوحيد القادر على توفير الأمن في الضفة الغربية المحتلة وتمثل الحرب في جنين فرصة لإثبات أنه بدون وجودها تسود الفوضى.
في هذه المعركة المستمرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، يغيب مواطنو جنين عن حسابات التفاضل والتكامل.
بين العمليات الإسرائيلية العدوانية وفشل السلطة الفلسطينية في التدخل وتوفير الحماية، يتجه البعض إلى العنف باعتباره الملاذ الوحيد لمعالجة الفراغ الأمني.
ينتفض أهالي جنين وخاصة شباب المدينة ضد التهميش الذي عانوا منه تاريخياً بسبب سياسات التنمية الفاشلة للسلطة الفلسطينية والدول المانحة.
وسط نقص فرص العمل في المدينة وحمل بعض الشباب المحبطين والمثبطين السلاح، معتبرين ذلك طريقة واحدة لاستعادة الكرامة في مواجهة الصعوبات الهائلة.
هوية المقاومة
إن ثورة جنين ليست مجرد رد على العمليات والاعتداءات الإسرائيلية، إنها تتعلق أيضاً بالهوية.
لقد كانت المقاومة ضد الجيوش الأجنبية محفورة تاريخياً في عقول وقلوب وروايات أهل المدينة.
كانت جنين ساحة المعركة الرئيسية لانتفاضة عام 1936 ضد الانتداب البريطاني، حيث قتلت القوات البريطانية زعيم المقاومة عز الدين القسام.
كما قتل زعيم ثوري بارز آخر ، الشيخ فرحان السعدي، على يد الجيش البريطاني في جنين.
قال أحد الأشخاص في المقهى أثناء زيارتي: “نحن أحفاد القسام، هذا نحن؛ لا يمكننا أن نبقى صامتين “.
ومؤخرا، قاد مخيم جنين أصعب مواجهة مع إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية.
وفي 2002 اقتحمت القوات الاسرائيلية المخيم وقتلت اكثر من 50 فلسطينيا وقتل في العملية حوالي عشرين جنديا اسرائيلي.
العديد من شباب جنين الذين يخوضون الحرب اليوم كانوا أطفالاً أو لم يولدوا بعد خلال الانتفاضة الثانية، لكن تاريخ المقاومة في المدينة محفور في هويتهم وكان بمثابة حافز لأعمالهم الثورية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
تقع جنين على أطراف الضفة الغربية المحتلة وهي قريبة جداً جغرافياً من إسرائيل، مما سهل العمليات الفلسطينية داخل البلد.
ومع استمرار نمو المستوطنات الإسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية فإن الفصل بين المنطقتين أمر مستحيل.
يثير هذا مخاوف جدية بشأن أسطورة حل الدولتين، مما يمهد الطريق لما أطلق عليه المحللون “واقع الدولة الواحدة”.
التاريخ والهوية والكرامة والتهميش وزوال حل الدولتين، يبدو أن كل هذه العوامل تجيب على سؤالي الأول: لماذا جنين؟
إذا مشيت في جنين سترى الفخر والكرامة في عيون الناس، رغم الظروف الصعبة والغارات الإسرائيلية المتواصلة، يستمتع الناس بما يعنيه التحرر من الخوف.
قال أحد السكان المحليين “لسنا خائفين، إسرائيل تخاف منا”.
لم تحطم الحرب أهل جنين، بل جعلتهم أقوى.
إبراهيم فريحات أستاذ مشارك في حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا. شغل سابقا منصب زميل أول في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، ودرّس حل النزاعات في جامعة جورج تاون وجامعة جورج واشنطن.
تشمل أحدث إصدارات كتبه: إيران والمملكة العربية السعودية: ترويض الصراع الفوضوي (مطبعة جامعة إدنبرة ، 2020)، الثورات غير المكتملة: اليمن وليبيا وتونس بعد الربيع العربي (مطبعة جامعة ييل ، 2016)
ريما أبو رمضان مساعدة بحث وتدريس في معهد الدوحة للدراسات العليا.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع